ليس واضحاً بعد ما اذا كانت المواقف الأخيرة لفريق رئيس الحكومة من الجيش تأتي بايحاء خارجي، سعودي تحديداً، أم بناء لنصائح مستشارين مقربين. لكن الواضح أن استهداف المؤسسة العسكرية يأتي في سياق حملة لارباكها ورسم خطوط حمر أمامها تحول دون مشاركتها في المعركة المرتقبة لتحرير جرود عرسال، أملاً بأن يشكل ذلك إحراجاً لحزب الله
الانقسام حول ملفّ النازحين السوريين والعملية العسكرية التي نفّذها الجيش في عرسال قبل عشرة أيام والعملية العسكرية المرتقبة للجيش السوري وحزب الله في الجرود السورية المحاذية للبنان، باتت ترخي بظلالها على العلاقة بين تيار المستقبل والتيّار الوطني الحرّ، في أول اهتزاز للتفاهم الذي أتى بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وسعد الحريري رئيساً للحكومة.
وقد انعكس الانقسام أجواءً سلبية لدى قواعد الطرفين: احتقان لدى العونيين (وفي الشارع المؤيّد للجيش عموماً) من الحملة على المؤسسة العسكرية، سواء من «رجال الحريري» أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ واستياء لدى الجمهور المستقبلي من التخلي عن «ثوابت» دعم «الثورة» السورية عبر إطلاق يد الجيش لتنفيذ عمليات دهم، كما حدث في مخيمين للنازحين في عرسال قبل عشرة أيام.
وفيما يتمسّك التيار الوطني الحرّ بدعم الجيش اللبناني ودعم جهوده في مكافحة الإرهاب، بدت دعوة الحريري قائد الجيش جوزف عون لمناقشته في إجراء تحقيق حول وفاة أربعة موقوفين سوريين في عملية عرسال الأخيرة، من دون دعوة وزير الدفاع يعقوب الصّراف، أشبه بـ«استدعاء»، وانسياقاً خلف الحملة الإعلامية التي تستهدف الجيش ويقودها معارضون سوريون ووسائل إعلامية وجهات سياسية داعمة للمعارضة السورية المسلّحة في لبنان وخارجه. واللافت أن البيان الذي أصدره الحريري قبل يومين ودعا فيه عون إلى السراي، أشار فيه إلى أن مجلس الوزراء اتخذ قراراً بإجراء تحقيق «شفاف» في ما خصّ وفاة السوريين، إلّا أن أكثر من وزير أكّد لـ«الأخبار» أن مجلس الوزراء لم يتخّذ قراراً بهذا الشأن، بل كان طرح من الحريري وجاء ضمن نقاش أوسع تمحور حول ضرورة دعم الجيش في مواجهة التنظيمات الإرهابية، ووافق عليه الوزراء، لكنّه لم يكن قراراً رسمياً.
مصادر مطّلعة رأت أن «دعوة قائد الجيش» تهدف الى أمور عدة، من بينها تنفيس الاحتقان لدى جمهور الحريري، وصرف الأنظار عن النقاش الذي اندلع أخيراً حول ملف النازحين السوريين والدعوات التي رافقته للتنسيق مع الحكومة السورية في هذا الشأن. إلا أن الأهم من ذلك كله هو رسم خطوط حمراء أمام الجيش للحؤول دون أي دور له في المعركة المرتقبة لتحرير الجرود ممّا تبقّى من إرهابيين يحتلون عرسال وجرودها. وتحاول أوساط مستقبلية تغطية ذلك كله بالإيحاء بأن حركة الحريري «تهدف الى حماية المساعدات الأميركية والغربية للجيش، لأن هذه الدول تعطي اعتباراً كبيراً لمسألة حقوق الانسان».
