أغلقت دول مقاطعة قطر، يوم أمس، الباب على أي مفاوضات بشأن قائمة المطالب التي تقدمت بها إلى الدوحة. مختصر ما نقلته تلك الدول عن «المحمدين»، ابن سلمان وابن زايد، في ختام اجتماعها الرباعي: إما تُنفّذ قطر المطالب كاملة، وإما الحرب المفتوحة. «حربٌ» يُتوقع أن تبدأ أولى خطواتها المقبلة عقب الاجتماع المنتظر لوزراء خارجية السعودية والإمارات والبحرين ومصر في المنامة. وفي انتظار ما ستعلنه عواصم المقاطعة في الأيام المقبلة، يبقى الموقف الأميركي محور تكهنات وافتراضات

لا مجال للتفاوض إذاً. هذا ما أعلنه، يوم أمس، البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الرباعي في القاهرة. كل التكهنات التي جرى الحديث عنها بشأن «تليين» قائمة المطالب السعودية الإماراتية، والاقتصار منها على ما يمكن تنفيذه دون أن يظهر كعملية «تهشيم» لقطر، جاء بيان وزراء خارجية الدول المقاطِعة لينسفه، رافضاً الرد القطري جملة وتفصيلاً، متوعداً بمزيد من الإجراءات العقابية ضد الدوحة.

