دخلت الأزمة الخليجية مرحلة من الجمود، في ظل فشل الجولات الغربية في إنعاش الوساطة الكويتية، وآخرها جولة وزير الخارجية الفرنسي التي انتهت أمس. في المقابل، بدأت الدوحة تستعد لـ«حصار» يطول عامين، عبر بناء مرفق لـ«الأمن الغذائي» بتكلفة عالية
كل شيء لا يزال على حاله في منطقة الخليج. التراشق الإعلامي والسجال السياسي وتقاذف التهم والحملات والحملات المضادة بين رباعي المقاطعة من جانب، وقطر في الجانب المقابل، متواصلة بلا انقطاع.
وكذلك حال الوساطات التي لا تنفك تتوالى، ولا يتغير منها سوى الجهة الوسيطة، وكأن الزيارات إلى العواصم الخليجية لتقديم المبادرات باتت تقليداً بلا طائل هذه الأيام، والجميع مدعوّ لتجريب تلك «الطقوس»، بمن فيهم الرئيس السوداني عمر البشير. وينشط إعلام الطرفين في تفعيل وسائله والنبش في الأرشيف بحثاً عن جديد يبقي وتيرة التصعيد على حالها، بعد أن دخل الخلاف الخليجي مرحلة من الرتابة والجمود منذ أيام. الكلام بات ممجوجاً ومكرراً، ولا يملّ الطرفان تكراره، سواء لناحية الاتهامات الموجهة لقطر، أو أجوبة الدوحة على التصويب الإماراتي والسعودي ضدها.
لم تقدم الوساطات في الأسبوع الماضي جديداً، إلا أنها، الأميركية منها تحديداً، منعت تصعيد خطوات الرباعي بوجه قطر، ما أدخل ملف الخلاف حالة الجمود التي هي عليها اليوم. مراوحة لا تبدو أنها تصبّ في مصلحة الرياض وأبو ظبي اللتين فقدتا لحظة الاستنفار التي كانت قائمة، في ظل استقطاع القطريين للوقت واستفادتهم من جو الوساطات في تشتيت التصويب عليها، وفي محاولة تنفيذ «هجمات» مضادة.
وأعقبت فرنسا جولة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون المطوّلة إلى المنطقة بمبادرة حملها وزير خارجيتها جان إيف لودريان الذي يجول في العواصم الخليجية لإقناع الأطراف بإعادة «بناء الثقة» ولعب دور «مسهل» للوساطة الكويتية، بحسب وزارة الخارجية الفرنسية. وقالت في بيان سبق الزيارة: «يساورنا القلق إزاء التوترات الحالية التي تتعرض لها البلدان التي تجمعنا بها علاقات زخمة وودّية، نناشد (الجميع) تهدئة الأوضاع على وجه السرعة لما في ذلك مصلحة الجميع».
والتقى لودريان، أمس، أمير الكويت صباح الأحمد الصباح، بحضور عدد من المسؤولين، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء الكويتية، من دون ذكر تفاصيل أكثر. والكويت هي المحطة الثالثة في جولة وزير الخارجية الفرنسي الذي كان قد التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في مدينة جدة، بحضور عدد من المسؤولين من بينهم وزير الخارجية عادل الجبير، ونائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري، ووزير الداخلية عبد العزيز بن نايف.
وبدأ لودريان جولته من الدوحة، حيث التقى السبت الأمير تميم بن حمد آل ثاني، ووزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. وأكد وزير الخارجية الفرنسي من قطر أهمية إيجاد حل سريع للأزمة بين دول الخليج ورفع الإجراءات التي تنعكس على حياة المدنيين. وفي حين دعا لودريان إلى العمل بحزم لمكافحة الإرهاب، رأى نظيره القطري أنه لا يمكن مكافحة الإرهاب بممارسة الدول لـ«الإرهاب الفكري والسياسي».
واختتم لودريان جولته الخليجية أمس في العاصمة الإماراتية أبو ظبي حيث التقى ولي العهد محمد بن زايد، وبحث معه سبل تجاوز الأزمة.
ولم تخرج جولة وزير الخارجية الفرنسي بأي جديد، شأنها شأن جولة نظيره الأميركي الأسبوع الماضي، مع تأكيد الزائرين الغربيين عدم وجود مبادرات خاصة، غير المبادرة الكويتية، وتجديد الدعم لجهود أمير الكويت في هذا الصدد، على الرغم من عدم تجاوب الأطراف حتى الآن مع هذه المبادرة.
ويصل الرئيس السوداني عمر حسن البشير، اليوم، إلى الإمارات لتأكيد دعم الوساطة الكويتية والعمل «لتجاوز هذه المحنة وعودة اللحمة بين الأشقاء في دول الخليج»، بحسب ما أعلنت وزارة الإعلام السودانية. وينتقل البشير غداً إلى السعودية، في زيارة هي الثانية من نوعها منذ اندلاع الخلاف الخليجي.
في غضون ذلك، باشرت القوات البحرية والقوات الخاصة القطرية تمرينين مشتركين مع القوات الملكية البريطانية، انطلقا أمس في قطر. وبذلك يصل عدد التمرينات العسكرية التي أجرتها قطر مع دول غربية، في خلال شهر، إلى خمسة، بعد أن أجرت تمرينين مشتركين مع القوات الأميركية، وآخر مع القوات البحرية الفرنسية.
وبدا لافتاً أمس إعلان غرفة قطر التجارية بدء توافد الشركات العمانية إلى الدوحة بهدف الاستثمار فيها، في أعقاب الزيارة التي قام بها وفد تجاري قطري إلى مسقط الشهر الماضي. ويبدو أن الدوحة بدأت تهتم بملف «الأمن الغذائي»، تحسّباً للتعايش مع أزمة طويلة الأمد، كما هدّد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش. ووقّعت الحكومة القطرية عقداً لتصميم وبناء مخازن الأمن الغذائي في ميناء حمد، بتكلفة تصل إلى 439 مليون دولار، بهدف توفير مخزون من السلع الغذائية يكفي لمدة عامين.