بينما يضيّع جنود العدو الإسرائيلي سنوات من الكدّ والعمل بلمح البصر، يضيف قادتهم عذراً أقبح من ذنب: نحن نسرق أموال أهالي «المخربين» من شبابكم لنصرفها على البنية التحتية لكم!


رام الله | لا تكتفي إسرائيل بقتل الشباب الفلسطينيين على الحواجز في أدنى اشتباه، ولا بأن تهدم بيوتهم وتشرد ذويهم بعدها أو أن تحرمهم دفنهم إلا بعد أن تسلّمهم مُجمّدي الجثث، فضلاً عما تسرقه من أعضاء الشهداء أو ما تحكم به على جثامينهم بسنوات من الاحتجاز في الثلاجات أو تحت الأرض؛ أكثر من ذلك كله، هي تسرق «بصورة رسمية ومقوننة» أهم مقوّمات الصمود لدى الناس: أموالهم ومدخرات عمرهم، بدءاً من بيوت منفذي العمليات، التي يسلب منها المال والمجوهرات تحت بند «مصادرة أملاك إرهابيين»، أو ما يأخذه الضباط والجنود لأنفسهم من بيوت أهالي الضفة المحتلة، التي تتعرض بمختلف تقسيماتها (أ، ب، ج)، لحملات دهم وتفتيش يومية، نهاراً وليلاً.

بدأ الأمر يدخل أطره الرسمية عام 2008 عندما وافق الكنيست الإسرائيلي في القراءة التمهيدية، وبغالبية كبيرة، على مشروع قانون يسمح بـ«مصادرة أملاك الشخص الذي ارتكب عملاً من أعمال الإرهاب»، علماً بأن المبادر إلى مشروع القانون كان رئيس كتلة حزب «الليكود» جدعون ساعر، الذي قال آنذاك إن هذا القانون يمكن أن يكون أكثر فعالية بكثير من هدم المنازل. وبموجب مشروع القانون، يأمر وزير الأمن، الذي يتبع له جيش الاحتلال، بمصادرة الممتلكات أو سحب الإقامة من منفذ العملية ــ سواء أُدين أو لا ــ كما يمكن بيع عقارات يملكها.

