ليس غريباً على نهج العائلة المالكة / الحاكمة في السعودية، أن يفطر محمد بن نايف غروب يوم الثلاثاء ولياً للعهد، وأن يتسحَّر فجر الأربعاء في بيته مجرَّداً من كافة صلاحياته، لأن الأمر الملكي صَدَر خلال “التراويح” ليلاً، “لِـيَرُوح” بن نايف الى بيته ويحلّ محمد بن سلمان مكانه في ولاية العهد تمهيداً لإعتلاء العرش الملكي قريباً، سيما وأن تحضير بن سلمان يتمّ منذ العام 2015 عندما تمّ تعيينه وزيراً للدفاع، ثم تمَّت إقالة ولي ولي العهد مقرن بن العزيز كرمى لعيون محمد بن سلمان الذي حلَّ مكانه وبدأ من موقعه ممارسة صلاحيات والده الملك، في مملكة شعبها محكوم بالسيف، ولا يُجيد سوى مشاهدة لعبة الشطرنج العائلية، واعتاد على عبارة “كش ملك”، وعلى المُبايعة الفورية ليشتري سلامته ويرضى عنه “ولاة الأمر” من “العائلة الملكية”.
بن سلمان كان “الشخصية الإسلامية” الأولى التي استقبلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض في مارس/ آذار الماضي، وبن سلمان كان “وسيط الخير” الذي رتَّب زيارة ترامب للمملكة، عبر دفعة أولى قيمتها 100 مليار دولار من صفقة العصر كما أكدت وسائل الإعلام، وذلك، ليوافق ترامب على مبدأ زيارة “البقرة الحلوب”، ثُم استُكملت الصفقة تحت غطاء القِمَم الثلاثية الأبعاد في الرياض،والتي شاركت بمسرحياتها أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية وحمَّل ترامب طائرته نصف تريليون دولار من الإتفاقات والصفقات، إضافة الى “مصروف جيب” شخصي له ولعائلته بما قيمته ملياري دولار، وبعدها مباشرة، بدأت عملية الحرتقة بقطر عبر القرصنة الإلكترونية، سواء على وكالة الأنباء القطرية، أو بريد السفير الإماراتي في واشنطن، أو وزير خارجية البحرين، وكلها تتناول الوضع القطري، ربما لأن تميم بن حمد رفض المُشاركة في دفع فدية الحماية الأميركية لبعض دول الخليج والتي قررها ترامب مثالثة بين السعودية وقطر والإمارات.
مشكلة السعودية في بن سلمان، أن المملكة ستشهد وصول أول ملك من غير جيل أبناء عبد العزيز، والخوف من افتتاح عصر الأحفاد بمحمد بن سلمان مُبرر، لأن الكلَّ أجمعوا يوم تعيينه وزيراً للدفاع أنه شاب متهوِّر، يجمع حوله مُساعدين من سنِّه يفتقرون الى الخبرة التي هو يحتاجها من مستشارين، إضافة الى أن العدوان على اليمن زاد عُنفاً دون جدوى نتيجة تهوُّر بن سلمان، الذي بلغت به “فورة الشباب” بل طيشهم، أن يحلم بنقل الحرب الى الداخل الإيراني، وهنا بيت القصيد في مصير السعودية تحت حُكم “الملك العتيد”!
إذا كان محمد بن سلمان قد نال رضا أميركا، وأنه يضمن منها استقرار عرشه عبر صفقات إضافية لصالحها تمَّت شخصياً بينه وبين ترامب، ويُقال أنها قد تبلغ ألفي مليار دولار، وإذا اعتبرنا أن الجيش السعودي بات مدجَّجاً بأحدث أنواع الأسلحة بما فيها الطائرات والصواريخ والردارات، إضافة الى الجيوش الخليجية أو الإسلامية التي توالي السعودية لحاجتها المادية الى “صدقات مملكة الخير”، وإذا اعتبرنا أيضاً أن أميركا بعظمتها العسكرية وجبروتها قررت الدخول في الحرب على إيران، خاصة أنها اعتادت عبر تاريخها الغرق في الوحول منذ “مستنقع فيتنام” حتى “بادية الشام”، وإذا غطس الصهيوني نتانياهو مع هؤلاء جميعاً، وبدأت الحرب على إيران، فما الذي يحصل أكثر مما حصل من ردود فعل سعودية وأميركية وإسرائيلية مذعورة شبيهة بتلك التي أحدثتها صواريخ “ذو الفقار” الإيرانية التي انطلقت من غرب إيران لتضرب الإرهاب في شرق سوريا، وكيف يُمكن أن يخرج بن سلمان من ورطة قد تُطيح به وبالعائلة المالكة السعودية ومن بعدها تتورَّط باقي العروش العائلية وتنهار؟!
ليست المسألة مُرتبطة بالقدرات التسليحية للجيوش، وإذا كانت السعودية قد شرِبت حليب السِباع بصفقات أسلحة دفعت لشرائها باهظ الأثمان من “ضرع البقرة الحلوب” ليُحقق ترامب أحلاماً قديمة باسترداد كل دولار صرفته أميركا “لحماية دول الخليج”، فإن الحرب بالنتيجة هي ميدان، ورجال ميدان، وشعب قادر على الصمود في الميدان.
بن سلمان ومعه ترامب ونتانياهو، يعتقدون أن قوَّة إيران هي فقط في جيشها وقدراتها التسليحية الذاتية، وفي صواريخها المُنتَجَة محلياً سواء “ذو الفقار” أو أخوته في العائلة الباليستية” الأكبر منه في طول القامة والمدى، لكن قوَّة إيران الحقيقية تكمُن في نقطتين إثنتين:
أولاً، إيران قارة بمساحتها، وإسرائيل تبدو وكأنها “حديقة منزل خلفية” بالمقارنة مع مساحة إيران، وقد لا تتضرَّر منطقة صغيرة من إيران إلَّا وتكون “الحديقة الصهيونية” قد احترقت، والشعب الإسرائيلي الجبان إما في الملاجىء أو على مدارج مطارات المُغادرة.
ثانياً، الشعب الإيراني شعبٌ مقاوِم، يصبُر على الضيم كما لا يصبر أي شعبٍ في العالم، وما على محمد بن سلمان، سوى العودة الى الأرشيف، لمراجعة تاريخ هروب الشعب السعودي الى الخارج زمن حروب صدام حسين سواء على إيران أو الكويت، وأن جيوش الخليج التي غالبيتها من المرتزقة لا تستطيع أن تواجه جيشاً عقائدياً “هيهات منه الذلَّة”، وأية حماقة سعودية – أميركية – إسرائيلية بحقّ إيران التي باتت بحكمة قيادتها وديموقراطية نظامها والتزامها القوانين الدولية شرطيّ الإقليم بشهادة الأعداء والخصوم قبل الحلفاء، ولن تكون المغامرة معها سهلة، وكل آبار النفط والمنشآت الحيوية ستكون أهدافاً مشروعة، ولذلك، فإن طيش الشباب عند بن سلمان يلزمه الضبط قبل أن يُخطىْ في مواجهة دولة “ذو الفقار”، لأن الحساب سيكون عسيراً هو الذي عجزت بلاده عن تحرير نجران وعسير من أحرار اليمن…