يشير الغموض الذي يلف تفاصيل الاتفاق الأميركي ــ الروسي في الجنوب، إلى أن فترة انتظار وضع تفاصيله ستُبقي التوتر والحذر على جبهات تلك المنطقة. وإلى حين إقرار تلك التفاصيل، ستبقى النقاط الحساسة التي يتضمنها، «ألغاماً» من شأنها التأثير بمستقبله واحتمالات نجاحه

فرض اتفاق وقف إطلاق النار الأميركي ــ الروسي بالتوازي مع الهدنة المعلنة من العاصمة الكازخية أستانا قبل أيام، هدوءاً حذراً على معظم الميدان، عدا جبهات البادية. وحدها محاور الغوطة الشرقية، وتحديداً في محيط عين ترما، لم تلتزم تلك الاتفاقات، وبقيت تشهد اشتباكات بين الفصائل المسلحة والجيش السوري، وسط تقدم للأخير من محور عقدة المتحلق الجنوبي.

واستكمل الجيش السوري وحلفاؤه عملياتهم على عدة محاور في البادية، وتمكنوا من توسيع سيطرتهم شرق جبل سيس في بادية ريف دمشق، إلى جانب تثبيت السيطرة على حقل الهيل النفطي في ريف حمص الشرقي.
وفي الجنوب، تشير المعطيات إلى أن الطرفين المتحاربين يعدّان العدة لأي انهيار محتمل للهدنة المعلنة، في تكرار لمشهد الهدن المؤقتة السابقة. ويعكس التوتر السائد على جبهات مدينة درعا، غموض التفاصيل والجدول الزمني للمرحلة المقبلة من الاتفاق، التي لا تزال رهن التفاوض الأميركي ــ الروسي. وبرغم وضوح الخطوط العامة، تبقى تفاصيل الاتفاق مفتوحة أمام احتمالات عدة تحكمها ضوابط المنطقة الجنوبية ووقائعها. ويتمثل هدف واشنطن بتثبيت وجود الفصائل المسلحة على «حدود» حليفيها، الأردن وإسرائيل، وإبعاد النفوذ الإيراني عن تلك المنطقة.
ويتقاطع ما سبق مع ما نقلته مجلة «فورين بوليسي» عن مصادر ديبلوماسية أميركية، بأن الاتفاق حول الجنوب يدعو إلى منع «القوات الموالية لإيران، بما في ذلك حزب الله» من التمدد في المناطق المحاذية «للحدود مع إسرائيل والأردن». ويبدو لافتاً في ما نقله الموقع، أنّ الاتفاق يطالب بالحفاظ على «الترتيبات القائمة للحكم والأمن في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة» في الجنوب، وهو تفصيل ــ وفق الموقع ــ يهدف إلى «ردع قوات الحكومة السورية عن محاولة استعادة الأراضي في المنطقة».
غير أن هذا الطرح (إذا ما صحّ) يفتح المجال أمام الاعتراف بإدارات حكم محلي لتلك المناطق خارج إطار الحكومة في دمشق، وهو ما سبق ولقي رفضاً رسمياً من جانب الأخيرة في مناسبات سابقة، أبرزها حين رفضت مقترحاً يضم بنداً مماثلاً حول مدينة حلب.
وكسابقاته من الاتفاقات المماثلة، ستبقى آلية مراقبة الخروقات والرد عليها، النقطة الأكثر حساسية في صياغته، إذ إن الطرح المفترض لنشر قوات شرطة عسكرية روسية، يحمل أسئلة عن مدى سلطة وقدرة تلك القوات على الرد على اختراقات محتملة، خاصة أن ما يجري الحديث عنه عن «حزام» يجب إخلاؤه من «القوات غير السورية» يزيد من تعقيد تلك النقطة.
وفي سياق متصل، نقلت «فورين بوليسي» عن مصدر عسكري أميركي، قوله إن البنتاغون والقيادة المركزية الأميركية «لديهما القليل من المعلومات حول الاتفاق»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «الطائرات الأميركية نادراً ما تنشط فوق المنطقة التي يشملها الاتفاق، ولكننا بالتأكيد سنحترمه ونلتزمه». وأكد المصدر أن العسكريين الأميركيين لن يعملوا مع أي من نظرائهم السوريين أو الإيرانيين، «وإذا أراد أولئك البقاء على اطلاع، فإن الروس سيلعبون دور الوسيط بيننا».
وبالتوازي، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، من بروكسل، أن هناك «التزاماً عاماً» بوقف إطلاق النار، مضيفاً في مؤتمر صحافي مع نظيره البلجيكي ديدييه ريندرز، أن إنشاء «منطقة تخفيف التصعيد أتاح خفض مستوى العنف بسرعة». وأعرب عن أمله في التوصل خلال الجولة المقبلة من محادثات أستانا، إلى اتفاق مماثل حول مناطق خفض التصعيد الثلاث الأخرى.
وبعيداً عن الميدان، أكد لافروف أن على المعارضة التزام قرارات الأمم المتحدة المعنية بالمحادثات السورية، وتمتنع عن «وضع شروط مسبقة للمفاوضات، وعن المطالبة بتغيير النظام». وشهد أمس بالتوازي، اللقاء الأول غير التقني بين المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، والوفود المعارضة، بعدما تحدثت مصادر معارضة عن ضغوط من قبل الفريق الأممي نحو توحيد الوفود المعارضة ضمن وفد موحّد. وتضيف المصادر أن اللقاءات المشتركة بين الوفود على مدار الأيام الماضية، لم تصل إلى توافق على تشكيل هذا الوفد الموحد، وسط إصرار من قبل «هيئة المفاوضات العليا» المعارضة، على ضم ممثلين عن باقي منصات المعارضة إلى وفدها الحالي.

المصدر: الأخبار