لا يمكن للموت بأيّ حال من الاحوال ان يكون موضع سخرية او شماتة او استثمار في حقول السياسة والارتزاق، فكيف ان كان الحدث هو موت اطفال كل ذنبهم انهم ولدوا على خط النار؟ وحين نقول اطفال نحن نعني كل طفل ولا سيما في وطننا العربي الذي اراد لنا ان تكون حماية اطفالنا هاجسا وقلقا يوميا. اما ان يتاجر البعض، وللأسف، بموت اطفالنا في البقعة التي تناسب "انسانيته" ويتغاضى عن المشهد حين يقع خارج نطاق جغرافية استثماراته، فهو امر يستحق ان يضع صاحبه تحت مساءلة في انسانيته وفي حمله للحد الأدنى من الاخلاقيات.

في البداية، وقبل الخوض في اي تفصيل، نحن "كممانعين" لسنا بحاجة الى اثبات صفاتنا الانسانية لدى احد ولسنا بحاجة لشهادة من اعلام النفط الملوّث بدم اطفالنا. يكفي ان نذكّر من نسي ان ابطال المقاومة اجلوا تنفيذ عملية اعدام العميل عقل هاشم بسبب تواجد طفله في مكان العملية، وتكرر الأمر مرارا في عمليات في الارض المحتلة الى حد اعتراف المستوطنين ان الفدائيين الفلسطينيين اكثر انسانية اذ جعلهم وجود طفل يتراجعون عن اطلاق النار. 

وبالتالي، جميعنا، ابناء منظومة المقاومة على امتداد العالم العربي، منزهون عن سفالة قتل الاطفال.. سواء اعترف لنا العالم بذلك ام لا. وقبل ان يتشدق احد بالقول ان الجيش العربي السوري قد قصف يوما ما حيّا سكنيا، فنجيب ببساطة ان اتخاذ المدنيين كدرع بشرية والاختباء بينهم هو السبب الوحيد لسقوط ابرياء في ساحات المعارك..

بالعودة الى "الانسانيين الجدد"، الذين لم يغمض لهم جفن البارحة في المقاهي والحانات وهم يلعنون ويشتمون ويبكون ويتناقلون صور اطفال ادلب، والذين بدوا شديدي اليقين بأن الجيش السوري قد استخدم السلاح الكيميائي لقتل اطفال حي شيخون، وتمادوا في استغباء انفسهم ومحاولة استغبائنا حد القفز فوق المنطق السياسي والعسكري لاستجلاب اكبر عدد ممكن من النوّاحين على اطفال ادلب، هؤلاء انفسهم، لم يرد اليهم مثلا ان ولي امرهم السعودي يقصف الاحياء السكنية في صنعاء انتقاما لفشله في تحقيق اي تقدم عسكري بمواجهة المقاومين في اليمن، واطفال سائر سوريا ايضا لم يمروا في الحقل البصري لإنسانيتهم. وهم معذورون، فقد اتتهم التوجيهات بوضع ادلب في بقعة الضوء وغمر المكان بالدموع وباستدرار العاطفة، الكاذبة مثلهم تماما.

بكثير من الموضوعية، وبغض النظر عن ثقتنا بأن عقيدة الجيش العربي السوري تمنعه ان يستخدم هذا النوع من الاسلحة وتمنعه ان يكون قاتلا لشعبه ولو اضطر، ولولا ذلك لانتهت الازمة السورية منذ اندلاعها والذي ترافق مع استغلال السوريين واستخدامهم تارة كدروع بشرية وطورا عبر استغلال بعض الشعارات التي تم تسويقها على انها ثورة، بغض النظر عن هذه "البديهية"، دعونا نرى الموضوع من خلال المصلحة السياسية: هل للدولة السورية اي مصلحة في قتل اطفالها بالكيماوي؟ يبدو الامر غاية في الغرابة، ففي هذه المرحلة من الحرب، حيث حقق السوريون تقدما باسلا في المعارك الدائرة، هم ليسوا بحاجة الى ارتكاب المجازر من اي نوع كانت. لا مصلحة مباشرة او غير مباشرة لهم بذلك، لا سيما بعد الرضوخ الاميركي لحقيقة ان لا يد له ولا قدرة على استبعاد الاسد من المشهد السياسي السوري. 

ومن المنظور العسكري، تبدو الصورة غير منطقية ايضا. كيف يمكن ان يقوم جيش باستخدام سلاح كيماوي في نطاق يضر به وبجنوده؟ وكيف لا يتضرر هؤلاء الجنود وكأن هذا السلاح به شيفرة تتعرف فقط الى الاطفال ولا تصيب الجنود او البالغين بأي ضرر! اضف الى ذلك، اليس ملفتا ان تتولى قناة التزوير الاعلامي وتركيب الصور مهمة كنقل مشاهد اطفال ادلب حصرا، والا يثير ذلك فينا اي نوع من الاستغراب، احتراما لعقولنا اقله. هذا العرض ليس بدافع نفي وقوع مجزرة استهدفت اطفال ادلب، فبعد ما شاهدناه ونشاهده من تنوع وسائل القتل والقتل بدافع الاستثمار لدى وحوش هذا الزمن، وبعد ان تعرفنا ولمسنا جميعا الى اي مدى استطاع هؤلاء مجاراة الصهاينة في التنكيل واستحداث ابشع وسائل القتل، بل والمزايدة عليهم، وبعد ان تشابهت الى حد التطابق صور مجازر اليمن ومجازر جنوب لبنان، بات لدينا حد ادنى من القدرة على التعرف على القتلة حيثما وجدوا، سواء حمل السلاح لغة عربية او عبرية.. ومن التاريخ، تعلمنا ان يكون موقعنا الطبيعي تماما حيث يصوب الصهاينة واتباعهم، فإن صرح نتنياهو انه يستنكر قيام الجيش السوري باستخدام السلاح ينبغي ان ندرك، بحواسنا الوطنية اقله، ان هذا المجرم يعرف تماما ان من استخدم هذا السلاح هم اتباعه، وان من مصلحته ومصلحتهم اتهامنا اولا لابعاد الشبهات وثانيا لصحة الاستثمار في السياسة والاعلام..

وبعد كل هذا، قد يصر البعض على اعتبار طرح التساؤلات حول "المجزرة" نوعا من اللاانسانية. لهذا البعض نقول، نحن "الممانعين" نتميز بميزة العقل ونجيد استخدامه، وثانيا نتميز بالثقة بأنفسنا، بإنسانيتنا وبقياداتنا بحيث لا نحتاج الى اثبات ذلك لدى صديق او عدو.

المصدر: شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع