يقترب البرلمان المصري من إقرار «سعودية جزيرتي تيران وصنافير» بعدما بدأ مناقشات موسّعة للرد على الرفض الجماهيري والحزبي للاتفاقية، ومع ذلك بدأت حملة إعلامية غير مسبوقة لدعم قرار التنازل عن الجزر، في وقت أطلقت فيه المعارضة دعوات إلى التظاهر. أما عبد الفتاح السيسي، فسافر إلى ألمانيا
القاهرة | وسط ضغوط غير مسبوقة لإسكات أي أصوات معارضة، بدأ البرلمان المصري يوم أمس مناقشة «طريقة تمرير اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية»، التي ستنقل بموجبها تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى الرياض. ناقشت «لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية» الاتفاقية لأكثر من ست ساعات خلال اجتماع موسّع برئاسة رئيس البرلمان علي عبد العال، وحضور عدد كبير من مسؤولي الدولة، بينهم وزير الخارجية، الذين جاؤوا إلى المجلس لتأكيد «سعودية الجزيرتين»، وأن مصر احتلتهما بناءً على طلب سعودي في وقت سابق!
وبادرت الحكومة إلى توزيع تقرير على النواب قالت فيه إن تسليم الجزيرتين للسعودية لا يعني بالضرورة الاتفاق على رفع الحماية المصرية، لأن «انتهاء مبدأ السيادة لا يعني عدم وجود مبررات وضرورات لحماية مصر للمنطقة حفاظاً على الأمن القومي المصري والسعودي»، مشيرة إلى أن هناك عدداً من الخرائط غير الصحيحة التي تقول بمصرية تيران وصنافير، وهي (الخرائط) نفسها التي تؤكد أن حلايب وشلاتين سودانية!
التقرير شرح أن الاتفاقية ليست تنازلاً، بل «ستساعد في توطيد العلاقات بين مصر والسعودية، وفتح المجال للمزيد من التوافق والتفاهم حول الأوضاع السياسية في المنطقة»، مشيراً إلى أن «الأحكام القضائية جانبها الصواب وخالفت مبدأً دستورياً، لأنه ليس من اختصاص القضاء بمختلف هيئاته التصدي لأعمال السيادة، ومنها المعاهدات الدولية». كذلك لفت تقرير الحكومة إلى أن سبب التأخر في عرض وإرسال الاتفاقية إلى مجلس النواب لمدة تجاوزت ثمانية أشهر هو أنه «أمر تقديري، بسبب عدم وجود التزام دستوري أو دولي يقضي بإحالة الحكومة الاتفاقية خلال أجل زمني محدد على مجلس النواب».
أيضاً، أشار التقرير إلى أنه «لا يتم اللجوء إلى التحكيم الدولي إلا في حالة نشوب خلاف أو نزاع بين الدولتين، والأمر مختلف تماماً في حالة مصر والسعودية... ومصر إذا قبلت اللجوء إلى التحيكم، فسوف تتأثر مصالحها وتفقد الكثير من مزايا الاتفاق الودي»، ثم أعاد التقرير القول إن توقيع رئيس الوزراء على الاتفاقية سليم قانونياً، لأن «الدستور يسمح لرئيس الجمهورية بتفويضه في بعض اختصاصاته».
في غضون ذلك، رفض عبد العال طلب بعض النواب منع مناقشة الاتفاقية باعتبارها منظورة أمام القضاء، متّهماً تكتل نواب «25 ــ30» بالرغبة في تخريب الجلسة والتسبّب في فوضى، ومنتقداً تمسّكهم بالحكم القضائي بمصرية الجزيرتين والاستناد إلى حيثياته، كذلك شدد على أن «الأحكام القضائية لا تخص إلا القضاء، والحكم هو والعدم سواء».
على خط موازٍ، برر ممثل الحكومة، وزير شؤون مجلس النواب، عمر مروان، مناقشة الاتفاقية رغم نظرها أمام المحكمة الدستورية بأنه «لا يمكن إرجاء مناقشة الاتفاقية لأن مدة الانتظار قد تطول»، وهو المبرر الذي أيّده رئيس البرلمان في تعقيبه.
