[media:1] الشهيد يقدم روحه وحياته في المواجهة مع الظلم والعدوان ويتحول مثالاً أخلاقياً يدفع الآخرين وخصوصاً من يعرفونه، الأقرب فالأقرب، إلى الاقتداء به وبسلوكه، سواءً الاستشهادي أم السلوك الحياتي التفصيلي في نقاطه المضيئة. بذلك يوجِد الشهيد دافعاً للآخرين لحمل أعباء الدفاع عن المجتمع، كما يوجد تحولات سلوكية في الدوائر القريبة. أهم ما في الشهيد هو المسؤولية، وتحمل العبء عن الآخرين إلى حد التخلي عن الحياة في سبيلهم، فهو نموذج للمواجهة في ظروف التهديد الكبرى أو الجزئية. جوهر الشهيد هو هذا الاندفاع والاهتمام بالشأن العام وخلع لباس الذات والذاتية. تتكون مع الوقت فئة تنسجم مع هذا الاهتمام ويصبح حياتها وهواءها الذي تتنفس، هي فئة الشهداء والمستعدين للشهادة. فئة مستعدة للتضحية بنفسها لأجل المجتمع دون مقابل معنوي أو مادي، هي فئة مثالية طهورية متعالية. ليس لكل المجتمع بشبابه وكهوله أن يكون عند خط النار الأول، ولذلك أسباب كثيرة فردية وعملية وبنيوية اجتماعية. لكن لكل فرد أن يحول الشأن العام إلى جزء حقيقي من اهتمامه اليومي، جزء لا يتجزأ من تفكيره وسلوكه وجهده وتأثيره، أن يتحرر قليلاً من اهتماماته الفردية والتعبير عن انفعالاته المباشرة، ليعطي وقتاً للصالح العام والشأن العام، دون مقابل معنوي أو مادي. هذا أقل ما يمكن للمجتمع الذي حاز على فئة الشهداء أن يقدمه. وبلغة أخرى، إن وجود الشهداء في مجتمع ما هو دليل على قابليات الرقي والتطور فيه، وعلى وجود فرصة للارتقاء والتكامل الحضاري والمعنوي. من ناحية أخرى، توفر مثالية الشهيد الحافز والنموذج الجمالي والحالة الأرضية والمعاشة للكمال المتعالي. تعبيرات مجتمع المقاومة في لبنان عن المسؤولية، تنامت بشكل متدرج منذ انطلاقتها وحتى الآن. ابتداءً من عدم الاقتناع بالدفاع عن الأرض في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لدى بعض الشرائح، وصولاً إلى تقديم الأهل لابنهم الوحيد في معركة استباقية ضد التكفيريين. الوعي الجماعي سار قدماً نحو الوصول إلى شعور ذاتي بالمسؤولية العامة والاستعداد للتضحية عند المحطات الحساسة والمفصلية. المقاومة هنا فاعل حضاري إنساني إلى جانب كونها فعلاً دفاعياً مباشراً في الميدان. وهي كحركة ريادية في مجتمعها تفتح المجال أمام الطاقات الشبابية لكي تتحفز وتنضج وتتكامل، وهي بحاجة للاستفادة من هذه التجربة الرائدة، لتأخذ دوراً تكاملياً مع حركة المقاومة. الحروب المعاصرة أصبحت شديدة الشمول، والحرب على المقاومة تجتمع فيها أطراف عديدة كذلك، ما يزيد من كثافة التحدي وتسارع التهديدات. ومن ناحية ثانية، وفي العصر الحديث عصر السرعة والتفاعل المباشر مع الأحداث، وتوسع مجالات التأثير وإمكانياته، يصبح الصراع ممارسة حياة، والحياة بكل تفاصيلها تصبح ممارسة لموقف في هذا الصراع، الصراع الذي يطال كل جوانب الحياة الثقافية والمعيشية، حيث تدفع الولايات المتحدة وحلفاؤها مليارات الدولارات لتغيير الوعي والموقف في البيئة الحاضنة للمقاومة. من ناحية أخرى، تبرز أهمية الحراك في مجتمع المقاومة، والتميز لصالح الهم العام في حياة كل فرد، في كون البيئة اللبنانية المفككة تدفع الفرد إلى داخله وإلى حاجاته الخاصة، ما يجعل الهم العام والشأن الجماعي في هامش الانشغال اليومي. مجتمع المقاومة متميز في حراكه واندفاعه وتصديه للمسؤولية بدافع ذاتي، غير أنه بحاجة إلى السير قدماً، في التطلع المثالي نحو تضحيات الشهداء، السير نوعاً لا كماً، وعمقاً لا سطحاً، وانسجاماً داخلياً لا تمايزاً. بحاجة ربما للتأمل النقدي للتركيبة الاجتماعية اللبنانية ذات الهوية المشوشة. مسار لا بد من أن يطمح للوصول إلى مرحلة "المجتمع المسؤول"، المجتمع الذي يتحرك بدافع ذاتي ليجعل من الهم العام جزءاً من يومه وجزءاً من حيويته الروحية والمعنوية والاجتماعية.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع