تستغلّ إسرائيل الحرب السورية لفرض إجراءات قانونية على هضبة الجولان المحتلة، بهدف كسب شرعية احتلالها. وقبل أيام، أصدر وزير الداخلية الإسرائيلي قراراً بإجراء انتخابات للمجالس المحلية في البلدات المحتلّة، بدلاً من التعيين الذي كان معتمداً طوال العقود الماضية. إلّا أن القرار يُواجه برفض تام... عبر التمسّك بالهويّة السورية

نصف قرنٍ مرّ على احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان السوري في حرب 1967، ولم تستطع حتى اليوم، انتزاع اعتراف من أهالي البلدات المحتلة بشرعية الاحتلال، كما من الدولة السورية و«المجتمع الدولي». غير أن إسرائيل، التي لطالما تحيّنت الظروف الدولية والإقليمية لقضم الأراضي الفلسطينية واللبنانية وشنّ عمليات عسكرية ضدّ المقاومة اللبنانية والفلسطينية، تجد اليوم في الحرب السورية فرصةً سانحة لانتزاع اعترافٍ دولي بسيادة الاحتلال على الجولان وإلغاء القرار الدولي الرقم 497، الذي يرفض الاحتلال ويدين الإجراءات الإسرائيلية.

ومع كثرة التصريحات الإسرائيلية المطالبة باعتراف دولي بسيادة الكيان على الجولان، والضغوط الدبلوماسية التي يمارسها سفراء العدوّ على بعض الدول الأوروبية، فضلاً عن مطالبة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ثمّ الحالي دونالد ترامب، خلال اللقاءين اللذين جمعهما في واشنطن وتل أبيب بالاعتراف بالسيادة على الجولان، شرعت إسرائيل بسلسلة إجراءات ميدانية وقانونية لفرض أمر واقع على سوريا وعلى أهالي الجولان المحتل، تمكنها من دعم موقفها تجاه المنظومة الدولية.
آخر صيحات حكومة نتنياهو، هو قرار وزير الداخلية أريه درعي، الأسبوع الماضي، بإجراء انتخابات للمجالس المحليّة في الجولان، بالتزامن مع إجراء انتخابات المجالس المحليّة في فلسطين المحتلة في 30 تشرين الأول 2018. ووجّه درعي رسالة إلى رؤساء المجالس المحليّة المعيّنين في قرى الجولان السورية الأربع: مجدل شمس، عين قنيا، بقعاثا ومسعدة، بأن انتخابات ستجرى في قراهم ضمن «الدورة الانتخابية القادمة للسلطات المحلية في إسرائيل، ونحن نبحث حالياً الخطوات اللازمة لإدارة المجالس المحلية في المرحلة الانتقالية حتى موعد الانتخابات العامة». قرار وزارة داخلية العدوّ يُعدّ سابقة في تاريخ احتلال الجولان، إذ إن إسرائيل كانت دائماً تحاول تسويق هذه الفكرة، وتلمس رفضاً قاطعاً من الأهالي فتعود وتعدل عنها، مكتفية بتعيين مجالس محليّة ورؤساء مجالس من المتعاونين معها أو من مستوطنين يهود. لكن لم تصل مرّة إلى حدّ إصدار قرار رسمي بإجراء الانتخابات. وتاريخيّاً، حاولت إسرائيل مراراً فرض مبدأ الانتخاب على أهالي الجولان، ولا سيّما في عام 1976، بعدما كانت القرى تدار بمنصب المخاتير، ثم لاحقاً بعد قرار ضمّ الجولان في كانون الأوّل 1981. إلّا أن انتفاضة أهالي الجولان في 14 شباط 1982 ورفض الهويّات الإسرائيلية، حطّمت آمال العدو وأجبرت إسرائيل على تجميد مخططاتها.
المنطقة العازلة ودعم الإرهابيين

منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب السورية، عمدت إسرائيل إلى مدّ يد العون للجماعات الإرهابية في محافظة القنيطرة، بالدعم المالي واللوجستي والطبي والاستخباري، ولاحقاً بالتسليح. حتى إن إسرائيل وجّهت جزءاً من هجمات المسلحين نحو قواعد الجيش المتقدّمة وأجهزة الإنذار المبكر والدفاعات الجويّة ومنظومات الدفاع البرية التي كانت تشكّلها الألوية الخاصة في الجنوب، بهدف واحد، هو إبعاد الدولة السورية عن حدود الجولان وإحلال الجماعات الموالية لإسرائيل مكانها، ثمّ إخراج قوات الفصل الدولية (أندوف)، وتظهير ضعف الدولة في الجنوب. وإذا كانت إسرائيل، طوال جولات التفاوض منذ مؤتمر مدريد 1991 وحتى جولات تركيا قبل نحو عشر سنوات، لم تستطع انتزاع أمتار من الجولان المحتل من سوريا القويّة، فباعتقادها أن سوريا «الضعيفة» والمفكّكة والبعيدة عن الجولان، ستكون مفاوضاً ضعيفاً يسهل انتزاع التنازلات منه، وربمّا تنازل بالتخلّي الكامل عن الجولان. وفي الآونة الأخيرة، لم تعد إسرائيل تخفي دعمها للجماعات المسلّحة، ليس بالطبابة فحسب. كما لم يعد المسلحون يخفون تعاونهم مع جيش الاحتلال في ميادين القنيطرة ودرعا. إلّا أن عملية «التطبيع» والاستسلام تطال أيضاً حفنة من المعارضين السوريين (العملاء)، من أمثال كمال اللبواني وعصام زيتون وفهد المصري، الذين باتوا يشكّلون أبواقاً لتسويق أفكار الاحتلال، ولا سيّما بالرضوخ لتسليم الجولان لإسرائيل بذريعة مساعدة إسرائيل لـ«الثورة السورية». ويضطلع زيتون بدورٍ علني، في ما خصّ مسألة الجولان تحديداً، وهو يحظى برعاية أجهزة الأمن الإسرائيلية التي تستضيفه منذ فترة في تل أبيب، وتؤمّن تنقّلاته إلى الجولان المحتلّ، لنقل صورة معاكسة للوجدان السوري عن «حسن ضيافة» إسرائيل، وعن أن «سلاماً» قادماً في الجولان، الباقي تحت سلطة إسرائيل. ولم يكن واحد مثل زيتون، ليملك الجرأة على القيام بهذا العمل، لو لم يكن هناك مناخ «عربي» مناسب خلقه تطبيع العلاقات الجاري على قدمٍ وساق بين إسرائيل والسعودية ودول عربية أخرى، في ظلّ تحوّل الموقف الرسمي العربي عموماً نحو التحالف مع إسرائيل.

