لم ينتهِ اللقاء بين محمود عباس وعبد الفتاح السيسي إلى ما يسرّ الأول، فللمرة الأولى يُظهر المصريون عناداً في موقفهم من التفاهم مع غزة، ولعلّ ذلك قد يكون مفهوماً إذا عُلم أن هجوم «داعش» الأخير لم يضرب العلاقة بين القاهرة و«حماس»... أو حتى يوتّرها

الاجتماع الفلسطيني ــ المصري الذي نال قسطه إعلامياً من الأنباء عن نفي انعقاده، ثم تأكيده مع تأجيل ليوم، لم يكن سعيداً بما يكفي لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. فقد حضر الأخير في لقاء موسّع مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، أمس في القاهرة، وإلى جانبه كلٌّ من رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج، والمتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، بالإضافة إلى مسؤولين آخرين. في المقابل، حضر وزير الخارجية المصري سامح شكري، ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء خالد فوزي، ومدير مكتب السيسي والمتحدث باسمه.

إذاً، اجتمع الرئيسان ومعهما رؤساء جهازي المخابرات ومسؤولون من مستويات سياسية وإعلامية، بعد توجيه الدعوة المصرية عبر السفارة الفلسطينية لدى القاهرة، وليس بين الرئاستين كما سار العرف الدبلوماسي. سمع عباس من المصريين ما مفاده أن القاهرة سوف تكمل المسار المرسوم للعلاقة بحركة «حماس»، وأنها تصرّ على أن تصورها للمشهد السياسي في فلسطين هو «حكومة وحدة/ توافق تشمل الطيف الفلسطيني كله ضمن مسار ديموقراطي»، وأن على «أبو مازن» قبول ذلك، مع تأكيد مستمر للاعتراف المصري بشرعيته.
أكثر من ذلك، يجب أن يحدث ما تطلبه القاهرة سريعاً، لأن «فرصة ترامب»، في إشارة إلى عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير، «لن تُعوَّض». وفي سبيل نجاح ذلك، لا بد للسلطة الفلسطينية من تقديم «كل التنازلات الممكنة والمنطقية... كما يجب تجنّب المواقف غير الواضحة في نقاط كثيرة»، في إشارة إلى الموقف الرسمي الفلسطيني من الأزمة مع قطر.

