تعتبر المدن والقرى هويات حية خصوصا تلك التي شكلها الناس بأيديهم وما زالت بصماتها محفورة على طين وحجر بيوتها، كما في المسورة (العوامية) التي تشكل جزءا من تاريخهم ولمسة من حضارة أجدادهم.

تلك إذن المدن وهوياتها تتشكل في المساحات القديمة لا في العمران الحديث من أرصفة وغيرها فهذا يشكل فضاء خاصا مرتبطا بشكل الدولة " وهو ما ترسمه الدولة الحديثة " كما عند (هابرماس) لا جدل بأن ما يجري منذ فترة في المسورة (العوامية) التي تدور فيها أكثر العمليات العسكرية تدمير ممنهج وهي قد بنيت وتكونت كأي عمارة في أي بقعة أرض قديمة مرتبطة بطبيعة أهلها وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية خصوصا.

إذا ما عدنا إلى أصل التسمية فقد سميت (العوامية) على اسم أمير الزارة (الحي التاريخي الذي يبعد 500 متر عن العوامية) الحسن بن العوام.

أما المسورة الحي التاريخي العائد إلى أكثر من 200 عام وهي أوضح معالم العوامية الأثرية فإنها تمثل ببيوتها الطينية القديمة المزدانة بالنقوش والزخارف الإسلامية معلما أثريا فريدا من نوعه، وسبب التسمية يرجح المؤرخ (الفرج) أنه يعود إلى تحويطها سابقا بسور قديم لحمايتها ووصف (الفرج) في كتابه العلاقات الاجتماعية فيها بـ"المترابطة".

مثل هذه القرى القديمة تمثل للدول الكبرى معلما سياحيا، فالبعض منها صار يبني قرى تراثية للجذب السياحي أما في المسورة فالأمر على العكس من ذلك.

بحسب الباحث في شؤون التراث (زكي صالح ) " فإنه بالإمكان إنقاذ هذه المنطقة إذا ما تضافرت الجهود الرسمية والشعبية مما سيساعد في زيادة عدد السياح الآتين من أميركا والغرب " لكن الدولة لا تحرك ساكنا لإنقاذ ما تبقى..

أما ما يصدر من إدانات في المجتمع الدولي فيعتبر خجولا نسبة لحجم الدمار وما يرتكبه آل سعود من انتهاكات لحقوق الإنسان هناك.

ففي بيان صادر في 5 نيسان 2017 دعا خبراء دوليون السعودية إلى وقف المخطط الذي يهدف إلى هدم الحياة في المسورة وما ينتج عنه من تهجير للعديد من أعمالهم ومساكنهم.

وأوضح البيان أن للحي أهمية بالغة للباحثين في مجال التراث وعلماء الآثار. وأشار التقرير إلى أن السكان يتعرضون لاعتداءات عديدة منها قطع التيار الكهربائي مما اضطرهم وبسبب العديد من الضغوطات أيضا إلى ترك منازلهم وإبقائهم بلا سكن مما سيؤثر بطبيعة الحال على مستواهم المعيشي وفقدانهم سبل العيش. وقال ( فيليب ألستون) المقرر الخاص المعني بالفقر المدقع أن الإعلان عن الهدم تم من دون التشاور مع السكان والنظر إلى بدائل كالترميم مثلا.

هذا ووصف الناشط السعودي علي الدبيسي هذه الإجراءات " بالجريمة" وأضاف " هي جريمة ترتكبها السعودية ضد أسر فقيرة عاجزة بعد تشريدها الكثير. منهم دون مأوى أو بديل".

واعتبر رئيس منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان (حسين عبد الله) أن إقدام السعودية على هدم الحي يوضح تجاهلها لمواقع تاريخية وثقافية مشيرا إلى أن المملكة طمست عددا كبيرا من القطع والمواقع الأثرية التي لا تقدر بثمن..

أما الأهالي فقد أوضحوا أن التعويضات التي أقرتها أمانة المنطقة للعائلات غير كافية في ظل الوضع الاقتصادي وخاصة لجهة احتكار الأراضي من قبل السلطة وأمراء.

خلاصة المشهد عمر الدولة السعودية 100 عام وعمر المسورة يصل إلى 400 عام إذاً هي موجودة قبل هذه السلطة بقرون وهي تاريخ حضاري تراثي تعمل هذه الطبقة الحاكمة على إخفائه.

إن سياسة هدم الحضارات والآثار لم تطل العوامية فقط بل إن مكة سبقتها. فالكعبة التي تعد من أقدس المقدسات عند كافة المسلمين تجري إحاطتها بأبنية شاهقة بنيت بجوارها.

ولنا في اليمن شاهد حي فمنذ عامين يقوم التحالف السعودي بارتكاب أبشع المجازر بحق الإنسان، كما دمر الحجر عابثا بتاريخ إنساني يتطلب تشيكله آلاف السنين... الآثار في بلد ما قيمتها في كونها نتاج حضارة عريقة أسهمت ببناء الحضارة الإنسانية عموما. وهذا الإرث الحضاري الانساني أصبح اليوم مهددا في معظم دولنا العربية بسبب التخلف والجهل المتمثل بآل سعود.