تأثير اللوبي الإسرائيلي ــ الصهيوني على السياسة الخارجية الأميركية ليس بالأمر الجديد، لكن ما يحدث في عهد ترامب يبشّر بشهر عسل إسرائيلي ــ أميركي طويل على جميع الصعد

الإسرائيليون راضون عن دونالد ترامب، بل أكثر، هم مسرورون بأنه يثبت يوماً بعد يوم "انحيازه لهم". هذا ما يظهره جليّاً استطلاع الرأي الأخير الذي نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست"، قبل أيام، والذي بيّن أن ٦١٪ من الإسرائيليين في الدولة العبرية يرون أن الرئيس الأميركي وحكومته "موالون لإسرائيل" وقد ازداد التأييد، حسب نتائج الاستطلاع، بعد زيارة ترامب للكيان الصهيوني.

رضى شعبي وحكومي إسرائيلي يبدو أنه متين "لم يتأثر" بتأجيل قرار نقل السفارة الأميركية الموعود إلى القدس المحتلّة عدّة أشهر، كما يشير محلّلون إسرائيليون. أما في الداخل الأميركي، فالأمور تسير وفق ما يتمنّاه اللوبي الإسرائيلي الذي يحقّق، بهدوء، إنجازات عدّة وخصوصاً في سَنّ مشاريع قوانين طرحت في الكونغرس و"معظمها سيُقَرّ من دون عقبات".
إعلامياً، وكما هي العادة، يكاد يغيب أي حديث عن "الخدمات" التي يقدّمها رئيس أميركي وفريقه لإسرائيل. فخلا بعض الكتب التوثيقية وبعض الأصوات المتفرّقة، لا أحد يأتي على ذكر سطوة اللوبي الصهيوني على السياسة الخارجية الأميركية، وخصوصاً أن معظم وسائل الإعلام الأميركية الإخبارية منها والنقدية والتحليلية، سياسية وثقافية، تموّلها جهات موالية لإسرائيل معظمها صهيونية.
أداء هذا الإعلام بعد ظهور المخرج الأميركي أوليفر ستون في برنامج "ذي لييت شو" مع ستيفن كولبرت، قبل أسابيع، على محطة "سي بي إس" يؤكد، مرّة جديدة، أن لا مكان لرأي آخر غير السائد على المنابر الإعلامية الأميركية. ستون، الذي يستعدّ لإطلاق برنامج خاص يتضمن سلسلة مقابلات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سجّلها معه خلال سنتين في موسكو، قال خلال ظهوره مع كولبرت إنه "لا يفهم العقلية الأميركية التي تعارض سياسة الرخاء مع روسيا"، وأجاب ان ما فاجأه خلال التصوير مع بوتين هو "مدى تكريس الرئيس الروسي نفسه لبلاده ومدى هدوئه ولباقته… رغم تعرّضه لحملات إعلامية مؤذية". كلام ستون غير المألوف عن شخص سعت الماكينة الإعلامية الأميركية إلى تشويه صورته على مدى سنوات، ودعوته إلى اعتماد سياسة إيجابية تجاه روسيا، تلته موجة من السخرية بدأت في الاستوديو منذ لحظة إبداء ستون رأيه أمام المذيع والجمهور، وصولاً إلى عناوين أبرز الصحف في اليوم التالي. معظم الصحف جعلت من المخرج الحائز جائزة أوسكار "أضحوكة" لمجرّد إطلاق أفكار مغايرة عن تلك المعلّبة المعمَّمة في الشارع الأميركي وفي الدول المتلقية لها. أسوأ من ذلك، فقد تجاهل الإعلام ما سرّب عن قيام "سي بي إس" باقتطاع جزء من كلام ستون يقول فيه لمضيفه الشهير إن "إسرائيل تتدخل في الانتخابات الأميركية أكثر بكثير من روسيا… فلماذا لا تسألني عن التدخل الإسرائيلي أيضاً؟". لم يرَ الإعلام الأميركي في اقتطاع كلام المخرج أي تعدّ على حرية الرأي والإعلام، فاكتفت مواقع قليلة بنقل ما سُرّب من بعض الحاضرين في الاستوديو عن الفقرة المحذوفة.
في السياسة الخارجية، انهمكت معظم وسائل الإعلام أخيراً بإبراز الإنجازات السياسية والاقتصادية لزيارة ترامب وفريقه للمملكة السعودية والكيان الإسرائيلي الشهر الماضي، من دون الإشارة إلى بعض الجوانب الأخرى لتلك الزيارة. فإنجاز صفقات السلاح المبرَمة مع دول الشرق الأوسط، التي هلّل لها الإعلام السائد، رافقها مشروع قانون طرح في الكونغرس الشهر الماضي يُلزم واشنطن بـ"استشارة إسرائيل قبل السماح بإتمام أي صفقة سلاح إلى دول الشرق الأوسط". مشروع القانون الذي أشاد به الإعلام الإسرائيلي، أضاف بند "استشارة إسرائيل مسبقاً" إلى التزام واشنطن منذ عهد دونالد ريغن، "بمراعاة تفوّق إسرائيل بنوعية السلاح، مقارنة مع السلاح الذي يمكن أن تزوّد به واشنطن دول المنطقة". مشروع قانون آخر وافق عليه مجلس النواب بالإجماع ورفع إلى مجلس الشيوخ الشهر الماضي أيضاً، يلزم الخارجية الأميركية برصد "التحديات الأمنية التي تواجه المجتمع اليهودي في أوروبا والقوى الأمنية في مناطق سكنهم" ومراقبة "الجهود الأوروبية المبذولة للتثقيف حول معاداة السامية"، كما يطالب الدول الأوروبية "بوضع تعريف موحّد لمعاداة السامية". أما المشروع الأبرز، فهو مشروع "مجابهة نشاطات إيران لزعزعة الاستقرار ٢٠١٧"، والذي يرمي إلى زيادة العقوبات على إيران. "التهديد الإيراني للولايات المتحدة محدود، وقد ضُخّم حجمه من قبل الدول المجاورة لها كالمملكة السعودية التي تتشارك وإسرائيل العداء لها"، قال أحد العاملين السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية.
إحدى نتائج التماهي السياسي الأميركي ــ الإسرائيلي خلال العهد الحالي أيضاً، مشروع استيطاني إسرائيلي ترافق مع زيارة ترامب لفلسطين المحتلة، ويقضي بإنشاء ١٨٠٠ وحدة استيطانية جديدة وهو المشروع الأكبر منذ سنوات، "الجرأة الإسرائيلية الاستيطانية هذه سببها مواقف إدارة ترامب الموالية لإسرائيل وصمت المسؤولين الأميركيين الحاليين تجاه بناء المستوطنات" يرى البعض. السعي الدائم لإرضاء إسرائيل أنتج أيضاً تعثّراً في ملف المفاوضات الإسرائيلية ــ الفلسطينية، حيث ابتعدت تصرّفات مبعوثي ترامب والمسؤولين عن الملف جارد كوشنر وجيسون غرينبلات عن الدبلوماسية والحياد، وبدا واضحاً انحيازهما لمصلحة إسرائيل، الأمر أكّده وانتقده مفاوضون أميركيون سابقون. فبينما ساد التوتر والاستياء في الجانب الفلسطيني، شهد الجانب الإسرائيلي سلاماً حارّاً وعناقاً وزيارة حجّ.

المصدر: الأخبار