أما عن حديث عباس، حول عرضه الذي قدمه إلى «حماس» والمشروط بجملة اشتراطات (منها حل اللجنة الإدارية في غزة ووقف العلاقة بالقيادي المفصول من «فتح» محمد دحلان)، فإنه في نظر القاهرة يمثّل «مصالحة هشة»، وهي أيضاً لن تنتظر هذه المصالحة كي تتم من أجل إتمام التوافق مع «حماس»، بل سوف تسير بـ«التسهيلات الاقتصادية» للقطاع ضمن «آليات وتنسيق كامل» اتفق عليهما مع الحركة.
بالنسبة إلى معبر رفح، فإن القرار المصري اتخذ بفتحه ضمن الاشتراطات التي تعرفها «حماس»، بغض النظر عن موقف السلطة، بل سيكون ذلك بصورة دائمة ومنتظمة، لكن بالتدريج، في وقت طمأنت فيه المخابرات المصرية إلى أن «قائمة الممنوعين من دخول مصر سوف تبقى قائمة، كما ستُراجع الأسماء بصورة دورية»، لكن الجانب الفلسطيني طالب القاهرة بالتزام أن تكون إدارة المعبر مرتبطة بالسلطة، وتحديداً عبر جهاز «حرس الرئيس»، وفق ما نصت عليه اتفاقات سابقة، وهو ما لم تحصل بشأنه على إجابة سوى الوعد بخير.
عباس أوضح، بدوره، أن التوافق مع «حماس» ودحلان بهذه الصورة يضرب «الشرعية الفلسطينية»، وأنه سوف يتجه إلى «الانفصال» عن غزة، إذا فتحت القاهرة الأفق سياسياً واقتصادياً للقطاع، محذراً المصريين من أن تبعات «إخراج غزة من مسؤولية الاحتلال، ومن حكم رام الله» ستنتهي بإنشاء «دولة» في القطاع، ستكون «حملاً ثقيلاً» على مصر. كما حذرهم من تكرار تجربة «الإخوان»، بذكره أن «حماس» سوف تنقلب على الاتفاق عاجلاً أو آجلاً، ومستدلاً في ذلك بالعملية الأخيرة في سيناء قبل أيام.
عن هذه العملية، وعلى غير العادة، لم يستغل الإعلام المصري ذكر الصفحات «الجهادية» أسماء ثلاثة ــ على الأقل ــ من منفذيها على أنهم من قطاع غزة، ليشن حملة كالمعتاد ضد القطاع. ورغم أن الخسارة كانت كبيرة لدى الجيش المصري، على صعيد العدد والرتب، فإن ذلك لم يُعِدِ السيناريو المعروف عن العلاقة المصرية ــ الفلسطينية. فمنذ اللحظات الأولى، كما تفيد مصادر أمنية مصرية، اتضح لدى القاهرة «مشاركة عناصر من غزة في هجوم سيناء الأخير»، مشيدة بالمسارعة الحمساوية في تصدير بيان استنكار شديد اللهجة، فيما أقيمت خيمة فصائلية في القطاع لاستقبال التعازي باستشهاد الجنود.
وبينما تقول هذه المصادر إن العملية الأخيرة «تظهر بلا شك أنه لا تزال هناك أنفاق موجودة يجب استكمال البحث عنها وهدمها»، تنقل مصادر في غزة أن الأسماء الثلاثة المذكورة تعود إلى «آخر دفعة خرجت من القطاع إلى سيناء... وفيها 40 شخصاً ذهبوا للمشاركة في حرب قبيلة الترابين ضد داعش، أو مع الأخيرة»، كما أن «ولاية سيناء» اختار استهداف نقطة قريبة من الحدود لضرب التفاهمات بين «حماس» والقاهرة، في ظل أن الأولى على «حرب غير مباشرة» مع «داعش» في سيناء منذ أشهر
لكن القاهرة، التي تتشارك مع «حماس» النظرة إلى أنه يجب منع «داعش» أو مشغليها من تمرير هذه الرسالة، ترى أن على الحركة «تقديم المزيد» من أجل ضمان الأمن، حتى يكتمل الاتفاق ويفتح معبر رفح بأمان «وتنتعش كلٌّ من سيناء وغزة». كذلك سادت تقديرات لدى الأجهزة الأمنية في مصر، التي هي على توافق مع «حماس» (المخابرات العامة)، تقول إن في الحركة جناحاً سلفياً قوي التأثير، انشق عنه عسكريون لم تستطع الأخيرة السيطرة عليهم. والأكثر إقلاقاً للطرفين أن تستمر الضربات ويشرك فيها عناصر من غزة، وخاصة أنه أول من أمس قتل أيضاً عسكريان اثنان وأصيب تسعة في انفجار عبوة في العريش.
في غضون ذلك، تفيد مصادر في غزة بأن البرنامج المتفق عليه مع مصر ودحلان يسير على ما هو عليه، رغم العملية الأخيرة، وبأن القيادي الفتحاوي سمير المشهراوي، العامل في فريق دحلان، سيصل هذا الأسبوع إلى غزة، في وقت تواصل فيه «حماس» تفاهماتها واتصالاتها مع القاهرة. وبالعودة إلى لقاء عباس والسيسي، خرج البيان البروتوكولي بالقول إن الرئيسين اتفقا على أن «حل قضية فلسطين حلاً عادلاً سيجلب الخير للمنطقة ولمستقبل أجيالها وللأمن والسلام العادلين». كما أعرب أبو مازن عن «تعازيه الحارة للقيادة والشعب المصري الشقيق، بضحايا هجوم سيناء» الذي وقع يوم الجمعة الماضي، مؤكداً «وقوف فلسطين إلى جانب جمهورية مصر العربية في معركتها في محاربة واجتثاث جذور الإرهاب ومموليه، وكل من يقف خلفه».
في هذا الوقت، سمحت السلطات المصرية للمرة الثالثة أمس، بإدخال ست شاحنات من الوقود المصري إلى محطة توليد الكهرباء في غزة، وذلك ضمن الاتفاق المبرم مع «حماس». ويشار إلى أن التقديرات الاقتصادية تذكر أن استمرار إدخال الوقود المصري سيؤثر في إيرادات السلطة الفلسطينية بخسائر تقدر ما بين 30 إلى 40 مليون شيكل شهرياً (10 إلى 12 مليون دولار أميركي)، وفي حال إدخال البنزين والغاز سيزيد التأثير بنسبة طردية.

المصدر: هاني إبراهيم - الأخبار