لم يعد الصراع العربي الإسرائيلي يُدار كما تشتهي بعض الأنظمة أو الأطراف الإقليمية التابعة لا سيما الكيان الإسرائيلي. بل باتت معادلات الصراع، يفرضها الواقع الجديد، لا سيما واقع ما بعد الحرب السورية. لتجد تل أبيب نفسها أمام تحديات كبيرة، أقلها الضعف مقابل قوة حزب الله العسكرية. وفي محاولةٍ لجلب التأييد واستعطاف العالم، خرج العقل الإسرائيلي ليُروّج لقوة حزب الله الصاروخية، الأمر الذي أوقع الكيان الإسرائيلي مرة أخرى، في فخ الحرب النفسية، وإن كان الهدف تشويه صورة حزب الله وتظهيره كمنظمة وحشية! فماذا في المساعي الإسرائيلية الجديدة والتي عبَّرت عنها الصحافة العبرية؟ وما هي أبرز دلالات وأهداف ذلك؟

جيروزاليم بوست: قوة حزب الله الصاروخية مرعبة!

حذرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية من أن الحرب القادمة مع حزب الله ستكون أكثر دماراً من كل الحروب السابقة نظراً لما وصفته بتطور قوة الحزب. معتبرةً أنه بات يُشكل خطراً كبيراً على الكيان الإسرائيلي لامتلاكه نحو 150 ألف صاروخ. وقالت في مقال نشرته منذ يومين، إن عدد صواريخ حزب الله أكثر من الصورايخ التي تملكها دول حلف الناتو باستثناء الولايات المتحدة، مضيفة أن إيران تستثمر أكثر من 100 مليون دولار سنوياً لتقوية حزب الله، وأن هدف هذا الإستثمار هو ضرب الكيان الإسرائيلي. وأكدت الصحيفة أنه في أي حرب جديدة ستندلع بين الطرفين، فإنه بقدرة الحزب تنفيذ تهديده بإطلاق 1000 صاروخ يومياً على الكيان الإسرائيلي بما فيها المنشآت المدنية في القدس وتل أبيب، ما سيؤدي إلى سقوط آلاف الضحايا. ودعت الصحيفة الحكومة الإسرائيلية إلى إطلاق حملة لإقناع العالم بأن حزب الله هو تنظيم "إرهابي" يشكل خطراً ليس على الكيان الإسرائيلي فحسب، بل على الغرب ودول أخرى وأن إيران والحزب سيكونان مسؤولين عن اندلاع حرب جديدة وسقوط ضحايا مدنيين.

الكلام الإسرائيلي: قراءة في الأهداف والدلالات

عدة مسائل يمكن تسليط الضوء عليها فيما يخص الكلام الإسرائيلي نُشير لها في التالي:

أولاً: يُشكِّل الكلام الإسرائيلي دليلاً على حجم الأزمة التي تعيشها تل أبيب على الصعيد العسكري، في ظل معادلات جديدة صاغها محور المقاومة، يُشكل فيها حزب الله رأس حربة، لأسباب جيوعسكرية تتعلق بجغرافيا الصراع بين الطرفين.

ثانياً: قد يتساءل البعض عن الهدف الإسرائيلي من هذا الترويج، خصوصاً أنه يضر بالداخل الإسرائيلي، لناحية أثره على الجيش والمجتمع الصهيوني. لكن الحقيقة تكمن في أن تل أبيب تسعى من خلال ذلك لإيجاد واقع إعلامي وسياسي تتحرك من خلاله لحشد الدعم الإقليمي والدولي لها، عبر تقديم نفسها كضحية.

ثالثاً: لا ينفصل الكلام الإسرائيلي عن الأرضية التي تسعى لها حلفاء واشنطن في المنطقة، لحشد التأييد لمشروع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وذلك عبر خلق بيئة يمكن أن ترفض مبررات محور المقاومة في الصراع العربي الإسرائيلي، وهو الأمر الذي تشعر تل أبيب أنه لم يعد يُجدي في ظل وجود خيارات شعبوية تتناغم مع توجهات محور المقاومة.

رابعاً: لم تُخطئ تل أبيب في تعبيرها عن خوفها الحقيقي والمُبرَّر، من قوة حزب الله النوعية، وقدرته على تغيير معادلات الصراع. كما لم تخطئ في وصف ذلك كمصدر قوة لمحور المقاومة الذي تتزعمه إيران. لكنها أخطأت في وصف أسباب هذه القوة، والتي بات يعرف العالم بأسره أنها دفاعية وليست هجومية، في ظل معادلات واضحة في الصراع أرساها حزب الله.

خامساً: يستخدم حزب الله في صراعه استراتيجية إدارة القوة وليس استخدامها. وهو ما يعني أن امتلاك القوة، ليس إلا سبيلاً للردع. في حين يتم التعامل مع الظروف بحسب اختلافها، الأمر الذي توضحه ردة فعل الحزب العسكرية الطبيعية على أي اعتداءات يُبادر لها الكيان الإسرائيلي.

سادساً: لن يكون للكلام الإسرائيلي أي أثر، سوى بث المزيد من القلق لدى الداخل الإسرائيلي، ورفع مستوى الإحباط لدى الجيش، الأمر الذي يجعل النتائج تصب في صالح محور المقاومة، وكأن تل أبيب أخطأت مرة جديدة في حسابات الحرب النفسية.

إذن، أخطأت تل أبيب في تقدير الموقف. فالتأييد العربي لخيارات محور المقاومة، ونموذجية حزب الله في العقل العربي والإسلامي، سترتفع في ظل الترويج الإسرائيلي الجديد. خصوصاً أن السلوك العدواني لتل أبيب والذي يزداد يوماً بعد يوم، يؤكد صحة خيار حزب الله وأحقية سعيه لرفع منسوب القوة. قوة يعتمد فيها حزب الله، استراتيجية ادارة القوة وليس استخدامها. فهل تنزلق تل أبيب لمُستنقعٍ جديد تعرف مُسبقاً مصيرها فيه؟ سؤالٌ برسم الأيام المقبلة.

المصدر: الوقت