في آب 2016 وجدت أنقرة في معارك الحسكة التي اندلعت بين الجيش السوري و«الوحدات» الكرديّة فرصةً سانحةً سرعانَ ما استغلّتها وأطلقت «درع الفرات» قبل انصرام الشهر. وليس من المستبعد أن تسعى إلى تكرار السيناريو في محاولة لاستغلال التوتر الذي خلّفته أحداث ريف الرقة الجنوبي قبل أقل من أسبوعين بين الجيش و«قسد». تحركات تركية مكثّفة سُجّلت في خلال الأيام الأخيرة، تنظر إليها «قسد» بوصفها «تهديدات جدية» لعفرين ومحيطها، وتنتظر من موسكو «القيام بشيء ما لردع أنقرة»
الشمال السوري ربّما كان على موعد مع فصل جديد من فصول الغزو التركي الذي بدأت مجرياتُه في آب الماضي تحت عنوان «درع الفرات» وبذريعة «محاربة الإرهاب». وفيما كان الإرهاب متجسّداً في المرحلة الأولى بتنظيم «داعش»، تختصره أنقرة اليوم بـ«قوات سوريا الديمقراطيّة» الذراع البرية لقوات «التحالف الدولي».
البوصلة التركيّة تشير راهناً إلى المناطق الممتدة من جنوب أعزاز وصولاً إلى كفرنايا مروراً بنقاط استراتيجية مثل عين دقنة وتل رفعت، مع الأخذ في الحسبان تضييق الخناق على عفرين. وسُجّل في خلال اليومين الماضيين تكثيف للقصف التركي على مناطق سيطرة «قسد» في نقاط عدّة، مثل مرعناز، الشيخ عيسى، دارة عزة، قلعة سمعان، أطمة، باب الهوى، جنديرس، وغيرها، فيما اندلعت اشتباكات متقطعة بين الطرفين على تخوم تل رفعت (جنوب أعزاز). كذلك تتالت الأنباء عن وصول تعزيزات عسكريّة تركيّة جديدة إلى ولاية كلّس الحدودية، كما إلى مدينة أعزاز السوريّة. المؤشرات الدالّة على نيّات تركيّة لـ«فعل شيء ما» لا تقتصر على الاستهدافات المكثّفة وعلى إرسال مزيد من التعزيزات إلى نقاط التمركز الأساسية للاحتلال التركي وفصائل «درع الفرات» فحسب، بل ثمّة تصريحاتٌ لافتة صدرت عن أنقرة في خلال الأيام الماضية في ما يبدو تمهيداً إعلاميّاً للخطوة المتوقّعة، وعلى رأسها تأكيد الرئيس رجب طيب أردوغان «استعداد بلاده لعمل جديد في شمال سوريا وإلحاق الرقة ومنبج بمنطقة مسؤوليتها ضماناً لأمن الحدود التركية». ونقلت وسائل إعلام روسية عن أردوغان قوله لصحيفة «إزفيستيا» إن سوريا «تشهد في الوقت الراهن عمليات سلبية، وإذا تمخّض عن هذه العمليات أيّ خطر يتهدّد أمن حدودنا، فسنردّ كما فعلنا خلال عملية (درع الفرات)».