كذلك، رفض رئيس «لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية»، بهاء أبو شقة إجراء استفتاء شعبي على الاتفاقية، مؤكداً أنه لا يجوز التنازل عن أرض مصرية، وإذا كانت الأرض كمبدأ عام غير مصرية، فالاتفاق جائز، وفي هذه الحالة لا تحتاج إلى استفتاء شعبي، لأن هناك فرقاً بين السيادة والإدارة.
أما وزير الخارجية سامح شكري، فقال رداً على استفسار بشأن مراسلة بين وزارة الخارجية في 27 شباط 1950 ووزارة الحربية بشأن ملكية تيران وصنافير، وتفيد بتبعية الجزيرتين لمصر، إن هذا المستند «استخدم انتقائياً»، إذ تداولت أجهزة الدولة خلال هذا الوقت عدداً من المراسلات بشأن وضعية الجزر، و«هذا له مدلول يفيد بغياب الرؤية بشأن تبعية الجزيرتين». وللمرة الأولى، أعلن شكري صراحة تواصل مصر مع إسرائيل لتأكيد نقل الالتزامات المصرية بالتعهدات الدولية في ما يتعلق بوضع تيران وصنافير إلى الجانب السعودي بعد إقرار الاتفاقية، مؤكداً أن هذا الأمر تمّ.
يأتي كل ذلك في وقت يتوقع أن يصوّت فيه البرلمان على الاتفاقية في الجلسة العامة يوم غد الأربعاء أو بعد غد على أقصى تقدير. وبينما دعا مئات الصحافيين المصريين إلى الاحتشاد أمام نقابة الصحافيين مساء اليوم الثلاثاء، لمناقشة آلية الاعتراض على مناقشة البرلمان للاتفاقية، دعا المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي إلى التظاهر في ميدان التحرير فور تصديق البرلمان على الاتفاقية، مؤكداً أنه سيدعو الشعب إلى الاعتصام في الشارع والدخول في إضراب مفتوح عن الطعام.
وشرح صباحي أن «النظام أهان القضاء وأهدر أحكامه وتحدى الدستور والقانون، وهو ما أفقده شرعيته الدستورية والأخلاقية»، ووصف الاتفاقية خلال المؤتمر الذي عقده في مقر «حزب الدستور»، أمس، بأنها «إهانة لمصر ومكسب صاف لإسرائيل، وقنبلة موقوتة للسعودية»، مشيراً إلى ضرورة التصدي للاتفاقية بجميع الطرق والوسائل الممكنة.
جاء مؤتمر صباحي بمشاركة عدد من الرموز المعارضة، منهم الرئيس الأسبق للجهاز المركزي للمحاسبات، ورئيس «الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي» الذي حمّل السيسي مسؤولية «التفريط في الأرض وإحداث صدام بين مؤسسات الدولة».
وبينما تمارَس ضغوط غير مسبوقة على مختلف وسائل الإعلام المصرية للمشاركة في الحملات المكثفة لتأكيد سعودية الجزيرتين، وعرض وجهة نظر واحدة، ورفض اتهامات التخوين للمؤيدين للاتفاقية، أعلنت صحيفة «المقال» التي يترأس تحريرها الكاتب إبراهيم عيسى، تحويل الصحيفة اليومية إلى أسبوعية مؤقتاً يوم أمس، وهي خطوة مفاجئة للصحيفة المصرية الوحيدة التي كانت تعارض تسليم الجزر، وتعرضت لتهديدات وضغوط عدة بعد انتقادها الدولة، وبذلك سيصدر العدد الأسبوعي الأول لها في الثلاثاء من الأسبوع المقبل، كذلك تبع ذلك حظر موقعَي «البداية» و«البديل».
إلى ذلك، غادر الرئيس عبد الفتاح السيسي القاهرة متوجّهاً إلى العاصمة الألمانية برلين للمشاركة في القمة التي تنظمها الرئاسة الألمانية لمجموعة العشرين للشراكة مع أفريقيا، والتي ستتضمن لقاءً مشتركاً بينه وبين المستشارة أنجيلا ميركل لتنشيط العلاقات بين البلدين، على أن يعود نهاية الأسبوع الجاري.