انتشرت بين أوساط المصرفيين معطيات عن سرقة زبائن لدى بنك الموارد بقيمة تتجاوز 20 مليون دولار، إلّا أنه لم يحسم بعد توزّع المسؤوليات بين الإدارة والموظف المتهم بالاختلاس، وخصوصاً أن المبلغ المختلس كبير جداً قياساً على رأس مال المصرف.
قبل فترة، فوجئ عدد كبير من زبائن البنك أن مدير فرع مار الياس (بيروت)، سعد الدين منيمنة، هرب إلى جهة غير معروفة، وأن حساباتهم أو جزءاً منها "تبخّر" معه.
في البداية أنكرت إدارة البنك معرفتها بالحسابات المختلسة وزعمت أمام الزبائن بأن الحسابات التي بحوزة الزبائن هي حسابات وهمية، إلّا أنها أقرّت لاحقاً أمام لجنة الرقابة على المصارف أن هذه الحسابات موجودة فعلاً وأن المستندات التي يقدّمها الزبائن لتحصيل أموالهم هي مستندات صحيحة غير مزوّرة، لكنها رفضت تحميلها مسؤولية الاختلاس، مشيرة إلى أنها لم توافق على إصدار المنتج الذي استغلّه مدير الفرع لسرقة أموال الزبائن. وهو ما دفع إلى تقديم دعاوى قضائية من إدارة البنك ضد الموظف المتهم بالاختلاس ومن زبائن ضد البنك نفسه، وهي ما تزال في طور التحقيق لدى قاضي التحقيق في بيروت، فادي العنيسي، تمهيداً للادعاء وفتح المحاكمة.
"الأخبار" تلقّت مجموعة من الاتصالات من ضحايا هذه السرقة، الذين عرضوا المستندات والوثائق التي بحوزتهم وشرحوا ما حصل معهم بالتفصيل. وتبيّن أن منيمنة كان يطلب من الزبائن الاستثمار في منتج أصدره المصرف على النحو الآتي: على الزبون أن يضع وديعة بالدولار لدى البنك تفوق مليون دولار ويجمّدها لمدّة 3 سنوات مقابل فائدة سنوية تبلغ 11%، ويمكن سحب قيمة الفائدة المتراكمة على المبلغ كل ثلاثة أشهر. وتلقى بعض الزبائن نصائح من مدير الفرع ومن موظفين آخرين في المصرف بجدوى الاستثمار في هذا المنتج الذي بدأ إطلاقه في أواخر 2016، أي في ظل إطلاق بعض المصارف منتجات "سخية" جداً موجهة إلى كبار المودعين، وصل العائد عليها إلى 30% في حالة بنك "ميد"، بهدف تقاسم أرباح "الهندسات المالية"، التي أطلقها مصرف لبنان في النصف الثاني من 2016، وسدد عليها عائداً استثنائياً فورياً بنسبة 40%.
الحجّة كانت مقنعة للعديد من الزبائن الساعين لنيل حصتهم من الأرباح الطائلة، ولكن الفرق بين المنتج الذي أطلقه بنك الموارد وباقي المنتجات، أن فترة التوظيف لدى بنك الموارد هي أطول، وهو أمر منطقي نظراً إلى عدم وجود سقف مرتفع للمبالغ الموظّفة، فضلاً عن أن قدرة بنك الموارد على استقبال ودائع قصيرة الأجل ستشكّل ضربة كبيرة له بعد انسحابها في وقت الاستحقاق.
الزبائن تلقوا مقابل إيداعاتهم لدى بنك الموارد، ورقة موقعة من منيمنة وصادرة من المقرّ الرئيسي لبنك الموارد وهي تفيد بأنه جرى تقييد المبلغ المودع لديها من الزبون في حساب رقمه (...) ومذكور على هذه الورقة تاريخ الإيداع وتاريخ الاستحقاق بالإضافة إلى الفائدة السنوية وإمكانية سحب الفائدة كل 3 أشهر... وعلى هذه الورقة طابع مالي وتوقيع مدير الفرع وختم بنك الموارد.
بعد وقت من تسويق هذا المنتج، حاول بعض الزبائن سحب قيمة الفوائد المستحقة، إلا أنهم فوجئواً بأن منيمنة غير موجود، ولم يحصلوا على تفاصيل واضحة عن سبب غيابه، إلا أنهم طالبوا بسحب قيمة الفائدة فأجابتهم الإدارة بأن الحساب الذي يطلبون سحب الأموال منه غير موجود. عندها قدّم الزبائن المستند الذي بحوزتهم ما أربك موظفي البنك الذين أجروا سلسلة اتصالات مع إدارة البنك قبل أن يعترفوا للزبائن أن المدير هرب واختلس الأموال وأن المنتج غير صحيح رغم أن المستند هو صحيح 100%.
هذا التناقض والتردّد في الاعتراف بما حصل أثار الكثير من الشكوك، ولا سيما أن الحجج المقدمة لا يمكن تفسيرها بغير سعي إدارة البنك للهروب من مسؤولية المنتج الصادر عنها وتحميل الموضوع كلّه لمدير الفرع. وبحسب مصادر مطلعة، فقد ظهر أن المبالغ الموظّفة في هذا المنتج كبيرة جداً، وهي تتراوح بين 20 مليون دولار و25 مليون دولار. وعدم وجود رقم دقيق يعود إلى كون بعض التوظيفات صحيحة وليست مزيّفة ولم تختلس أموالها، ما يدلّ على أن إدارة البنك هي التي أصدرت هذا المنتج ولم يكن عملية تزوير لمنتج وهمي من قِبل مدير الفرع وحده. وتفسّر مصادر مطلعة، أن هروب إدارة البنك من المسؤولية سببه حجم المبلغ الكبير الذي يكاد يوازي قيمة رأس ماله. في عام 2015 كان رأس مال البنك يبلغ 28 مليون دولار، وعليه استحقاقات قروض لمصرف لبنان بقيمة 300 مليار ليرة وهو قرض جرى تجديده سابقاً بسبب عدم قدرة البنك على السداد.