وعلى الرغم من أنّ التصعيد التركي (قصفاً وتصريحات) في ما يخصّ مناطق نفوذ الأكراد في سوريا ليس أمراً جديداً، غير أن مصادر كرديّة سورية أكدت لـ«الأخبار» وجود معلومات تفيد بأن «التهديدات هذه المرة تبدو أكثر جديّة ممّا سبقها». وانعكست «جديّة التهديدات» في كلام مصادر كرديّة عدة تحدثت إليها «الأخبار» أمس، وعلى رأسها المتحدث الرسمي باسم «قسد» طلال سلو الذي قال إن «الأتراك يحشدون قواتهم بالفعل، وقواتنا في المقابل مستعدة للرد المناسب والتصدي لأيّ عدوان، سواء من قبل تركيا أو عملائها» (في إشارة إلى المجموعات السورية المحسوبة على «درع الفرات»). واستبعد المتحدث وجود رابط بين التحركات التركية والتوتر الذي ساد ريف الرقة قبل أقل من أسبوعين بين «قسد» والجيش السوري. وقال المتحدث «هو لم يكن أكثر من توتر عابر دام بضع ساعات، وتمّ تطويقه، ولم يذهب أيّ من الطرفين نحو التصعيد». وكرّر سلو التأكيد أن «التحركات التركية تهدف بطبيعة الحال إلى التشويش على عمليات محاربة الإرهاب التي تخوضها قواتنا على جبهة الرقة». وأضاف: «حررنا حتى الآن ما يزيد على 30% من مدينة الرقة، وقواتنا تواصل معاركها للقضاء على داعش، وهذا إنجاز للمجتمع الدولي بأكمله. لكن هذا الأمر لا يروق الطرف التركي الذي يعلم الجميع أنه الداعم الأساسي لإرهابيي داعش والنصرة». وبدا لافتاً أن سلو عدّ التطورات الراهنة «اختباراً لموسكو وجديّتها»، وأوضح أن «الاتفاقات التي أدّت إلى دخول قوات روسية إلى نقاط عسكرية في عفرين قامت على أساس أن تتولى تلك النقاط مهمة لجم الأتراك، والحيلولة بينهم وبين القيام بأيّ اعتداء». ورأى أن «المُنتظر من القوات الروسية أن تلعب دوراً شبيهاً بما لعبته القوات الأميركية في منبج، حيث وضعت حدّاً للأتراك. وفي حال عدم قيام الروس بهذا الدور، سيكون واضحاً أن موسكو أعطت ضوءاً أخضر لأنقرة». ورغم أن مصادر إعلاميّة كرديّة كانت قد نسبت إلى المبعوث الأميركي الخاص بريت ماكغورك نقله «تطمينات أميركية» حيال التحركات التركية، غير أن هذه التطمينات لم تكن حاضرة في حديث طلال سلو مع «الأخبار». وكانت مصادر إعلامية قد نسبت إلى ماكغورك قوله، في أثناء لقائه أعضاء «المجلس المحلي للرقة»، إنّ «تنفيذ تركيا أيّ هجوم على عفرين أو أيّ منطقة أخرى في شمال سوريا، سيكون بمثابة انقطاع آخر خيوط العلاقات الاميركية ــ التركية». لكن سلو قال لـ«الأخبار» إن «الأميركيين كانوا واضحين منذ بداية تعاوننا معهم، أبلغونا بصراحة أنهم لن يقدموا أيّ دعم لنا في منطقة عفرين ومحيطها».
الجيش السوري في عفرين؟
كشفت مصادر كرديّة في عفرين عن وصول وحدات من الجيش السوري إلى المنطقة. وأوضح السياسي الكردي ريزان حدو لـ«الأخبار» أن «قوات من الجيش وصلت في خلال اليومين الأخيرين إلى نقاط يبسط الجيش السوري سيطرته عليها منذ أكثر من شهرين في المنطقة نفسها». ووفقاً لحدو، فإنّ «نقاطاً عدة للجيش موجودة في عدد من قرى المنطقة منذ ما يزيد على شهرين، من دون الكشف عن ذلك إعلاميّاً». وعدّد من بين تلك القرى: قسطل جندو، مرعناز، أم حوش، حربل، تل قراح، عين دقنة. وسألت «الأخبار» مصدراً ميدانيّاً سوريّاً رفيعاً عن هذه التفاصيل، فتحفّظ على نفيها أو تأكيدها، واكتفى بالقول إنه «لا غرابة في حدوث ذلك. هذه أراض سوريّة، ومن الطبيعي أن توجد نقاط للجيش فيها إذا قرّرت القيادة ذلك».