محاولات توسّع تيار المردة خارج أقضية الشمال لم تتوقف يوماً، لكنها لم تُثمر كثيراً. رغم ذلك، يريد المرديون أن تكون الانتخابات النيابية فرصة لإثبات امتدادهم الوطني. الصورة الأولية لا تُبشّر بأنّ «المردة» قادر على ترشيح حزبيين خارج دوائر الشمال، واتكاله على «زعامات» محلية تتسبب للتحالف العوني ــ القواتي بخسارة
لا ينطبق على العمل التنظيمي لتيار المردة، خارج أقضية الشمال، أكثر من المثل: «أسمع جعجعة ولا أرى طحناً». ١٢ سنة انقضت، ومسؤولو تيار المردة يردّون لدى السؤال عن وضعهم الحزبي خارج «الدائرة الأمّ» بأنّ «الورشة التنظيمية انطلقت»، والنائب سليمان فرنجية الذي «يواجه الإلغاء»، يريد إثبات أنّ ما يُعايره به خصومه بأنه «زعيم زغرتا ــ الزاوية»، مقولة خاطئة.
ولكن في كلّ مرّة كان فيها الناس «يتأملون» من التيار الشمالي خيراً، رُدّوا خائبين لانقطاع نفس «المردة» حتى قبل أن يبدأ العمل الجدّي. مكاتب أُقفلت وأعيد افتتاحها مرات عدّة، أحدها على أوتوستراد جونية في كسروان، الذي لم تنجح ريتا قرقفي (شقيقة ريما قرقفي، زوجة النائب فرنجية) في بثّ الروح فيه. عدا عن أنّ عدداً كبيراً ممن كانوا يدورون في فلكها، فضلوا تبديل راية «المردة» براية «أنصار الوطن». في جبيل، خلافات داخلية كثيرة بين المسؤولين، واتهامات متبادلة بفساد مالي، أوصلت إلى إقفال المكتب وانفراط عقد المرديين. اليوم تُدافع المصادر بأنه في جبيل «أصبح هناك مسؤول نشيط لديه هيكلية حزبية ولو من دون مكتب». الإهمال ضرب مكاتب المتن وعاليه والشوف. حتى في بيروت والجنوب، ليس الوضع أفضل حالاً. الخرق الوحيد الذي يُمكن أن يُسجّل هو في زحلة مع طارق هرموش. وفي قضاء بعبدا، حيث انطلق المسؤول ورئيس بلدية بزبدين بيار بعقليني من مكتب الحازمية ليفتتح مكاتب فرعية في عدد من بلدات القضاء. عمل بعقليني في واحدة من أكثر المناطق أهمية للعونيين، يعود إلى زمن كانت العلاقة فيه بين «المردة» والتيار الوطني الحر، أكثر من جيدة، الأمر الذي يُسقط كلّ حجج «المردة» لتبرير «الفشل» خارج الشمال.
الاختيار غير الموفق للمسؤولين، وخلافاتهم الداخلية، أثرّت بالتأكيد على الحالة التنظيمية. ولكن أيضاً، لا يُمكن الاستخفاف بعامل «تطويق» فرنجية نفسه لنفسه داخل أسوار بنشعي، مُبتعداً عن التواصل المباشر مع الناس. فإحداث خرقٍ في مناطق «غريبة» عن تيار المردة لم يكن ممكناً أن يحصل من مكاتب المسؤولين في زغرتا أو بنشعي، أو بالاكتفاء بتقارير خاطئة تصل من الأقضية البعيدة توحي بأنّ «العمل جيّد»، من دون وضع خطة جدّية للتطور.
قال فرنجية يوماً عن نفسه إنه «نائب فاشل» (مقابلة مع الـ«أو تي في»، حزيران ٢٠١١)، وردّد في لقاءاته الشعبية الأخيرة أنّه «مُقصّر معكم»، ولكن هذا لا يُبرر الحاجز الذي يرفعه بينه وبين الرأي العام. لم يستفد من أنه من القلّة بين السياسيين الذين يخصهم اللبنانيون، من خارج «بيئته»، بعاطفة كبيرة. وكان يلمس ذلك خلال حضوره احتفالات «المردة» في «مناطق الانتشار». مشكلة الضعف في التواصل لدى فرنجية، واتكاله على بعض مسؤوليه للقيام بهذه المهمة، يُعاني منها أيضاً في منطقة نفوذه. لم يُعر الأمر أهمية سابقاً، لأنّ المعركة السياسية والانتخابية كانت لمصلحته، وكان يُدرك جيداً حدود الملعب الذي يتحرك فيه. تبدلّت الأوضاع اليوم، بعدما تحول التيار الوطني الحرّ إلى خصمٍ، أقرب إلى عدّو سياسي. وبعدما تبلورت لدى رئيس المردة فكرة تشكيل تكتل على المستوى الوطني، مستفيداً من صداقاته في المناطق، لمواجهة «الإلغاء» من جانب تحالف التيار العوني ــ القوات اللبنانية.