في غضون ذلك، كثّفت الطائرات الحربية السورية في اليومين الماضيين ضرباتها لمواقع الإرهابيين على مختلف تصنيفاتهم في جرود فليطة وعرسال، فيما لم يعد خافياً أن الاستعدادات لمعركة الجرود باتت ناجزة، وأن موعد بدء العملية لن يتعدى نهاية الشهر الجاري. وعلمت «الأخبار» أن مفاوضات تجري بين تنظيمي «النصرة» و«داعش» في جرود عرسال لتوحيد الجهود في مواجهة هجوم المقاومة والجيش السوري، ولتنفيذ هجمات ضد الجيش اللبناني، بعد أن فشلت المفاوضات التي تولّاها تنظيم «سرايا أهل الشام» مع «النصرة» لإقناعها بالبحث عن مخارج للتوجّه إلى إدلب، علماً بأن الهجوم من الجانب السوري سيدفع حكماً بالمسلّحين الإرهابيين صوب مواقع الجيش في عرسال ورأس بعلبك والقاع، وهو ما حتّم على الجيش رفع جاهزيته القتالية والاستعداد لأي طارئ.
وفي ملف النازحين، يتوقع أن يقدّم حزب القوات اللبنانية في الجلسة الحكومية المقبلة طرحاً سبق أن عبّر عنه، ويقوم على فكرة عودة النازحين «الموالين» إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، و«المعارضين» إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية. ويبدو الطرح من باب المزايدة الإعلامية، إذ إن فرز النازحين بين معارض وموال ضرب من الخيال. ولا تشرح القوات كيف يمكن دفع النازحين «المعارضين» في حال تمّ فرزهم إلى التوجّه نحو مناطق المعارضة، كإدلب مثلاً، التي يتوقّع أن تحصل فيها عملية عسكرية كبيرة في المرحلة المقبلة للقضاءعلى تنظيم «جبهة النصرة»، فضلاً عن أزمة النازحين من إدلب نفسها إلى تركيا، علماً بأن أكثر من إحصاء يؤكّد أن عدداً كبيراً من النازحين في لبنان جاء من محافظتي حمص وحلب والقلمون، وهي كلها تقع تحت سيطرة الدولة السورية، التي تؤكّد دائماً أنها لن تقبل بوساطة أممية لعودة النازحين، بل باتصال رسمي من الحكومة اللبنانية.
وفي المقابل، تكرر مصادر بارزة في تيار المستقبل أن «هذا الأمر مرفوض رفضاً قاطعاً، ولا يمكن أن تقدم الحكومة اللبنانية على الاتصال المباشر» مشيرةً إلى أن «حلّ أزمة النازحين، مهما تأخر، لا يمكن أن يتمّ إلّا بوساطة وضمانات أممية وعودتهم إلى المناطق الآمنة كما ذكرت الوثيقة التي قدّمتها الحكومة اللبنانية إلى المجتمع الدولي في بروكسل قبل أشهر».
من جهة أخرى، من المتوقّع أن يحسم وزير الداخلية نهاد المشنوق، هذا الأسبوع، موعد الانتخابات الفرعية في طرابلس وكسروان بعد لقاء تشاوري مع رئيسي الجمهورية والحكومة، علماً بأن عون يصرّ على إجراء الانتخابات لتثبيت مقعد العميد المتقاعد شامل روكز مكانه في كسروان، فيما يحاول الحريري التهرب من الانتخابات خوفاً من انكشاف المعطيات الانتخابية لواقع تيار المستقبل في مدينة طرابلس، في ظلّ ما يحكى عن تمدّد للوزير السابق أشرف ريفي.
بدورها، أكّدت مصادر القوات اللبنانية أن القوات في انتظار صدور قرار إجراء الانتخابات النيابية الفرعية رسمياً قبل إعلان أي موقف في شأنها. وتقول إنه فور صدور القرار، سيدعو رئيس الحزب سمير جعجع الى اجتماع الهيئة التنفيذية في الحزب لمناقشة القرار ودرس حيثياته، وحينها لكل حادث حديث، علماً بأن الانتخابات الفرعية التي أجريت في الكورة وجزين شهدت تبادلاً في المواقف بين التيار الوطني الحر والقوات، بناءً على اتصالات سياسية جرت حينها، فلم يرشح التيار بديلاً من النائب الراحل فريد حبيب، ولم ترشح القوات بديلاً من النائب الراحل ميشال حلو، وأبقي مقعد الكورة للقوات والنائب فادي كرم ومقعد جزين للتيار والنائب أمل أبو زيد.