ضرب الحركة الوطنية

في 17 نيسان من العام الماضي، عقدت حكومة العدو برئاسة نتنياهو، اجتماعها التاريخي الأوّل على أرض الجولان، في رسالة موجّهة إلى «المجتمع الدولي» والدولة السورية وأهالي الجولان المحتلّ. وقد سبق هذه الخطوة قيام إسرائيل بمحاولات تفكيك الحركة الوطنية في القرى المحتلة، عبر سلسلة إجراءات وخدع، كان أبرزها «كمين» سيّارة الإسعاف التي كانت تقلّ جرحى إرهابيين من «جبهة النصرة»، تعمّدت إسرائيل سلوكها الطريق الداخلي من مجدل شمس إلى مستشفى صفد. وتعمّدت إسرائيل تسريب الخبر عن مرور السيّارة لاستثارة عصبية أهالي الجولان الذين كانوا يتابعون بغضب اعتداءات إرهابيي «النصرة» على مواقع الجيش السوري وقرية حضر. وشكّل حادث هجوم الأهالي على الإسعاف ذريعة للاحتلال لإلقاء القبض على عددٍ كبيرٍ من الشباب المتحمّسين والوطنيين، وتكبيلهم بعقوبات وغرامات مالية كبيرة. كذلك شكّل اعتقال عميد الأسرى السوريين صدقي المقت، في شباط 2015، بعد الإفراج عنه في عام 2012 (كان معتقلاً منذ عام 1985)، ضربة للحركة الوطنية في الجولان، بعدما أحدثت سنوات صدقي القصيرة في الحريّة نشاطاً سياسيّاً لافتاً في الجولان. إلّا أن صدقي لم يكن وحيداً، وعلى الرغم من الترهيب والترغيب اللذين يمارسهما الاحتلال تجاه عناصر الحركة الوطنية الجولانية والناشطين السياسيين، إلّا أن العديد من هؤلاء لا يزالون يتحركّون لرفض ممارسات الاحتلال والتعبير عن رفضهم لسياساته وإجراءاته، ولا سيّما قرار وزارة الداخلية الأخير.
وتراهن إسرائيل على طول سنوات الاحتلال وملل أهالي الجولان من المواجهة، ومحاولات توريط الجيل الجديد بإغراءات لأجل الحصول على الجنسية وقروض التعليم في الجامعات العبرية وتحسين ظروف الحياة والربط الاقتصادي مع الداخل الفلسطيني المحتلّ، فيما تمارس ضغوطاً لتبديل وثائق السفر الحالية بالهويات الإسرائيلية، ومحاولات تسويق فكرة انهيار سوريا وانتهاء الآمال بتحرير الجولان، فيما يسوّق المتعاونون مع أجهزة أمن العدو أرقاماً وهمية عن أعداد الذين يتقدّمون للاستحصال على الجنسيات.

محاولات انتزاع الشرعية .... ورد الجولانيين
يقول الشيخ هايل شرف، من داخل بلدة مجدل شمس المحتلّة لـ«الأخبار»، إن «المجالس المحلية منذ أن تشكلت هي مجالس إسرائيلية ولا نعترف بها، ويعيّن فيها أزلام السلطة، يفكّرون الآن بأنهم يمررون قانون الانتخابات لدفع الناس إلى الاعتراف بشرعية الاحتلال، ثمّ استخدام هذا الاعتراف في المحافل الدولية». ويؤكّد الشيخ أن «هذا الأمر لن يحصل، ونحن لا نعترف بهذه الانتخابات، وهناك مشاورات على مستوى الجولان وموقف موحّد سوف يصدر خلال الأيام المقبلة يعبّر عن رأي الهيئة الدينية والمدنية في القرى المحتلة». وينفي شرف أن يكون أهالي الجولان يركضون وراء الجنسية الإسرائيلية كما تحاول سلطات الاحتلال تصوير الأمر، مؤكّداً أن «عدد أبناء الجولان حوالى 22 ألف نسمة، وعدد الحاصلين على الجنسية لا يتجاوز 4500، معظمهم بسبب الزواج بفتيات من أبناء الجليل والكرمل، و3% فقط حصلوا على الجنسية طوعاً». بدوره، يقول الشيخ أبو وديع رفيق إبراهيم: «لن نفرّط بأي ذرة من تراب الجولان، وأي قبول بالانتخابات هو اعتراف بالاحتلال وهذا ما لن يحصل». ويضيف الشيخ أبو محمد قاسم محمود الصفدي، أن «سكّان الجولان لا يمكن أن يقبلوا بإجراء الانتخابات المحلية لأن هذه الأرض سورية، ولن نرضى بالانتخابات. وإذا كان من مشاركين فسوف نعمل على منعهم، فالاحتلال عاجلاً أو آجلاً إلى زوال». من جهته، يقول توفيق عماشة، من بلدة بقعاثا، إنّ «غالبية الأهالي ضد الانتخابات وهناك استنفار عام في الجولان لرفض الأمر، ومرجعنا الوثيقة الوطنية»، ويؤكد بشر المقت لـ«الأخبار» أنّ «هناك رفضاً عارماً لهذا القرار، وهو جزء من التطبيع مع الاحتلال ونرفض هذه الإجراءات تحت حراب الاحتلال وبنادقه، ونحن متمسّكون بهويتنا العربية». كذلك يعتبر الصحافي بسّام الصفدي أن «هذا القرار لم يصدر لولا مساعدة أذناب الاحتلال، وخصوصاً أنه تشجيع على نيل الهويات الإسرائيلية، والقرار له تداعيات كبيرة ويشغل الجولان عن قضية العودة إلى سوريا والمطالبة بالأرض وخلق فتنة بين السكّان، وردّ الأهالي سيكون حاضراً من خلال الرفض المطلق».

