لم يتبقَ من مدة الشهر لتجميد اعماله سوى اسبوع، كي يجد مجلس النواب نفسه امام تحديات جديدة للاستحقاق القديم المؤجل، وهو الانتخابات النيابية. لم يفقد خلالها فرصة الوصول الى قانون جديد للانتخاب فحسب، بل خسر ايضاً تمديد ولايته سنة. 

عشية استخدام رئيس الجمهورية ميشال عون المادة 59 من الدستور والطلب من مجلس النواب التوقف عن الانعقاد طيلة الشهر التالي، فسحاً في المجال امام التوصل الى قانون جديد للانتخاب، كان الخيار الوحيد المطروح حينذاك امام البرلمان تمديد ولايته سنة كاملة بدعوى الحؤول دون اهدار ما تبقى من مهل تجنب الفراغ، وفُهم من مؤدى اللجوء الى المادة 59 ان تأجيل التصويت عليه شهراً في احسن الاحوال لا يلغيه.

على مرّ الاسابيع الاخيرة، في ظل تجميد التئام المجلس، بدا التعويل على حكومة الرئيس سعد الحريري لملء الوقت واخراج البلاد من المأزق بالتفاهم على قانون جديد للانتخاب. فإذا هي البارحة تقفل جلسة مجلس الوزراء على تعقيد فوق تعقيد: تعهّدها رفض تمديد الولاية وادراج هذا التعهد في محضر مجلس الوزراء وإن كموقف سياسي غير ذي مغزى دستوري، وتباين الرأي من التصويت داخل المجلس نفسه على اي من الصيغ المتداولة لقانون الانتخاب.
بذلك بات كلٌ من السلطتين الاشتراعية والاجرائية مجرّدين من السلاحين الوقائيين لتفادي وقوع البلاد في الفراغ في الاسابيع المتبقية من ولاية البرلمان الحالي.
بمثل اهمية سقوط التمديد، فإن اياً من الافرقاء لن يسعه فرض قانون انتخاب على فريق آخر.
وخلافاً لكل ما شاع منذ شباط الفائت، ثم من بعده آذار فنيسان، ان المأزق يتزايد وطأة كلما اجتاز الخلاف الداخلي شهراً بعد آخر ومهلة تلو مهلة، اضحى الجميع تقريباً يتحدث الآن عن ان المهلة القصوى الجديدة للتوصل الى توافق اصبحت 19 حزيران. اليوم الاخير من ولاية البرلمان. في حسبان المراهنين على الموعد الجديد انه كافٍ لوضع قانون جديد للانتخاب سهل التطبيق، وان ثمة تمديداً قصيراً سيحصل حتماً لاربعة اشهر يتيح التحضير للانتخابات النيابية بعد تعديل مهلها القانونية.
فحوى الحسابات الجديدة تأكيدان موثوق بهما يتحدث عنهما معظم الافرقاء: لا فراغ البتة، لكن لا تمديد بعد الآن لسنة.
أي خيارات اذن قبل الوصول الى اليوم الاخير من الولاية؟
واقع الامر ان المغزى الذي من اجله استخدم رئيس الجمهورية المادة 59 ــــ وقيل في استخدامها غير المسبوق الكثير المؤيد والكثير المعارض ــــ ذهب هباء. لم تُفضِ مهلة الشهر الى توافق الافرقاء على القانون الجديد للانتخاب، بل نقلت الخلاف العلني عليه الى مجلس الوزراء حتى في مسألة تتجاوز صيغة القانون الى الآلية الدستورية لعمل المجلس نفسه. لم يعد بين يدي رئيس الجمهورية وسيلة ضغط جديدة او صلاحية دستورية نائمة يوقظها كي يستخدمها ضد الافرقاء الممتنعين عن التوافق. اضحى مجلس النواب بدوره فاقد المقدرة على المبادرة، بما في ذلك الوصول الى الحل الاسوأ، وهو تمديد ولايته بعدما تهيّب حركة الشارع وتهديداته وكان اوشك عشية 12 نيسان ان يصبح وجهاً لوجه مع رئيس الجمهورية.
عبّر عن هذا التهيّب رئيسه نبيه برّي حينما قال امام زواره انه لن يتردد هو بالذات في تعطيل نصاب الجلسة المقررة في 15 أيار في حال لم يلمس توافقاً على قانون جديد للانتخاب. لم تعد جلسة 15 ايار في حسبان احد كاستحقاق داهم، ومن غير المؤكد التئامها في هذا التاريخ رغم توجيه الدعوة اليها وهو ما لمّح اليه بري، كما ان من غير المؤكد ايضاً انعقاد جلسة اخرى قبل نهاية العقد العادي الاول في 31 ايار، في ظل الخلافات الحالية، ناهيك بتداعيات الخلافات نفسها في مجلس الوزراء. قبل ايام من جلسة مجلس الوزراء جزم بري برفض التمديد، وكان سبقه الى موقف مشابه الحريري بالقول انه لن يشارك في جلسة عامة جديدة لاقرار ما حيل دونه في جلسة 13 نيسان. عشية جلسة مجلس الوزراء قال بري انه ضد التصويت فيه، وقد يطلب من وزرائه الانسحاب منها اذا فُرِض. ثم عطف الموقف نفسه على البرلمان بالقول ان لا قانون انتخاب يمر فيه بتصويت فريق ومناوأة آخر او مقاطعته، واصر على التوافق سلفاً على اي من الصيغ المقترحة بعدما نعى اقتراح التأهيل الذي راهن الثنائي المسيحي على التصويت عليه في الغداة في مجلس الوزراء.
على نحو مماثل انتهت اليه الخميس الفائت جلسة مجلس الوزراء، لكن بفارق جوهري مهم وغير متوقع، هو ان رئيس الجمهورية ــــ وليس حزبه ولا حليفه حزب القوات اللبنانية فحسب ــــ شجع على التصويت لتفادي الفراغ، في وقت التزم رئيس الحكومة الصمت تعبيراً عن وقوفه ــــ من غير ان يعلن، بل من غير ان يتسبب في ازمة داخل مجلس الوزراء ــــ في المقلب الآخر من الرئيس. في الحصيلة صار انقسام مجلس الوزراء على التصويت على صورة انقسام مجلس النواب على التمديد، وبانت كل الابواب، حتى الآن على الاقل، موصدة حيال الخروج من المأزق. تالياً لم يعد من السهولة بمكان مقاربة اي صيغة جديدة لقانون الانتخاب على انها مدخل الى اجراء انتخابات 2017.
يجري ذلك كله من غير ان يتحدث احد عن القانون النافذ سوى الكلام الرائج عن رفضه.
الواضح انه بات الباب الوحيد المؤدي الى انتخابات 2017 في الخريف المقبل كما هو. اي تعديل فيه بذريعة تجميله غير متاح تماماً. جزم رئيس البرلمان برفض اي تعديل في توزيع المقاعد. ناهيك بأن تقسيماً مختلفاً لبعض دوائره كالقول بدمج قضاءي عاليه والشوف في دائرة واحدة يفتح الشهية على معظم الدوائر.
بل بات يصح القول ان انقاذ انتخابات 2017 بالأخذ بالقانون النافذ كما هو.
ثمة عبارة لمرجع رئاسي يتحفظ عن قانون 2008 تلخص الحال: لا اريده ولا احد يريده، لكن الناس تعوّدوا عليه.

المصدر: نقولا ناصيف - الأخبار