هذا الإجراء العقابي لا يخصّ القدس والمناطق المحتلة عام 1948، بل يسري على الضفة، وفقاً للمختص في الشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي. وفي وقت لاحق، اقترحت وزيرة القضاء الإسرائيلي، إيليت شاكيد، إجراءً في كانون الأول 2015، طلبت فيه أن يضاف إلى الإجراءات العقابية مصادرة كل ممتلكات منفذ العملية، وإلحاق الضرر ليس بمنفذي عمليات أدت إلى مقتل إسرائيليين فقط، بل حتى المنفذين الذين أصابوا إسرائيليين في عمليات طعن.
جراء ذلك، تمت مصادرة خمسة ملايين و300 ألف شيكل إسرائيلي (100 دولار = 355 شيكل) بأمر عسكري ما بين 2013 ــ 2015، فيما يدعي نائب وزير الجيش، إيلي بن دهان، أن المصادرة تكون وفق القانون الإسرائيلي، وذلك رداً على ما تقدمت به عضو الكنيست عن «القائمة العربية المشتركة» حنين زعبي، التي تساءلت عن «قانونية مصادرة الاحتلال أموال وممتلكات الفلسطينيين»، ليجيبها دهان، برسالة خطية، كما أوردت القناة السابعة الإسرائيلية، قائلاً: «إن المبالغ والممتلكات التي يصادرها جيش الاحتلال من الفلسطينيين تصرف لمصلحة مشاريع بنية تحتية مدنية في الضفة الغربية»!
في هذا الجانب، يوضح البرغوثي أن القانون الإسرائيلي الساري في الضفة المحتلة هو قانون الاحتلال العسكري، لذلك تأتي أوامر هدم المنشآت ومصادرة الأراضي والأملاك الخاصة بالمواطنين ضمن «أوامر عسكرية» عادة ما تكون صادرة عما يسمى «قائد قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة». وسابقاً كان مشروع قانون مصادرة أملاك منفذي العمليات مطروحاً مبدئياً للتعامل مع المقدسيين أو فلسطينيي عام 1948، لكنه بات يشمل الفلسطينيين في الضفة.
ولا تقتصر «الأوامر العسكرية» على هدم منزل منفذ العملية أو مصادرة أرضه، فكما تروي والدة الشهيد محمد جبارة الفقيه من مدينة الخليل، أخذ الاحتلال قياسات المنزل وهدد بهدمه، ثم صادر سيارة الشهيد محمد وشقيقه الأسير صهيب، فيما لم تتمكن العائلة من استعادة السيارتين حتى الآن، وخصوصاً أن الاحتلال لم يغلق ملف محاكمة الفقيه ولا يزال يحتجز جثمانه منذ تموز من العام الماضي.
وبينما لم يُهدم منزل الفقيه إلى الآن، تم تنفيذ هذا القرار بحق منازل أخرى، لكن ما إن بدأت تظهر حملات شعبية لجمع تبرعات من أجل أهالي شهداء «انتفاضة القدس»، ومثّل ذلك محفزاً لاشتعال الانتفاضة، حتى خفّف العدو من تنفيذ هذا الإجراء دون إلغاء للقرارات أو لتهديدات الهدم. وذلك لم ينهِ حالة التوتر التي يبقي الاحتلال ذوي الشهداء ضمن نطاقها، إذ يروي طه قطناني، والد الشهيدة أشرقت، أنه «بعد استشهاد أشرقت بعدة أشهر... اقتحمت قوات الاحتلال منزلنا وجاءت وحدات الهندسة لأخذ قياسات البيت ووضع إشارات على الجدران لهدمه».
ويضيف قطناني: «تقتحم قوات الاحتلال المنزل دوماً وتهدد بهدمه باستمرار... في إحدى المرات سرقوا أجهزة الاتصال الخاصة بنا وأجهزة الحاسوب، لكنهم أعادوها، وأيضاً صادروا تمثالاً خشبياً خاصاً بالشهيدة، ثم فقدنا مبلغاً من المال بعد تفتيشهم منزلنا ومغادرتهم».
أما عن مزاعم إسرائيل باستخدام الأموال وممتلكات الشهداء في تنفيذ مشاريع بنى تحتية في الضفة، فيعلّق الأمين العام لـ«الهيئة الإسلامية المسيحية» والباحث القانوني حنا عيسى، بالقول، إن الأدق أن «هذه الأموال تذهب إلى تطوير البنية التحتية للمستوطنات في الضفة، وليس للفلسطينيين». ويؤكد عيسى أن هذا القرار «يتعارض مع الاتفاقات الدولية»، فضلاً عن السرقات الشخصية التي ينفذها الجنود ولا تُسجل.
وبينما من المستحيل إعادة مبلغ تم سلبه في أي عملية دهم، رسمياً أو لحساب الجنود، يدّعي نائب وزير جيش الاحتلال أن القانون «يضمن للمتضررين إمكانية الاستئناف وإقامة جهاز قانوني للمتابعة وضمان الشفافية». لكن المتخصص البرغوثي يؤكد أنه منذ اقتراح القانون عام 2008 لم يكن بمقدور الفلسطيني أن يقدم استئنافاً، لأن «هيئة الاستئناف شكلت في حزيران الماضي».
ومثال على ذلك حالة شفيق الحلبي، وهو والد الشهيد مهند، الذي يقول، إن قوات الاحتلال «هدمت منزل العائلة عقب استشهاد مهند، وتم منعنا من إعادة البناء أو استخدام أرضنا، ولم يحدد هذا المنع بمدة زمنية... أنا وزوجتي وأولادي صرنا بالشارع»، فيما يدور اليوم حديث آخر حول اقتراح بجانب قانون «مصادرة الممتلكات»، وهو رفع دعوى في المحكمة ضد منفذي العمليات لتعويض القتلى من صفوف جنود الاحتلال بمبالغ مالية!

المصدر: زويا إبراهيم - الأخبار