انطلقت، يوم أمس، من الكويت، جولة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في المنطقة، التي تستهدف إحداث خرق في جدار الأزمة الخليجية. وفيما تدور التوقعات حول عملية تفكيك لقائمة المطالب الـ 13، بهدف التباحث في كل من بنودها «الممكنة» منفردة، يُستبعد أن تسفر الزيارة عن نتائج سريعة، وخصوصاً أن مستشاره استبق الجولة بتصريحات قدّر فيها عمر الأزمة بـ«أشهر»

وسط تفاوت التقديرات بشأن ما يمكن أن تسفر عنه جهوده، بدأ وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، يوم أمس، جولة خليجية، ضمن مساعي حلحلة الأزمة بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى. وفيما يعوّل الجانب القطري على إمكانية أن تسهم هذه الجولة في تجميد الأزمة وإعادة فتح أبواب التفاوض، يلتزم معسكر دول المقاطعة، على ما يبدو، الإحجام عن اتخاذ أي خطوات تصعيدية إضافية، في انتظار ما ستؤدي إليه زيارة تيلرسون.

زيارة يضعها البعض في سياق عملية تشغيل للمكابح الأميركية للأزمة الخليجية، بدأت مع اجتماع وزراء خارجية دول الحصار في القاهرة، لكن آخرين لا يرون فيها إلا مؤشراً ضعيفاً على إمكانية بروز انفراجة في أفق الخلاف؛ على اعتبار أن الإدارة الأميركية، لو كانت جادة في نيتها ربط النزاع، لأرسلت مبعوثاً رئاسياً خبيراً بشؤون منطقة الخليج، لا وزير الخارجية الذي لم يُبدِ، منذ اندلاع الأزمة، حماسة للخوض فيها، كما أن توجهاته بشأنها لا تزال، حتى الآن، مفترقة عن توجهات البيت الأبيض.
في كل الأحوال، تظهر زيارة تيلرسون للمنطقة محط أنظار الأطراف كافة، مع شبه إجماع على أنها لن تخرج بنتائج سريعة وحاسمة. وهذا ما كانت قد رجحته وزارة الخارجية الأميركية نفسها عندما توقعت، قبل أيام، مساراً طويلاً للأزمة، مُبقية إمكانية وصولها إلى طريق مسدود. وبدأت جولة وزير الخارجية الأميركي، الاثنين، من مدينة اسطنبول التركية، حيث التقى الرئيس رجب طيب أردوغان. وعلى الرغم من أن اللقاء يرتبط بملفات عديدة، في مقدمها الدعم الأميركي لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية شمال سوريا، إلا أنه لا يبدو معزولاً عن ملف الأزمة الخليجية، بالنظر إلى انخراط أنقرة المباشر في أتون الأزمة، واتخاذها موقفاً داعماً بقوة للدوحة، برزت آخر فصوله، أمس، في تشديد نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتولموش، على أن «مسألة القاعدة التركية (في الدوحة) تعني تركيا وقطر فقط، ولا تعني أي دولة ثالثة»، ودعوته السعودية إلى «التراجع عن الشروط التي وُضعت بمنطق أن على قطر تنفيذها (...) فهذه شروط غير عادلة وغير منصفة بحق الشعب القطري، ولا تقبل بها أي دولة ذات سيادة».
ومن تركيا، انتقل تيلرسون إلى الكويت، التي من المقرّر أن يبيت فيها ثلاث ليال، قبيل أن ينتقل إلى السعودية ومنها إلى قطر ومن ثم إلى الكويت مجدداً، حيث يختتم جولته بحلول يوم الخميس المقبل. والتقى الوزير الأميركي، مساء الاثنين، في القصر الأميري بمحافظة حولي، أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، بحضور وزير الخارجية صباح الخالد الحمد الصباح. وفيما لم ترشح أي أنباء عما دار خلال اللقاء، برز تصريح لافت لمستشار تيلرسون، آر سي هاموند، استبعد فيه تحقيق تقدم سريع، قائلاً إن «من المبكر توقع التوصل إلى نتائج»، مضيفاً «(أننا) على بعد أشهر مما نتصور أنه سيكون حلاً فعلياً، وهذا الأمر غير مشجع». وأعلن هاموند، بحسب تصريحات أوردتها «أسوشيتد برس»، «(أننا) سوف نعمل مع الكويت، ونرى ما إذا كان بإمكاننا مناقشة استراتيجية جديدة». استراتيجية تقوم، وفق المسؤول الأميركي، على تفكيك رزمة مطالب الدول المقاطِعة، وعدم العودة إليها كحزمة، إذ إنه «لا جدوى من ذلك»، ومناقشة «ما يمكن العمل عليه بشكل فردي».
