في الذكرى الأولى لمحاولة انقلاب 15 تموز الفاشلة، احتشد مئات الآلاف في مختلف المناطق التركية لإبداء دعمهم لرئيسهم رجب طيب أردوغان، الذي أصرّ على أن العقاب الأفضل للخونة هو ألّا يبصروا النور مجدداً، مبدياً عدم اكتراثه بالانتقادات الداخلية والخارجية لتعامل حكومته مع معارضيها في ظل حالة الطوارئ
بدا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في صورة قوية وواثقة أثناء مشاركته في فعاليات ذكرى محاولة الانقلاب الفاشلة التي حصلت في 15 تموز الماضي، ملقياً أكثر من كلمة، ذات أبعاد دينية، أمام الحشود في اليومين الماضيين، ومتعهداً بـ«قطع رؤوس الخونة»، فيما استنفرت البلاد جميعها إحياءً لتلك الذكرى التي أنهت عقوداً من سيطرة الجيش على السلطة.
ومنذ ليل السبت حتى صباح أمس، أحيت تركيا ذكرى الانقلاب الذي قتل خلاله نحو 250 شخصاً أثناء إحباط المحاولة العسكرية للاستيلاء على السلطة بعدما قصفت طائرات حربية البرلمان في أنقرة، وتتهم الحكومة جماعة الداعية فتح الله غولن بتدبيرها.
وفجر أمس، افتتح أردوغان نصباً تذكارياً لـ«شهداء المحاولة الانقلابية الفاشلة» أمام المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، حيث أكد في كلمة أن «شهداءنا سيعيشون في قلوبنا دائماً حتى لو دُفنت أجسادهم في التراب، بينما الخونة من أتباع منظمة فتح الله غولن الإرهابية سيفنون في السجون ويموتون كل يوم». وتجمّع عشرات الأشخاص بالقرب من القصر الرئاسي في وقت مبكر قبل أن ينضم إليهم آلاف آخرون حضروا لمتابعة هذه المحطة الأخيرة التي اختتمت الاحتفالات الرسمية بالذكرى الأولى لفشل الانقلاب. وأشاد أردوغان بالمواطنين الذين تصدوا للدبابات «حاملين العلم في أيديهم والإيمان في قلوبهم».
وعلى الرغم من أن أردوغان تمكّن من خلال حالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ سنة من إلقاء القبض على حوالة 150 ألف شخص لاتهامهم بالارتباط بجماعة غولن، إلا أنه استمر بالتوعد بمحاسبة «المتورطين» بالمحاولة الانقلابية بقوله: «كونوا واثقين من أن الخونة الذين وجهوا أسلحتهم إلى بلدنا وشعبنا وحريتنا ومستقبلنا لن يروا النور مرة أخرى». وفي إسطنبول، شارك الرئيس التركي بتجمع حاشد، حيث دشّن نصباً لضحايا محاولة الانقلاب، ليلقي لاحقاً أمام البرلمان في أنقرة خطاباً مؤثراً، على عكس خطابه الشديد اللهجة في إسطنبول بالقرب من جسر «شهداء 15 تموز» (البوسفور سابقاً)، حيث تعهد بـ«اقتلاع رؤوس الخونة». وبعدما أكد دعمه لإعادة العمل بعقوبة الإعدام، اقترح اعتماد زي موحد للمتورطين في المحاولة الانقلابية المسجونين، مثل اللباس البرتقالي المخصص لمعتقلي سجن «غوانتانامو» الأميركي. وفي هذا الوقت، استمرت التعبئة الشعبية، فقد نزل عشرات الآلاف إلى الساحات العامة للمشاركة في «أمسيات الديموقراطية» في أنحاء البلاد.
ومع تعزيز أردوغان لموقعه وقوته مدعوماً في فوزه بالاستفتاء في 16 نيسان الماضي والذي قد يسمح له بالحكم حتى 2029، يبدو المشهد السياسي في البلاد أكثر انقساماً من مرحلة ما قبل الانقلاب. وخلال هذا العام، شهدت البلاد حملة تطهير واسعة طاولت عدداً كبيراً من السياسيين والصحافيين والأكاديميين ومنظمات غير حكومية، لم تمرّ من دون احتجاجات داخلية وخارجية. وتمثلت الاحتجاجات في الداخل في مسيرة «حزب الشعب الجمهوري» التي انتهت الأسبوع الماضي دفاعاً عن «العدالة».
لكن أردوغان أكد رفضه للانتقادات التي تتهمه بالاستبداد، خصوصاً الانتقادات الغربية التي تعبّر بمعظمها عن القلق من تزايد الحملة بحق معارضي أردوغان. وفي مقال في صحيفة «ذي غارديان» البريطانية، نشر أول من أمس، انتقد أردوغان حلفاء تركيا لعدم إبدائهم التضامن معها خلال محاولة الانقلاب، معتبراً أنهم فشلوا في فهم أهمية ما حصل. وأضاف أن انتقاد الحكومات الغربية للتوقيفات التي تقوم بها الحكومة بحق من تشتبه في ارتباطهم بجماعة غولن، يرفع الأسئلة بشأن «التزام الغرب تجاه الديموقراطية والأمن في بلدي». ورأى أن منح حق اللجوء لبعض «أتباع غولن من قبل من يعتبرون أنفسهم أصدقاءنا وحلفاءنا، هو إهانة»، متابعاً أن لا سبيل لتقبل «خيانتهم لصداقة تركيا». وواصل هجومه على الأوروبيين في ختام فعاليات ذكرى محاولة الانقلاب، أمس، متهماً بروكسل «بالعبث» بسعي أنقرة منذ عقود للانضمام إلى التكتل الأوروبي. وقال إن «موقف الاتحاد الأوروبي واضح... مرّت 54 عاماً وما زالوا يعبثون معنا»، مشيراً إلى ما وصفه بعدم وفاء بروكسل بتعهداتها في ما يتعلق باتفاق تأشيرات الدخول ومساعدة اللاجئين السوريين.