يجمع التيار الوطني الحر بالتنظيم الناصري تفاهم خطي مكتوب على مجموعة مبادئ وثوابت، فيما يجمع التيار الوطني الحر بتيار المستقبل تفاهم شفهي على البقاء في السلطة وإدارتها. لكن، أيُّ التفاهمين، تفاهم السلطة أم تفاهم المبادئ، سيهيمن على تحالفات التيار الوطني الحر الانتخابية؟

لا بدّ من سحب كتاب الكاردينال جول مازارين دليل الرجل السياسي من الأسواق، واستبداله بعبارة مقتضبة أدخلها حزب التيار الوطني الحر أخيراً على النقاش السياسي، هي: «سنتحالف مع الأفرقاء السياسيين في الانتخابات النيابية المقبلة على القطعة» أو على المقعد.

صاحب العبارة هو النائب آلان عون، لكن براءة هذا الاختراع تعود للوزير جبران باسيل الذي قرر نقل التيار في عهده من حزب المعارضة إلى حزب السلطة، مع كل ما يقتضيه ذلك من تنازلات هنا وهناك للفوز بمقاعد إضافية تكرس البقاء في السلطة. فوثيقة التفاهم بين التيار وحزب الله تبعتها وثيقتا تفاهم مع كل من التنظيم الناصري والحزب الشيوعي، أُعلنَت كل منهما في مهرجان شعبي حاشد. إلا أن تفاهم الوزير باسيل مع الرئيس سعد الحريري تجاوز، كما هو واضح، كل هذه التفاهمات. وحين يسأل النواب في التيار عن شريكهم الرئيسي في الحكم لا يفكرون في كل هؤلاء، بل يقولون: «تيار المستقبل أولاً».

المصادر العونية تقول إن العلاقة أكثر من جيدة بكل من تيار المستقبل وحزب الله والنائب خالد ضاهر والقوات اللبنانية، وجيدة مع الطاشناق والوزير ميشال فرعون، ومع حلفاء التيار خلال السنوات العشر الماضية مثل النائب السابق وجيه البعريني والحزب القومي والنائب نقولا فتوش والوزير طلال أرسلان، وغير سيئة مع الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط. إضافة إلى هذا كله، هناك بين العونيين من يفتحون علاقات جانبية تتخذ طابعاً شخصياً، لكن يمكن تحويلها إلى علاقة انتخابية في أي دقيقة مع النائب ميشال المر وزميله سامي الجميّل والوزير السابق زياد بارود وبعض مجموعات الحراك المدنيّ في المناطق. وتشير المعلومات إلى أن المتخصصين في ماكينة التيار يعكفون على تحديد هوية من يفترض بالتيار أن يتحالف معهم في كل دائرة للفوز بأكبر عدد من المقاعد. ولا شيء، كما هو واضح، يميز الرئيس فؤاد السنيورة عن النائب السابق أسامة سعد في دائرة صيدا ــ جزين أو النائب غسان مخيبر عن زميله ميشال المر، سوى عدد المقاعد النيابية التي يمكن التيار أن يحافظ عليها بتحالفه مع أي منهما. واللافت أن قيادة التيار تعتقد (عن صواب ربما) أن سائر الأفرقاء السياسيين في السلطة يشاركونها «الوصولية» نفسها. علماً أن اجتماعاً انتخابياً أول يفترض أن يعقد بين رئيس حزب القوات سمير جعجع والوزير باسيل، ليطلع الأخير على مطالب القوات الأولية، ويبحث في احتمال اتفاقهما أو عدمه.