وقبيل وصول تيلرسون إلى الكويت، التقى أمير البلاد مستشار الأمن القومي البريطاني، مارك سيدويل، الذي يزور الدولة الخليجية حالياً، استكمالاً، على ما يبدو، لجهود وزير الخارجية، بوريس جونسون. واختتم الأخير، يوم الأحد، جولة خليجية بدأها من السعودية، وأنهاها في قطر، بعد زيارته الكويت، التي حثّ، منها، أطراف الأزمة على «احتواء الاحتقان الحالي، والاستعجال بإيجاد حل عبر الحوار»، لافتاً إلى أن «ما يريد الناس رؤيته هو وقف تصعيد (الأزمة)، وتحقيق تقدم نحو معالجة تمويل الإرهاب في المنطقة، وتجاه إنهاء هذا الحصار». واعتبر أنّ «من غير المحتمل بشكل كبير» أن تتحول المواجهة الحالية إلى مواجهة عسكرية، قائلاً: «كل شخص تحدثت معه قال العكس. لا احتمالية لأي مواجهة عسكرية».
وستشكل الكويت، على الأقل حتى أواخر تموز الجاري، محطة دائمة لزوار المنطقة الأجانب، بوصفها صلة الوصل بين قطبَي الأزمة. ولن تمرّ أيام قليلة على إنهاء وزير الخارجية الأميركي جولته في 13 الشهر الحالي، حتى يبدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زيارة للخليج، بعد إحياء ذكرى محاولة الانقلاب في بلاده. وقال أردوغان، أمس، في تصريحات للصحافيين الذين رافقوه إلى مدينة هامبورغ الألمانية، إنه «سيكون لديّ تحركات دبلوماسية خاصة بعد 15 يوليو/ تموز. أود أن أزور المنطقة (الخليج) مرة أخرى، علّنا نتمكن من المساهمة في إعادة الحوار بين دول المنطقة خلال الزيارة. نخطط لزيارة قطر والكويت والمملكة العربية السعودية بالذات». ونبه أردوغان إلى ضرورة ألا تُعتبر زيارته نوعاً من الوساطة، موضحاً: «لقد تحملت الكويت دور الوسيط، ونحن ندعم جهود الوساطة التي تبذلها، ما أعنيه أن (الزيارة) ستكون للمساهمة في إعادة تأسيس الحوار بين مختلف الأطراف». وأشار إلى أنه ناقش الأزمة الخليجية مع نظيريه الأميركي والروسي على هامش قمة العشرين، وأكد لهما ضرورة العمل «لإيجاد حل عبر الحوار».
وفي موازاة التحركات الخارجية لإحداث خرق في جدار الخلاف، تنشط الدبلوماسية الداخلية بين الدول التي لا تَعدّ نفسها طرفاً في النزاع، وبين عواصم الأزمة. والتقى وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، أمس، نظيره القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في العاصمة العمانية مسقط. وقالت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إن «اللقاء تناول دعم جهود الوساطة التي يقوم بها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت، لتقريب وجهات النظر، ورأب الصدع لحل الأزمة الراهنة، بما يحافظ على أمن واستقرار دول مجلس التعاون ومسيرة العمل الخليجي المشترك». وذكرت وكالة الأنباء القطرية الرسمية، من جهتها، أن «وزير الخارجية القطري أطلع بن علوي على مستجدات الأزمة الخليجية الراهنة، والإجراءات غير القانونية التي تم اتخاذها ضد الدوحة».

المصدر: الأخبار