بدلاً من إقفال مطمرَي برج حمود والكوستابرافا الساحليَّين في أقرب وقت ممكن، بسبب مخاطرهما الجمّة، أفادت مصادر في مجلس الإنماء والإعمار بأنّ الدولة قد تلجأ إلى تمديد عمرهما لسنوات إضافية، ما دامت لم تضع حلاً مستداماً لإدارة معالجة النفايات. في هذا الوقت، لا تظهر أي بوادر لإقفال مطمر كوستابرافا، يوم السبت المقبل، في نهاية المهلة التي حددها قاضي العجلة في بعبدا لإقفاله نهائياً

تنتهي يوم السبت المقبل المهلة التي حدّدها قاضي الأمور المُستعجلة في بعبدا، القاضي حسن حمدان، لإقفال مطمر الكوستابرافا.

وعلى الرغم من أن هذه المهلة امتدت على أربعة أشهر منذ صدور القرار القضائي في شباط الماضي، إلا أن أياً من الجهات المعنية في الدولة لم تبذل الجهود المطلوبة في خلالها لإيجاد البديل، في تجاهل تام لحيثيات القرار والمخاطر التي استند إليها لطلب إقفال المطمر نهائياً. بل إن الوزارات المعنية لم تبدأ حتى بنقاش الحلّ المُستدام، الذي وعدت به، لمعالجة النفايات، ما يعني أنّ الأزمة ستبقى كامنة، وقد تنفجر في أي وقت.
تقول مصادر معنية في مجلس الإنماء والإعمار إن إنتاج النفايات اليومي تضاعف خلال السنوات الماضية، ما يُحتّم إبقاء مطمري برج حمود والكوستابرافا في الوقت الحالي، في ظل عدم وجود بديل مطروح، «وإلّا فإن أزمة إغراق الشوارع بالنفايات ستعود لا محال». تستبعد المصادر نفسها إمكانية إقفال مطمر الكوستا برافا نهائياً يوم السبت، مُشيرةً إلى أن مجلس الإنماء والإعمار لم يتبلّغ بعد أي قرار يتعلّق بوقف الأعمال في المطمر.

وزارة البيئة تنأى بنفسها مجدداً

ليس واضحاً بعد كيف سيتصرف القاضي حمدان إزاء هذا الواقع. فمن جهة، هناك خطر إعادة تكدّس النفايات في الشوارع وبين البيوت. ومن جهة أخرى، هناك الكثير من المخاطر الصحية والبيئية والمخالفات في مطمر الكوستابرافا، كذلك في مطمر برج حمود. ولعلّ أبلغ تعبير عن الواقع غير الصحي لمطمر الكوستابرافا، جواب وزارة البيئة على طلب القاضي حمدان، إذ أبدت في رأيها الفني أنّ «الوضع غير سليم في المطمر»، وأشارت إلى أن نفايات لا يجري فرزها قبل رميها في البحر، وأن خلية الطمر غير جاهزة وغيرها من الأمور، علماً أنّ القاضي حمدان استند في قراره إلى معطيات أخرى تتصل بتهديد الملاحة الجوية بسبب استقطاب المطمر لطيور النورس. اللافت في هذا السياق، أنّ وزير البيئة طارق الخطيب، عاكس التقرير الفني لوزارة البيئة، واعتبر خلال معاينته للمطمر في كانون الثاني أنه مطابق للمعايير!
أمس أيضاً، جال الوزير الخطيب في موقع مطمري برج حمود والجديدة، بعد تفاعل مسألة الطمر غير الصحي وورود الكثير من الشكاوى حول الواقع غير الصحي في المنطقة، وازدياد شكوى الصيادين. المُفارقة أنّ الوزير أقرّ بوجود المخالفات، لكنه اكتفى بالقول إنه أرسل إلى مجلس الإنماء كتباً في هذا الموضوع. وعن طمر مخلفات جبل النفايات في البحر، قال الوزير: «العقد بين المتعهد ومجلس الإنماء والإعمار ينص على طمر هذا الجبل في البحر، فالجبل ملحوظ أساساً أن يطمر في البحر، إنما كان يفترض إقامة حاجز بحري». الجدير ذكره أنّ الوزير الخطيب لا يزال ينأى بنفسه عن الإعلام ويتجنّب إطلاع الرأي العام على الخطة البيئية المُستدامة الموعودة.