البداية من دوائر جبل لبنان الأربع: تقول مصادر التيار إن تحالفه حتمي في دائرة الشوف ـــ عاليه مع تيار المستقبل، وتحالف المستقبل مستحيل طبعاً مع الوزير السابق وئام وهاب والحزب القومي والحزب الشيوعي ومجموعات الضغط التي أثبتت نفسها في بلدة برجا وسائر قرى إقليم الخروب. وعليه، سيتخلى التيار عمن كان يشاركهم الكثير ويتهمهم بسرقة شعاراته كرمى لعيني المستقبل، وفي حال انضمام المستقبل إلى جنبلاط، كما يتوقع، سينضم التيار أيضاً إلى التحالف العريض الذي يضم القوات أيضاً. أما في بعبدا، فلا مجال لتحالف التيار والقوات. لماذا؟ لأن حزب الله أقوى من القوات، ولا يريد أي مقاعد مسيحية بعكس القوات. هنا، تؤكد مصادر التيار أن التحالف مع حزب الله حتميّ، أما مع القوات التي تطالب بنائب حزبي فغير وارد. لكن التيار قد يكون في حاجة إلى القوات في المتن الشمالي، فيجد العونيون أنفسهم ضد القوات في الحازمية مثلاً ومعها في بلدة جسر الباشا المجاورة لها، ضدها في شارع ومعها في شارع آخر. في وقت تنكب فيه ماكينة التيار على دراسة الواقع الانتخابي في كسروان ــ جبيل لتحدد ما إذا كان التحالف مع حزب الله أو مع القوات اللبنانية في هذه الدائرة يفيدها أكثر.

عند الانتقال إلى البقاع يبدو التيار مطمئناً إلى تحالفه مع تيار المستقبل أولاً وأخيراً. يعتقد «الوطني الحر» أن التحالف مع «المستقبل» يضمن له مقعداً وحبة مسك في زحلة (بسبب الفائض الكبير في أصوات الناخبين السنّة). ويظن (واهماً) أن التحالف مع الحريريين يمنحه مقعداً في البقاع الغربي. وبالتالي، لا حاجة به إلى الوقوف على خاطر القوات في زحلة والسؤال عن الوزير السابق عبد الرحيم مراد وحزب الله في «الغربي». والتحالف مع المستقبل هنا يفرض تفاهماً جزئياً مع رئيسة الكتلة الشعبية ميريم سكاف وإدارة الظهر في المقابل لكل من النائب نقولا فتوش وطموحات الوزير سليم جريصاتي النيابية والكتائب والقوات اللبنانية. أما جنوباً فتتحدث مصادر التيار عن وجوب التسويق مبكراً للتحالف مع تيار المستقبل ضد سعد حتى يمر التحالف مع السنيورة مرور الكرام لاحقاً. ويقول أحد النواب العونيين إن التيار «مزروك مع المستقبل في هذه الدائرة، لكنه يحتاج إلى حزب الله». وبعد إلحاح بالسؤال عن الخيارات المتاحة أمام التيار يؤكد أن الاحتمال الأكبر يقضي بالتفاهم مع المستقبل، متوقعاً التوصل إلى «حل مع حزب الله يوفر أزمة».

وفي الشمال يسعى التيار المتحالف مع حزب الله في بعبدا إلى التحالف مع رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض في دائرة الشمال الأولى، رغم انتقال معوض من التجريح السياسي إلى التجريح الشخصي والديني بأنصار حزب الله في انتخابات 2009. وفي عكار تتنازع التيار الوطني الحر وجهتان: تفضل الأولى الضغط على تيار المستقبل لتأمين تقاسم عادل للحصص بينهما، مقابل وجهة نظر ثانية تعتبر أن حصة التيار ستكون مضمونة أكثر في حال التحالف مع النائب خالد ضاهر أو البعريني أو ربما جمعهما في لائحة واحدة.

اللافت في الحسابات العونية أنها تنطلق من تسليم القوى السياسية الأخرى أمرها للوزير باسيل ليتحالف معها في دائرة ويعاديها في دائرة أخرى، فهو يريدهم أن يقفوا معه حيث يحتاجهم من دون أن يضطر إلى الوقوف معهم حيث يحتاجونه. في ظل ذهاب العونيين بعيداً في التصديق أن حزب الله سيتخلى عن سعد أو مراد أو فيصل كرامي أو الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يرافقه في السراء والضراء، لا لشيء سوى الحفاظ على رضى باسيل. فالواضح أن التيار يريد التحالف مع حزب الله من دون حلفائه. وهو يخطط لخوض الانتخابات من دون مؤتمرات صحافية ومهرجانات انتخابية وصخب ومزايدة سياسية. الشعار المشترك مع المستقبل سيكون «برنامج الحكم» في السنوات الأربع المقبلة. وعنوان الانتخابات بالنسبة إلى العونيين هو الفوز بأكبر عدد من المقاعد المسيحية.

المصدر: غسان سعود - الأخبار