لا ينبع الاهتمام الإسرائيلي بالتقارب بين القاهرة و«حماس» من أنه يشكل حلاً لأزمة معيشية تسببت فيها لسكان غزة، بل للثمن السياسي والأمني الناتج منه. تدرك تل أبيب أن أول ما يهم مصر حل المشكلات الأمنية والسياسية العالقة بين الطرفين، لكن ماذا عن الثمن الإسرائيلي من الحصار المطبق على القطاع؟

تتابع إسرائيل عن كثب تطور التقارب بين مصر وحركة «حماس»، وينبع اهتمامها بهذا المستجد في ضوء مفاعيله المرتقبة، التي تجسدت حتى الآن في تفاهمات تتصل بحل أزمة الوقود ومحطة الكهرباء في غزة ومواصلة إدخال السولار المصري إليها.

يأتي ذلك في ضوء أن معبر رفح البري، الذي يمثل المتنفس الوحيد لسكان القطاع والمغلق منذ أكثر من 100 يوم لأسباب أمنية وأخرى تتعلق بعمليات الترميم والتوسعة التي يجريها الجانب المصري، يتوقع أن «يستأنف عمله بانتظام، كجزء من التفاهمات التي تتبلور بين حماس والقاهرة»، وذلك وفق تقديرات المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان.
لكن، لم يشر في التقرير الذي نشرته «يديعوت» إلى هذه القضية سوى من زاوية أن حل مشكلة الحصار قد يساهم في إرساء الهدوء، وكذلك من زاوية تنفيس حالة الضغط التي يشعر بها الغزيون. وبرغم أن من المستبعد أن تكون المؤسستان السياسية والأمنية في تل أبيب بعيدتان عن أجواء ما جرى ويُجرى من محادثات بين «حماس» والنظام المصري، فإن تقرير فيشمان أظهر كأن إسرائيل تنتظر لترى نتائج هذا التقارب على أداء الحركة المقاوم في مواجهة إسرائيل، وخصوصاً أن الحصار المفروض على غزة أداة للضغط على فصائل المقاومة ويهدف إلى تأليب الشارع الفلسطيني على خيار المقاومة، كما يعزز عناصر الكبح والضغط على القيادات الفلسطينية، وفيه أيضاً محاولة لانتزاع تنازلات تتصل بمجمل البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية في القطاع.
وسبق أن قدمت إسرائيل، في هذا الإطار، صفقة تنطوي على معادلة رفع الحصار عن غزة مقابل التخلي عن سلاح المقاومة والأنفاق، وهو ما يعني أن ما يهم إسرائيل من هذه الصفقة انعكاسها الأمني المتصل بحركة الصراع بينها وبين المقاومة. في هذا الصدد، نقل فيشمان عن مصادر أمنية إسرائيلية، قولها إن «إعادة فتح معبر رفح بإشراف ورقابة مصرية من شأنه أن يكون له تداعيات إيجابية في الواقع الأمني على طول الحدود مع القطاع وإسرائيل». وأوضح أيضاً هذا المفهوم بالقول إن المصادر الأمنية تعتقد أن «فتح المعبر من شأنه أن يقلل مشاعر الحصار التي يعيشها السكان في غزة... (ما) قد يسهم في إرساء الهدوء وتنفيس الضغط» الذي يمكن أن يولِّد انفجاراً ومواجهة عسكرية.
على هذه الخلفية، يرى فيشمان أن تل أبيب تتابع عن كثب الاتفاقات التي يعمل على مناقشتها وصياغتها والتداول بها في هذه الأيام بين «حماس» وأجهزة الأمن المصرية في القاهرة. مع ذلك، رأى أن دور مصر مع «حماس» في القطاع «فاجأ» إسرائيل التي تعتقد أن الدوافع خلف ذلك تعود إلى أن القاهرة شخّصت فرصاً واحتمالات لتراجع الدور والتأثير القطري في القطاع، ضمن حملة المقاطعة والحصار على الدوحة، التي تقودها السعودية.
على مستوى المضمون، تتركز تلك المباحثات حول الترتيبات الأمنية على طول الحدود بين مصر وغزة، وخصوصاً في معبر رفح الذي أصبح عام 2005 تحت نفوذ السلطة الفلسطينية وصلاحيتها ومسؤوليتها، في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من غزة.
وهنا لفت المعلق العسكري للصحيفة إلى الثمن المصري من هذه الصفقة، بالقول إن مصر و«حماس» شرعتا في بناء منطقة عازلة على الحدود وبحث الاحتياجات الأمنية لهذه المنطقة بدلاً من الجدار الحدودي القديم وشبكة الأنفاق التي دمرها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. ووفق التفاهمات، تعهدت «حماس» قطعَ العلاقات مع التنظيمات الجهادية في سيناء، لكن لم يعرف هل وافقت على طلب السيسي تسليم 16 عنصراً من الحركة.
في ضوء الأهمية الأمنية والسياسية للجهة المسؤولة عن المعبر، لفت فيشمان إلى أن عملية ترميم المعبر ستكون تحت مسؤولية وإشراف محمد دحلان، وهو الخصم السياسي للرئيس محمود عباس. وكان دحلان قد جند ملايين الدولارات من الإمارات من أجل مشروع تطوير معبر رفح. وفي النتيجة، سيكون له ولرجاله الوصاية على المعبر، ويحل بذلك بدلاً من السلطة في كل ما يتعلق بعملية المراقبة وتشغيل المعبر، وذلك بالتعاون مع الجانب المصري و«حماس».
كذلك، رأى المعلق العسكري في «يديعوت»، في منح دحلان الإشراف على معبر رفح، ضربة موجعة لمكانة محمود عباس، الذي أعلن تقليص الكهرباء لغزة ووقف تمويل أثمانها ومنع التحويلات الطبية للمرضى من القطاع. في ضوء ذلك، تم تصوير «أبو مازن» على أنه بقطعه الأموال عن غزة تسبب في وفاة الأطفال، فيما يروّج لدحلان على أنه يريد النهوض بمستوى الخدمات ومستوى الحياة للمواطنين، علماً بأن المصريين وافقوا على عودة رجال دحلان إلى غزة للعمل من هناك على تشغيل المعبر.
في الخلاصة، رأى فيشمان في عودة دحلان إلى غزة، أو «مفوضية دحلان»، تعزيزاً لمكانته ولنفوذ حركة «فتح» ثانية. ومن أبرز المؤشرات على ذلك، العودة المقررة لسمير المشهراوي الذي كان نائباً لدحلان ومسؤول الأمن الوقائي في القطاع خلال ولاية السلطة، وفي هذه الأيام، يجري ترميم منزل المشهراوي تمهيداً لاستقباله.
أما عن التقييم المصري لضعف الدور القطري في غزة وفهم «حماس» لذلك، فكانت لافتة تصريحات للمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. ايه)، الجنرال ديفيد بترايوس، التي قال فيها إنه «يتعين على شركاء الولايات المتحدة أن يتذكروا أن استضافة قطر لوفود من حماس وحركة طالبان الأفغانية كانت بطلب أميركي»، مضيفاً في حديث إلى مجلة «لو جورنال دو ديمانش» الفرنسية قبل يومين أن «إيران ليست صديقة للولايات المتحدة، ونحن نتولى مواجهة ما تقوم به... ونقوم بذلك مع شركاء لنا في الخليج، وهم ليسوا بلا عيوب».

المصدر: علي حيدر - الأخبار