مواقف سورية ولبنانية

ولا يقتصر موقف رفض الانتخابات المحليّة على الجولانيين، إذ وجّه عددٌ كبيرٌ من مشايخ طائفة الموحّدين الدروز وفاعليات سياسية سورية ولبنانية عبر «الأخبار» تأييداً لمواقف أهل الجولان الرافضة لقرار سلطات الاحتلال. ويقول شيخ العقل في سوريا يوسف جربوع، إنّ «الجولان عربي سوري، ونحن ندعم موقف أهلنا في الجولان برفض الانتخابات، وبصمودهم ورفضهم للهوية الإسرائيلية وتهويد الجولان». ويقول شيخ العقل نعيم حسن إن «مواقف أهل الجولان مشرّفة ووطنية، ونحييهم ونحيي صمودهم، ولدينا اطمئنان كافٍ بأنهم سيتخذون الموقف المناسب برفض قرارات الاحتلال».


كذلك أكد الشيخ ناصر الدين الغريب، دعم «كل تحرّك في الجولان للتمسك بالهوية السورية، ولن يغيّر قناعتنا وقناعة أهلنا في الجولان الاحتلال وبطشه العسكري، ونتمنى على إخواننا العرب الذين أصبحوا اليوم في الحضيض العربي أن يعودوا إلى رشدهم وأن يقفوا إلى جانب الشعب الفلسطيني والشعب السوري في الجولان».
أيضاً، أشار الشيخ فندي شجاع، باسم مشايخ خلوات البيّاضة، إلى التمسّك «بعروبة وسورية الجولان، ونناشد أهلنا في فلسطين تحرير فلسطين من اليهود. ونحيّي مواقف أهل الجولان برفض الهوية الإسرلائيلية والانتخابات المحلية، ونذكّر بأن سلمان الفارسي وأبا ذر والمقداد هم أوّل من حاربوا اليهود، وهؤلاء أعزّ الصحابة وأغلى الرجال ونحن نقيم في هذا التراث». فيما عبّر الشيخ أبو سليمان حسيب الصايغ عن «كل الدعم لموقف مشايخ وأهالي الجولان في رفض قرارات الاحتلال الإسرائيلي، ولدينا كل الثّقة بقراراتهم الحكيمة».
من جهته، قال رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان لـ«الأخبار»، إن «أهالي الجولان يسجّلون أروع البطولات بصمودهم... ونحن نحيّي رفضهم للجنسية الإسرائيلية وإجراء الانتخابات المحليّة»، مؤكّداً أن «سوريا مهما كبرت عليها المؤامرات، ستبقى الحصن العربي، والجولان عربي سوري». كما أكّد رئيس «حزب التوحيد» الوزير السابق وئام وهّاب، تأييده لـ«موقف أبناء الجولان، الذي يقاوم دائماً أي عملية تطبيع مع العدو الإسرائيلي وأي عملية تؤدي إلى التعايش مع الاحتلال أو القبول بنيل الهوية الإسرائيلية».
بدوره، أكّد الأمير جهاد الأطرش تأييد السوريين لموقف أهالي الجولان «ورفض التخلّي عن هويّتهم السورية عبر نيل الجنسيات أو المشاركة في انتخابات تشرعن وجود الاحتلال».

المصدر: فراس الشوفي - الأخبار