الأهداف الجديدة حتّمت وضع استراتيجية للتواصل. أخرج نائب زغرتا نفسه من صالونه الخشبي، إلى غرف الاجتماعات. منذ آذار الماضي، بدأت اللقاءات مع وفود المردة في: جبيل، بشرّي، بعبدا، المتن، الكورة والبترون… وعدد من كوادر المردة. العنوان الذي يتكرر خلال اللقاءات: الهجوم على التيار الوطني الحر، أهمية المشروع الوطني، الانفتاح على الآخر ورفض الخطاب الطائفي. النشاط المُستجد من أسبابه، مُجدداً، «تفعيل العمل التنظيمي»، تقول المصادر. وأولى خطواته مدّ أوصال «المردة» إلى جبل لبنان، القرار المُتخذ منذ عام ٢٠٠٥. تبرير المسؤولين المرديين لعدم تتويج جهودهم، بات معروفاً. السبب الأول له علاقة بالحلف السابق مع التيار الوطني الحرّ «إذ جرت مراعاة الحليف أكثر من اللزوم». صحيح أنّ التيار العوني استُفز من محاولات «المردة» تفعيل تنظيمه في أقضية جبل لبنان، وحاول العونيون دائماً التضييق على الوافد الشمالي على اعتبار أنّ «المنطقة منطقتنا». حتى إنّ «التيار» لم يكن مُرحباً باستقطاب «المردة» للعونيين الحردانين من القيادة. ولكن هذه الحجة يُناقضها حراك «المردة» الدائم ومحاولاتهم إعادة تشذيب صفوفهم، غاضين الطرف عن امتعاض العونيين من وجودهم. فلماذا لا يكون سبب عدم نجاح تيار المردة في هذه الأقضية دليلاً على عدم قبول الرأي العام به؟ «فعلاً لا. الأرض كانت متجاوبة معنا. والحالة التنظيمية مُمكن أن تكون ضعيفة خارج الشمال، ولكن فرنجية كزعيم شخصية مقبولة ومحبوبة في جبل لبنان». لذلك تجد المصادر أنّ العمل يجب أن يكون حول «كيفية الدمج بين شعبية فرنجية وتنظيم الحالة الحزبية». والسبب الثاني الذي يتذرّع به المسؤولون لعدم تبلور الحالة التنظيمية أنّ «الانفتاح على مستوى لبنان بحاجة إلى موازنة كبيرة». توافق المصادر على أنّ عدم استقرار الحالة التنظيمية «قد يكون له أثر سلبي»، ولكن الاتكال متركّز على «شعبية فرنجية، اللاعب على مستوى الوطن، والذي لم يغب لحظة عن الكواليس السياسية».
تفعيل النشاط الشعبي، وتولي فرنجية شخصياً مخاطبة الناخبين وليس المُرشح طوني فرنجية، يعود إلى أنّ رئيس التيار «سيخوض هو المعركة السياسية، وسيترأس التكتل النيابي، والقرار السياسي باقٍ بيده». وبهذه الوتيرة «سيُكمل فرنجية في مرحلة ما بعد الانتخابات». ولكن، بأي أدوات سيخوض فرنجية «معركة الوجود»، إن كان يُعاني من ضعف خارج الشمال؟ الدوائر الوحيدة المؤكد أنه سيكون فيها مرشحون حزبيون هي: الشمال الثالثة (البترون، الكورة، زغرتا وبشرّي)، طرابلس وعكار. خلاف ذلك، «هناك احتمال أن يكون لنا مُرشح في بعبدا (بيار بعقليني)، ولكن لا شيء محسوم بعد». هناك نظريتان داخل «المردة»، لموضوع الترشيحات. الأولى، يتبناها فرنجية بأن هناك «شخصيات لديها حيثيتها في مناطقها، ونحن أصدقاء لها. يجب المحافظة على هذه الحيثية وبناء تحالف معها. وفوزها هو مكسب لنا». أما أصحاب الرأي الآخر، فيؤيدون الحفاظ على حيثيات بعض المرشحين «ولكن لِمَ لا نُرشح حزبيين إذا كان هناك إمكانية لكسب المقعد، فيكون إضافة لتكتلنا؟».