يُجمع الطرابلسيون، تقريباً، على أن بلديتهم الحالية، بعد سنة على انتخابها، لم تغيّر شيئاً من واقع المدينة البائس. فكما أنها لم تدشّن أيّ مشروع حيوي، بقي واقعها على حاله، من تردّي الخدمات، وانعدام النظافة، واستمرار المخالفات والتعديات، وأزمة السير، وانتشار الفوضى، وخنق مداخل المدينة بمشاريع البنى التحتية، والروتين، والفساد المنتشر في أروقة البلدية وإدارتها، وأزمة مكب النفايات وغيرها.
عندما أسفرت الانتخابات البلدية العام الماضي عن فوز اللائحة المدعومة من الوزير السابق أشرف ريفي و«المجتمع المدني»، حاصدة 16 عضواً من أصل 24 (المقاعد الثمانية المتبقية كانت من نصيب تحالف القوى السياسية)، كان ذلك بمثابة زلزال سياسي ضرب المدينة، وجعل كثيرين يتفاءلون خيراً بمجلس بلدي بعيد عن المحاصصة السياسية التي شلّت المجلس البلدي السابق طيلة 6 سنوات.
لكن سرعان ما تبيّن أن المجلس الجديد لم يستطع «التقليع» كما يجب، وأحبط آمال كثيرين عُلّقت عليه، رغم أن القوى السياسية المختلفة أكدت، ولو ظاهراً، أنها ستتجاوز نتائج الانتخابات من أجل مصلحة المدينة، سواء من الفائز الأكبر فيها ريفي، أو الرئيس نجيب ميقاتي وتيار المستقبل وغيرهم؛ فقد انتقد كثيرون «حرص» رئيس البلدية أحمد قمر الدين على مراعاتهم، راداً السبب مراراً إلى أن «خصوم» لائحة ريفي «هم في السلطة، ولهم حيثيتهم في المدينة، ولا يمكننا مواجهتهم، وإلا فإن مشاريع البلدية ستتعطل».
قبل أكثر من أسبوع، ولمناسبة مرور سنة على انتخاب مجلس بلدية طرابلس، عقد قمر الدين مؤتمراً صحافياً، حضره إلى جانب الأعضاء ممثلون عن داعمه الرئيسي ريفي، وعن خصومه، ميقاتي والحريري والنائب محمد الصفدي، أعلن فيه خطة البلدية التنموية للسنوات الخمس المقبلة.
قمر الدين حاول تبرير فشل السنة الأولى بأنه «سبقت انتخابنا 6 سنوات عجاف مرّت على المدينة وأهلها»، مشيراً إلى أنه «كان هناك تفلّت إداري وتفلّت في الشرطة، وخلل في دفاتر الشروط الموجودة في البلدية بخلاف تطلعاتنا للعمل، لذلك أخذنا وقتاً كبيراً لتعديل دفاتر الشروط لنستطيع تنفيذ مشاريعنا بالمستوى الذي نطمح إليه، بما يرضي المواطنين ويليق بمدينة طرابلس، لأن الفترة السابقة كانت بمثابة تحضير وخدمات».
وبرّر قمر الدين عدم ظهور نتائج عمل البلدية بسرعة بـ«أننا فضّلنا العمل ضمن خطة ودفاتر شروط لتكون المشاريع متطورة، وضمن مواصفات رفيعة المستوى»، آملاً أن «تظهر نتائج عملنا وتنال مشاريعنا إعجابكم»، مؤكداً أنه «سترون خلال شهرين على أرض الواقع ما يغيّر منظر المدينة كلها، وسترون ما يُحسّن وضع طرابلس. بكل ثقة أقول ستأتي أيام حلوة على طرابلس، ونحن متفائلون».
لكنّ أعضاءً في البلدية، كانوا ضمن الفائزين في لائحته، يرون الأمور على عكس وجهة نظره، ويرون أن صفتَي «الفشل» و«التقصير» رافقتا البلدية في سنتها الأولى، وأن النهوض بالبلدية يحتاج إلى «نفضة» تبدأ بالرئيس وتنتهي بالأعضاء، مروراً بأجهزة البلدية وإداراتها كافة، من غير إسقاط عامل التدخل السياسي من الحسبان.
رئيس لجنة الثقافة والتربية في البلدية زاهر سلطان رأى أن «وضع البلدية لن يتحسّن قبل تغيير رئيسها، وانتخاب آخر مكانه»، رادّاً فشل قمر الدين إلى «عدم تنفيذه المشاريع التي اتفقنا معه عليها قبل انتخابه، ومنها التغييرات الإدارية في البلدية، والاهتمام بنظافة المدينة، والتنسيق بشكل أفضل وأفعل مع مجلس الإنماء والإعمار بما يخصّ مشاريع المدينة، وإزالة التعدّيات والمخالفات».
وينفي سلطان المقارنة بين قمر الدين والرئيس الأسبق للبلدية نادر غزال الذي لم يؤدّ استبداله إلى إحداث نقلة إيجابية في البلدية، فيوضح أن «المجلس البلدي السابق كان موزعاً حصصاً بين السياسيين، بينما المجلس الحالي منسجم بغالبيته، إلا أن الرئيس لا يمارس دوره ويفرض شخصيته كما يجب. ومع أن السياسيين لا يتدخلون علناً في شؤون البلدية، لكنهم يحمون الفساد الموجود فيها من غير أن يعالجه الرئيس، ما يثبت أن البلدية بحاجة إلى رئيس بعيد عن السياسيين، مندفع ويتمتع بروح شبابية وبعقلية واعية ومتطورة».
غير أن رئيس لجنة البيئة نور الأيوبي لا يحصر فشل البلدية برئيسها فقط، إذ يرى أن «الفشل أو النجاح لا ينسبان لشخص واحد فقط، بل يتحمّل نتائجهما البلدية ككل»، لكنه اعترف «بوجود تقصير واضح للعيان في أكثر من مجال»، رادّاً الأسباب إلى «وجود تدخلات سياسية تمنع إزالة التعدّيات والمخالفات، وعدم حل أزمة السير في المدينة، ووجود خلل داخل إدارات البلدية، وخلل في العلاقة والعمل والتنسيق مع مجلس الإنماء والإعمار».
وأوضح الأيوبي أن «الخطط القديمة والجديدة التي أعدّتها البلدية لم توضع موضع التنفيذ بعد مرور سنة على انتخابنا، باستثناء مشروع توسعة الملعب البلدي. أما بقية المشاريع الأخرى الملحة فلا تزال عالقة، مثل حلّ أزمة مطمر النفايات وغيره».