المطمران باقيان

في ظل تفاقم تداعيات المطمرين، وعوضاً عن السعي الجدي إلى مواجهة الأزمة المُقبلة وتجنب التداعيات الخطرة للإبقاء على المطمرين، تُفيد المعطيات بأنّ هناك توجهاً جدياً لتمديد عمر المطمرين أكثر من العمر المُحدّد لهما حتى في الخطة الحكومية التي أُقرت في آذار عام 2016!
في أيلول الماضي، أعلن وزير الزراعة السابق أكرم شهيب، بصفته مُكلَّفاً من مجلس الوزراء متابعة ملف النفايات، تقليص عُمر المطمرين إلى سنة ونصف، بعدما كانت الخطة تقضي بتشغيل المطمرين لمدة أربع سنوات. حينها، أتى إعلان شهيّب عقب «اتفاق» قضى بتعليق تحرّك حزب الكتائب وإعادة فتح مطمر برج حمود بعد إقفاله لأكثر من 20 يوماً.
مضى نحو تسعة أشهر على إعلان شهيّب، ما يعني، إذا ما طُبِّق ما قاله شهيب، وإذا لم ينفذ القرار القضائي السبت المقبل، أنّ العُمر الباقي للمطمرين يُفترض أن لا يتجاوز تسعة أشهر. ولكن، بحسب المعلومات، فإن الأعمال القائمة في موقعي الطمر تجري حالياً على أساس الخطة الأساسية التي وضعتها الحكومة، أي تشغيل المطمرين لمدة أربع سنوات، فقد مضت سنة على مباشرة طمر النفايات في مطمر الكوستابرافا ونحو 9 أشهر على مباشرة الطمر في برج حمود، ما يعني أنه باقٍ على عمر مطمر الكوستابرافا نحو ثلاث سنوات، وعلى عمر مطمر برج حمود نحو ثلاث سنوات وثلاثة أشهر.
إلا أن مصادر «الإنماء والإعمار» تتحدث عن إمكانية «تمديد» عمر المطمرين أكثر من هذه الفترات، في ظل عدم المُباشرة بعد بخطة استراتيجية مُستدامة. تقول هذه المصادر: «لنكن واقعيين، لا أحد يُفكّر حالياً في حلّ نهائي للأزمة». في الواقع، هذا الأمر ألفته الحكومات المُتعاقبة التي كانت تلجأ دورياً إلى تمديد الحلّ المؤقت للتهرّب من مسؤولياتها.
أجهزة طرد الطيور غير فعّالة

في معرض الأسباب الموجبة لإقفال مطمر الكوستابرافا، قال القاضي حمدان في قراره القضائي ما يأتي: «إن المطمر المطلوب إقفاله، إضافة إلى موقعه الجغرافي الحالي الذي قررته الإدارة، يُمثّل بحالته الراهنة خطراً على حركة الطيران، قد يزداد مع الوقت بسبب جذبه الطبيعي للطيور، وإنّ وجود عوامل أخرى ظاهرة للعيان وخارجة عن نطاق الدعوى في محيط المطار وجاذبة للطيور، لا تُقلّل من دور المطمر في هذا الصدد».
وكان قرار القاضي حمدان قد صدر بعدما أُثيرت مسألة كثافة طيور النورس المحلقة في محيط المطار بسبب انجذابها لنفايات المطمر. حينها، حصل خلاف حول سبب ازدياد عدد الطيور، من جهة أكّد بعض البيئيين والمعنيين مسؤولية إقامة مطمر قريب من المطار عن اجتذاب النورس، فيما ذهبت السلطة والوزارات إلى تحميل المسؤولية لمصبّ نهر الغدير وبعض المزارع المنتشرة في المنطقة. آنذاك، وفي خضم حالة «التأهب»، أعلنت السلطة اتخاذ بعض التدابير التي تتمثل بتوزيع أجهزة لطرد الطيور، فضلاً عن معالجة المصب عبر رش الأدوية السامة وغيرها.
يقول رئيس مطار رفيق الحريري الدولي فادي الحسن، لـ «الأخبار»، إن الأزمة لم تعد موجودة «بسبب التدابير التي اتخذت حينها، وقد وُضعَت أجهزة طرد الطيور، إضافة إلى تفعيل الأجهزة التي كانت موجودة»، لافتاً إلى أن رئاسة المطار لم تتلقَّ بعدها أي شكوى من قبل الطيارين.
إلا أن بعض الاختصاصيين يشككون بنوع الأجهزة التي رُكِّبَت في محيط المطار، ويبلغ عددها نحو 16 جهازاً، قدّمَتها «هبةً» شركة «المقدّم هولدينغ» المملوكة من قبل عبد الهادي مقدم، وهو صاحب شركة «الحمرا غروب» التي التزمت أعمال تركيب البوابات الإلكترونية في المطار. كذلك يُشكّك مصدر في برج المراقبة في المطار في جدوى هذه الأجهزة، لافتاً إلى أن وضع طيور النورس لم يتغيّر، ولا تزال أعدادها هي نفسها، لافتاً إلى أنه إذا خفّ وجود الطيور في المحيط، فلأن «موسم الطيور قد ولّى». يوصّف المصدر الوضع اليوم بأنه «عادي، ولم يتغيّر عن باقي الظروف التي يمرّ بها المطار»، لافتاً إلى أنّ الطيور لا تحلّق حالياً فوق المطمر، بل لا تزال في محيط مصبّ نهر الغدير.
خلال أزمة طيور النورس، صرّح وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فينيانوس قائلاً: «إنّ أجهزة طرد الطيور تفي بالحاجة لشهر أو شهرين كحدّ أقصى. وبالتالي، يبقى الحل بمعالجة أسباب هذه الظاهرة»، في إشارة إلى معالجة مصب نهر الغدير والمزارع المحيطة في المطار. بحسب مجلس الإنماء والإعمار، إن خيار رمي الأدوية في المصب لطرد الطيور استبعده الخبير الفرنسي، الذي أفاد بأنّ هذه المواد يجب ألّا تُرمى لأنها «سامة جداً»، فيما لم يُباشر بعد بأي حل لمعالجة المصب معالجة نهائية. هذا الواقع يعني عملياً إبقاء مُسببات الأزمة وخطر تهديد السلامة الجوية في المواسم المُقبلة.

المصدر: هديل فرفور - الأخبار