إجراءات لا يُستبعد أن يكون الاجتماع الذي عُقد الثلاثاء في العاصمة المصرية، عشية اجتماع وزراء الخارجية، بين رؤساء استخبارات عواصم المقاطعة، قد بحثها. وهو ما ينذر بأن الخطوات المقبلة قد تنصب على «إثارة القلاقل» في الداخل القطري، توطئة لتغييرات في تركيبة الحكم، تتلاءم وما تطمح إليه الرياض وأبوظبي. كذلك، يبعث الاجتماع الاستخباري برسائل «غير ناعمة» إلى قطر، تنبّهها إلى أن الدول المقاطِعة باتت على استعداد لقطع شعرة معاوية، وخوض غمار نزاع لا يُعلم إلى أين سيفضي.
في تفاصيل البيان، بدت لافتة اللهجة التصعيدية التي لم تفارق ما صيغت به قائمة المطالب. إذ أعادت التشديد على ضرورة مبادرة قطر في تنفيذ «بنود الفرمان» من ألفها إلى يائها، وذلك بإيراد نقاط لن ترى فيها الدوحة، مرة أخرى، إلا سوقاً لها إلى الرضوخ ورفع الراية البيضاء، من قبيل «الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودعم الكيانات الخارجة عن القانون» في إشارة إلى علاقة قطر بـ«الإخوان المسلمين»، و«إيقاف كافة أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف» في إشارة إلى قناة «الجزيرة»، و«التزام كافة مخرجات القمة العربية الإسلامية الأميركية التي عقدت في الرياض في (أيار) 2017»، في إشارة إلى علاقة الدوحة بإيران.
اللافت أيضاً، أن توصيف البيان للرد القطري جاء حاداً وقاطعاً وغير قابل للتأويل، حيث دمغه بـ«السلبية» و«التهاون» و«عدم الجدية في التعاطي مع جذور المشكلة»، وهذا ما يغلق الباب أمام مراهنات الدوحة على إمكانية فتح قناة تفاوض حول «الجزء الجاد» من قائمة المطالب، من مثل استضافة رموز من «الإخوان»، وخطاب قناة «الجزيرة»، ومستوى العلاقات مع إيران، والتحويلات المالية (حُكي عن تباحث في صيغة توافقية تقوم قطر بموجبها بطرد القيادات الإخوانية من أراضيها، وتلطيف خطاب «الجزيرة»، وخفض مستوى العلاقة بطهران، وإرساء آلية لمراقبة التحويلات المالية). يعزز وجود تلك النيات لدى واضعي البيان التصريح الذي صدر عن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، عقب الاجتماع، عندما قال إن «أهم ما حققه المؤتمر الصحافي هو عدم الوقوع في فخ التفاوض، وإعادة توجيه الأمور للهدف الرئيسي الذي حاولت قطر إبعادنا عنه وهو الحرب على الإرهاب»، معتبراً أن «الدوحة راهنت على بازار الوساطة وتفكيك النصوص»، مقدّراً أن «الأزمة ستطول وستضر قطر وموقعها وسمعتها».
يُضاف إلى ذلك حديث البيان عن «عدم استيعاب (قطر) لحجم وخطورة الموقف»، وعن «عدم إمكانية التسامح مع الدور التخريبي الذي تمارسه قطر»، في تلويح مبطن بإمكانية اتخاذ إجراءات أكثر قسوة ضد قطر. تلويح ظهر أكثر وضوحاً في كلمات وزراء خارجية الدول الأربع، التي أعقبت تلاوة البيان من قبل وزير الخارجية المصري، سامح شكري. إذ تحدث وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، عن «إجراءات قادمة» سيجري التشاور بشأنها، و«سنتخذها في الوقت المناسب»، فيما أكد نظيره الإماراتي، عبد الله بن زياد آل نهيان، «(أننا) سنبقى في حالة انفصال عن قطر، إلى أن تقرر قطر تغيير هذا المسار، من مسار الدمار إلى مسار الإعمار». وجزم وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، من جهته، «(أننا) سنتخذ قرارات مدروسة وواضحة». ورداً على سؤال عن إمكانية تعليق عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، ردّ آل خليفة بأن قراراً من هذا النوع «يصدر من المجلس وحده». لكن صحيفة «الوطن» المصرية نقلت، مساءً، عن الوزير البحريني أن مجلس التعاون سيناقش تعليق عضوية قطر في أول جلسة له، دون تحديد موعد لذلك.
ومما برز، أيضاً، خلال المؤتمر الصحافي للوزراء الأربعة، قول وزير الخارجية السعودية، رداً على سؤال بشأن الموقف التركي من الأزمة: «نأمل ونتمنى أن تستمر تركيا على الحياد...». توصيف ينافي، بوضوح، ما أعلنته تركيا، منذ اندلاع النزاع، من تضامن مع قطر، سرعان ما اتخذ مساراً عملياتياً بإرسال أنقرة تعزيزات إضافية إلى قاعدتها العسكرية في الدوحة. كما أن توصيف الجبير يبدو غير ذي معنى، بالنظر إلى أن قائمة المطالب تضمنت إغلاق قاعدة الريان التركية في قطر، وهو ما يعني استهدافاً مباشراً للدور التركي في منطقة الخليج.
إلا أن السعودية تريد، على ما يبدو، تأجيل النزاع مع تركيا، والسعي في تحييدها عما يجري، أملاً في الاستفراد بالدوحة في المرحلة المقبلة.
على المقلب الأميركي، ظل الموقف مراوحاً بين دعم «مراوِغ» لجهود الحل، وبين تحريض «مبطّن» على قطر. ولم تكد تمرّ ساعات على اختتام الاجتماع الرباعي في القاهرة حتى أعلن البيت الأبيض والرئاسة المصرية أن الرئيس دونالد ترامب أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، شدد خلاله الجانبان «على ضرورة مواصلة جهود التصدي للإرهاب، ووقف تمويله، وتقويض الأساس الأيديولوجي للفكر للإرهابي»، في تساوق واضح مع ما تروّج له الدول المقاطِعة في حربها على قطر. في المقابل، جدد وزير الخارجية، ريكس تليرسون، خلال اتصال هاتفي أجراه بأمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، دعم بلاده للوساطة الكويتية لحل الأزمة، في موقف لم يتجاوز، حتى الآن، أقله بحسب ما هو معلن، حدود الفعل الكلامي.

المصدر: الأخبار