خسرت هوليوود ومعها عالم السينما المخرج الأميركي الكبير "جوناثان ديمي" ( 73 عاماً) متأثراً بالسرطان ومضاعفات في القلب. أخفى مرضه وهواجسه حتى عن أقرب الناس إليه، فكان دائم الإبتسام، يرسم على وجهه علامات الفرح. أحب السينما فصنع أفلاماً يُعتبر كل منها درساً فنياً خالصاً ورغم ما حققه في أعماله الدرامية الروائية( صمت الخراف، فيلادلفيا) والكوميدية( ريكي والسهم) إلّا أن ميلاً خاصاً أخذه صوب السينما الوثائقية التي فتحت الباب لاحقاً أمام مخرجين موهوبين كبار من العمل في هذا المجال وكسر إحتكار الأشرطة الروائية الدرامية.

المخرج الكبير الذي بدأ حياته بفيلم " shots fired" أنهاها بسلسلة وثائقية عنوانها " جاستن تمبرلايك وفتيان تينيسي"، بينما أنهى سيرته السينمائية مع" ميريل ستريب" بالعمل الكوميدي الغنائي الراقص " rickie and the flash"، ليبقى في صدارة الإهتمام عمله الدرامي المرعب " صمت الخراف" مع الرائع "أنطوني هوبكنز"، الذي صنع حالة خاصة جاذبة للأدوار التي تبث الخوف في قلوب المشاهدين من أعمار مختلفة، بحيث لا يُفاجأ رواد الصالات بأفعال صادمة بل يظل الخوف والترقب والإستنفار معهم طوال مدة العرض، وزاد من فاعلية هذا المناخ ما سبق وأعلنته النجمة " جودي فوستر" من أن هوبكنز أفزعها بشكل جاد كلما وقفت أمامه لتصوير أحد مشاهد الفيلم.
ورغم إضافة نماذج أخرى من نمط "فيلادلفيا"( توم هانكس، و دنزل واشنطن) و " شيء ما حصل"( مع ميلاني غريفيث) إلاّ أن الوثائقيات التي صوّرها عرفت ذيوعاً نادراً لهذا النوع من السينما الذي يكون عادة قليل الحظ في سوق التوزيع، ومنها زيادة على شريط " ... تمبرلايك" ما أنجزه لـ" بروس سبرنغستين، "أوبرا وينفري"، "يوميات نيل يونغ"، الرئيس جيمي كارتر"، وسيد أفلام الرعب" آلفريد هيتشكوك"، ويسجّل هنا موقفاً مميزاً من العمل خلف الكاميرا" أنا لا أختبئ خلفها بل إن صوتي هو الأعلى بين العاملين في أفلامي"، وهذه حقيقة لا ينكرها من يعرفون قيمة الفن السابع وصانعيه.
عندما تبدّلت معالم وجهه وجسده قبل عام ونصف فقط إعترف بأنه مريض، ومنذ أشهر فقط، قال إنه المرض الخبيث، ولأنه تصدّى وحده لهذا الكابوس محاولاً هزيمته من دون مساعدة أحد، عانى من تداعيات في القلب أسهمت في تعجيل نهايته التي كانت حتمية لكن ليس بهذه السرعة.
نعم أحد الكبار غادرنا، تاركاً أرشيفاً متنوعاً من الأفلام تشهد على مستواه وعمق تفكيره.

المصدر: ميادين نت