«لا تأتي المصائب فرادى»، قولٌ قد يصلح لواقع تونس الحالي، حيث لا تطفو التجاذبات والإشكاليات إلا بالجملة. ففي أحدث تطورات المشهد السياسي والاجتماعي المتأزم، أعفى رئيس الوزراء يوسف الشاهد وزيري التربية والمال من منصبيهما، مساء أول من أمس، ليُضاف ما أثاره الأمر إلى إشكالية الاحتجاجات الاجتماعية المطالبة بالتنمية في عدد من جهات البلاد. 

تونس | يعي المتابعون للشأن التونسي أنّ إقالة وزير التربية ناجي جلول قرار لا مفرّ منه، خاصة أنّ الرجل كان قد دخل منذ أكثر من عام في «معركة كسر عظم» مع نقابات التعليم القوية والمؤثرة في البلاد. ورغم أنّ هذه النقابات تراجعت في المدة الأخيرة عن إيقاف السنة الدراسية للضغط باتجاه إقالة غريمها، وأحالت الملفّ الى المكتب التنفيذي لـ«اتحاد الشغل»، إلا أنّ المُنتظر كان إقالة وزير التربية بعد انتهاء السنة الدراسية حتى لا تظهر الحكومة في مظهر ضُعف.

ولكن في خطوة غير متوقعة من حيث التوقيت، أعلنت رئاسة الحكومة إقالة جلول عشية «عيد العمال» (وهو عيد الاتحاد العام التونسي للشغل في تونس)، ليكون الشاهد قد قدّم رأس وزيره وزميله في حزب «نداء تونس» كهدية للمنظمة العمالية القوية. ولعلّ المقابل الذي حصل عليه الشاهد هو مساعدة «اتحاد الشغل» له في تهدئة التوترات الاجتماعية المتواصلة في البلاد منذ أسابيع، واستكمال المنظمة دعمها السياسي له. وبينما كسب الشاهد ودّ «اتحاد الشغل»، فإنّه لاقى هجمات سياسية من عدة أطراف في المشهد السياسي، اتهمته بالخضوع «لابتزاز اتحاد الشغل» والضرب بـ«هيبة الدولة عرض الحائط».
لكن يبدو أنّ الرجل لا يُبالي بالانتقادات والهجمات الموجهة إليه، خاصة أنّ مهاجميه، ومن بينهم حزبه، لم يكونوا في صفّه «أيام الشدّة» في مواجهة الاحتجاجات الشعبية كما كان يفعل «اتحاد الشغل»، الذي يُسجِّل له الشاهد أنه لم يدفع نحو مزيد الاحتقان، على الأقل.
من جهة أخرى، كانت إقالة وزيرة المال لمياء الزريبي متوقعة، إذ إنّ أداءها جاء دون المنشود، كذلك فإنّ تصريحاً إعلامياً لها كان قد أدى إلى انخفاض حادّ في قيمة العملة التونسية. يُذكر أنّ وزير الاستثمار فاضل عبد الكافي تسلّم وزارة المال مؤقتاً، بينما كُلّف وزير التعليم العالي والبحث سليم خلبوس بحقيبة التربية بصفة مؤقتة أيضاً.
على صعيد آخر، وفي مؤشر على ارتفاع الضغوط على الحكومة، بدا لافتاً مساء أمس تسريب خبر مفاده أنّ وزير الداخلية الهادي مجدوب قدّم استقالته، ما دفع الحكومة ووزارة الداخلية إلى المسارعة إلى نفي الخبر، فيما بدا أنّ التسريب لم يكن بريئاً.

إطاحة الحكومة... هدف؟

قد تشير مجمل الأجواء السياسية الحالية التي تعرفها تونس، والمتزامنة مع ترويج أخبار تهدف إلى زعزعة صورة الاستقرار الحكومي لدى الرأي العام، إلى أنّ هناك من يسعى إلى إطاحة الحكومة. وباتت هذه الأجواء مألوفة جداً في تونس التي عرفت منذ فرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي، في 2011، ثماني حكومات. وهي خطوات متّبعة من «الخصوم السياسيين»، كممهدات لإطاحة أي حكومة حين يكون الظرف والسياق العام مؤاتيين. لكن رغم ذلك، لا تبدو إطاحة حكومة الشاهد هدفاً سهلاً، كما كانت الحال مع الحكومات السابقة.
في غضون ذلك، وفي قراءة سريعة للمشهد السياسي، يظهر أنّ إطاحة حكومة يوسف الشاهد ليست هدف المعارضة الكلاسيكية، بل هي هدف بعض الأطراف السياسية التي كانت حليفة للرئيس الباجي قائد السبسي، ومنهم من كان من مؤسّسي حزبه «نداء تونس» قبل أن ينشق (أبرز مثال مدير الحملة الانتخابية ورئيس ديوان الباجي قائد السبسي، سابقاً، محسن مرزوق الذي يتزعم حالياً «حركة مشروع تونس»). ومن ضمن تلك الأطراف، «الاتحاد الوطني الحرّ» الذي لم يحظَ بأي حقيبة وزارية في الحكومة الحالية.
وهذان الحزبان (مشروع تونس والاتحاد الوطني) المجتمعان مع أحزاب أخرى ضمن ما يُسمّى «جبهة الانقاذ»، لا يُخفيان دعوتهما إلى رحيل حكومة يوسف الشاهد، على اعتبار أنّ ذلك يشكّل حلاً للأزمة التي تعيشها البلاد، ويدعوان إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

المصالحة مع الفاسدين

ولعلّ ما يزيد الوضع السياسي تشنّجاً هو إعلان البرلمان التونسي، في بداية الأسبوع الماضي، انطلاق مناقشة مشروع قانون «المصالحة الاقتصادية والمالية» مع رجال أعمال وموظفي دولة كبار تورطوا في الفساد خلال حكم بن علي بصورة خاصة. وتُعدّ «مبادرة المصالحة» التي تقدم بها الباجي قائد السبسي، في تموز 2015، من أكثر الملفات المثيرة للجدل والانقسام السياسي في البلاد. فثلاثة أحزاب مشاركة في «حكومة الوحدة الوطنية» ترفضها، ومن بينها «حركة النهضة» التي انعقد مجلس شوراها نهاية الأسبوع الماضي وخرج بموقف يتلخص في رفض الصيغة الحالية لمبادرة حليف رئيس حركتهم راشد الغنوشي. أما بقية الأحزاب المعارضة لهذه المبادرة، فهي تستعد لمعركة الشارع لمرة جديدة، كما كانت الحال في المرتين السابقتين حين جرى طرح «المصالحة» من دون محاسبة أو كشف للحقائق، أو حتى اعتذار، كما يتطلب مسار «العدالة الانتقاليّة».

المصدر: مجدي الورفلي - الأخبار