أنهى أمس رئيس الحكومة التونسيّة زيارة لواشنطن، استمرت أربعة أيام، حاول خلالها البحث عن مكان جديد لتونس ضمن خريطة إدارة ترامب في المنطقة، وخاصّة عقب خفض الولايات المتحدة قيمة مساعداتها الخارجية بحوالى الثلثين
رغم أهميّة الموقع الاستراتيجي، لا تحظى دول المغرب العربي بمكانة دول المشرق نفسها في خريطة السياسة الأميركيّة. وفي ظل مقدراتها على صعيد الطاقة الهائلة، لا تتعرض دول المغرب لتهديدات «وجوديّة» تدفعها إلى التنافس على استقطاب قواعد عسكريّة لجيوش أجنبيّة، كما هي الحال في منطقة الخليج، كما لا تعرف نزاعات إقليميّة دامية تجعلها حليفاً استراتيجيّاً لإحدى «الدول العظمى» الضابطة لموازين القوى الدوليّة.
بناءً على ذلك، يبقى التعاون مع الولايات المتحدة في مستويات منخفضة، وخاصة في ظل الهيمنة الأوروبيّة النسبيّة على المنطقة منذ انتهاء مرحلة الاستعمار.
ورغم تعزز العلاقات بين تونس والولايات المتحدة بعد عام 2011، حيث ضمنت الأخيرة في مناسبتين قروضاً دوليّة لتونس التي صارت بدورها منذ تموز/ جويلية 2015 حليفاً أساسياً لها من خارج «حلف شمالي الأطلسي»، لم تتجاوز قيمة المساعدات الأميركيّة 177 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات الست الماضية.
المبلغ، برغم ضعفه، عرف انخفاضاً بحوالى الثلثين في ميزانية عام 2018 (شمل التخفيض عددا من البلدان الأخرى)، وهو على كلّ حال لم يكن يُقدّم كمساعدة ماليّة مباشرة، بل كان مقسماً إلى ثلاثة أجزاء رئيسيّة؛ دعم عسكريّ ومساعدة فنيّة اقتصاديّة، وتمويل لمنظمات مجتمع مدني دوليّة ومحليّة ناشطة في مجالات الحوكمة الرشيدة، ودعم الشفافيّة والانتقال الديموقراطيّ.
من جهة أخرى، لم ينتظر رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، طويلاً بعد تلقيه دعوة لزيارة واشنطن، فشد الرحال معزَّزاً بطاقم من مستشاريه، فيما بدا أنّ أيّاً من الوزراء لم يذهب معه، تجنباً لإعطاء إشارات حول التعديل الوزاريّ المرتقب.
وبدأ الشاهد سلسلة اجتماعاته في واشنطن بلقائه وزير الدفاع جايمس ماتيس، الذي أشاد بيان صادر عن وزارته بـ«ريادة تونس في تعزيز الأمن الإقليميّ والاستقرار في شمال أفريقيا»، وعبّر عن الرغبة في تطوير التعاون العسكريّ بين البلدين في المستقبل. ثم، حطّ ضيفاً على نائب الرئيس الأميركي مايك بانس، الذي أكد البيان الصادر عن مكتبه دعم الولايات المتحدة لتونس في مساعيها لتقوية قدراتها الأمنيّة وإجراء إصلاحات اقتصاديّة وتطوير مؤسساتها الديموقراطيّة. كما التقى بعد تعريجه على مستشار الأمن القومي الجنرال هربرت ماك ماستر، مجموعة من أعضاء لجنة الشؤون الخارجيّة في مجلس الشيوخ، الذين لم يبتعد بيانهم عن بيانات بقيّة من التقاهم، غير أنهم أضافوا نقطة حثوا من خلالها تونس بقوّة على «وقف دعمها للقرارات وجميع الإجراءات المنحازة ضدّ إسرائيل أو المستهدفة لها في اليونسكو ومنظمات الأمم المتحدة الأخرى».
بعد اللقاءات الرسميّة، تحوّل الشاهد نحو إلقاء محاضرة تبعها نقاش في مقر «ذو هيريتاج فاوندايشن»، وهو مركز تفكير محافظ، لعب دوراً مهماً في صعود دونالد ترامب إلى الرئاسة، ويلعب الآن دوراً في انتقاء الطاقم العامل مع الرئيس حتى يضمن «وجود الأشخاص المناسبين في المواقع المناسبة». وبما أنّ (موروث) الحرب جزء مهم من عقيدة المحافظين، ركّز رئيس الحكومة في مجمل ما قاله على المسائل الأمنيّة، محاولاً تقديم تونس كنموذج ناجح في مقاومة التطرّف، ومتخذاً من أحداث مدينة بن قردان (آذار/ مارس 2016) مثالاً مبكراً على هزيمة «داعش». واعتبر أنّ على الولايات المتحدة اتخاذ تونس حليفاً استراتيجياً في المنطقة، وخاصّة مع ما يحدث في ليبيا من مواجهات مستمرة، وفي ظل ما يختمر في منطقة الصحراء من تحالفات قد تفضي إلى تحولها إلى بؤرة توتر مرّة أخرى.
ورغم الوعود المقدمة للشاهد، لم يصدر إلى الآن ما يفيد بتراجع إدارة ترامب عن التخفيض في الدعم الموجّه لتونس. في المقابل، لم يعلن الشاهد نفسه، في تصريحاته الرسميّة على الأقلّ، عن نيته بتقديم تنازلات كبرى مقابل استعادة الإعانات، ولم يتحدث مثلاً بشأن ما تردد سابقاً عن رغبة الولايات المتحدة في إنشاء قاعدة عسكريّة لها على الأراضي التونسيّة، وهي تنازلات لا يبدو أنّ الإدارة الأميركيّة الجديدة عازمة على تقديم مساعدات في غيابها. فبالنسبة إلى ترامب، على الجميع أن يدفع، والأرض تقوم مقام المال في هذه الحالة.