لف «غبار» الاستعدادات المتواصلة عند سلسلة جبال لبنان الشرقية لإطلاق «حزب الله» بمؤازرة الجيش السوري معركة جرود عرسال، اليوم الأوّل من الجلسة التشريعية للبرلمان وكاد أن يحجب المداولات «الحساسة» حول ملف سلسلة الرتب والرواتب للأساتذة وموظّفي القطاع العام والعسكريين، والذي سار «على حافة» تحذيراتٍ من تبعاتٍ مالية لأعبائه تهدّد بانهيارٍ مالي أو بـ «خرابٍ عجزتْ عن فعله اسرائيل في عدوان يوليو 2006».
وشكّلت «الحماوة» وإن المنضبطة العنوان المشترك للنقاشات التي دارتْ على تخوم «السلسلتين» ولم تمرّ من دون صراخٍ علا في مقرّ البرلمان الذي كان على موعد مع تحرّكيْن أمامه: الأول حصل لمجموعاتٍ من الحِراك المدني وهيئات نقابية والعسكريين المتقاعدين حيث طالب كلّ منها بإنصافه في سلسلة الرتب أو اعترض على السلة الضريبية (لتمويل كلفة السلسلة).
أما التحرّك الثاني فلم يحصل وتمثّل في «الاعتصام الافتراضي» الذي استدرج نزعات غضب حيال اللاجئين السوريين واستندَ الى دعوة مريبة عبر صفحة «اتحاد الشعب السوري في لبنان» لنزول النازحين الى وسط بيروت وملاقاة مجموعة لبنانية كانت تعتزم تنظيم تجمُّع اعتراضاً على تعاطي الجيش مع النازحين في مخيمات عرسال (إبان عمليته الأخيرة فيها قبل نحو اسبوعين)، وهو ما استدعى «انتفاضة» من البعض على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان «دعم الجيش» لم تخلُ من مناخ تحريضٍ اختزنَ الاحتقان المتصاعِد في لبنان ضدّ النازحين السوريين الذين رفع «حزب الله» بإزائهم شعار «الآن وليس غداً أجراس العودة فلتُقرع». علماً أن التسريبات عن التحقيقات مع صاحب صفحة «اتحاد الشعب السوري» الذي أوقف اول من امس على وقع اتهامات من خصوم النظام السوري في لبنان بأن دعوته هي «عمل مخابراتي من النظام»، أشارتْ الى أنه «عاطل من العمل وينشط في مجال القرصنة الإلكترونية» وأنه «اعترف بإدارة الصفحة التي تتولى التحريض على الجيش اللبناني واللبنانيين بعد إنكاره في بادئ الأمر».
واختزل مداولات «الصوت العالي» حول السلسلة التي أُقرّت مبدئياً، السجال العنيف الذي اندلع بين وزير المال علي حسن خليل (من فريق رئيس البرلمان نبيه بري) والنائب ابراهيم كنعان (من تيار رئيس الجمهورية ميشال عون) الذي توجّه إليه الأول بالقول «أنت بلا أدب» ليردّ الأخير على خليل «احترم حالك» (على خلفية ما يقول كنعان انه محاولة في لجنة المال والموازنة لتحقيق وفر بالانفاق في موازنة 2017 بمقدار ألف مليار ليرة تخفف عبء ضرائب جديدة لتمويل السلسلة) وذلك في امتدادٍ للتجاذب الذي ساد عشية التئام الجلسة التشريعية بين «مَن يسبق مَن»، السلسلة أو الموازنة العامة، وسط مساعٍ بُذلت لاعتماد مَخرج يقوم على إقرار السلسلة وربط بدء تنفيذها بولادة الموازنة.
أما ملف عرسال فلم يحضر بشكل أقلّ تشظياً تحت قبة البرلمان، وهو أطلّ برأسه على وقع «تمرين النار» اليومي في جرود البلدة الذي يجريه الجيش السوري بقصف هذه المنطقة التي يتواجد فيها مسلّحو «النصرة» و «داعش» في إطار «تحميةِ» ما قبل انطلاق المعركة التي اكتملت جهوزية «حزب الله» لها، وما زال توقيت إعطاء «الضوء الأخصر» لها رسمياً يرتبط بالتأكد من انسداد أفق المفاوضات التي تجري مع «النصرة» خصوصاً للانسحاب «سلمياً» نحو إدلب، وسط معلومات عن أن هذه المفاوضات التي تتم على وهج ارتفاع وتيرة الضربات الجوية للتأثير المعنوي على المجموعات المسلّحة تبقى عالقة عند إصرار أبو مالك التلي (أمير النصرة في جرود عرسال) على الانكفاء مع السلاح الثقيل وليس فقط الخفيف مفضّلاً تركيا كنقطة انسحاب، وهو ما يستدعي حسب مصادر متابعة مروراً عبر الأراضي اللبنانية لن يسمح به الجيش.
وشقّ ملف عرسال وتفرّعاته طريقه إلى الجلسة التشريعية عندما طالب النائب خالد الضاهر بإقالة وزير الدفاع يعقوب الصراف معتبراً ان الجيش «يغطي ميليشيا» (حزب الله ) ورافضاً زجّ المؤسسة العسكرية بمعارك خارج مصلحة البلد ولمصلحة مشروع غير لبناني. فردّ عليه النائب اميل رحمة بالقول: «نحن تحت سقف اتفاق السرايا وما قاله الرئيس سعد الحريري في هذا الاطار». وبعد هرْج ومرْج وصراخ، سأل النائب سامي الجميل عما يُقال عن عملية للجيش اللبناني في عرسال وإذا كانت هناك غرفة عمليات مشتركة بين«حزب الله»والجيش.
واستدعت هذه المداخلات ردّاً من رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أكد «أن الحكومة مسؤولة عن سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها». وقال: «إن الجيش سيقوم بعملية مدروسة في جرود عرسال والحكومة تعطيه الحرية لمعالجة هذا الأمر، كما أن الجيش مسؤول عن كل قتال ضمن حدودنا وجرودنا». ولفت الى أن «الجيش السوري يقصف مناطق يعتبرها له ونحن نعتبرها لنا إذ ان المشكلة في عدم ترسيم الحدود»، مشدداً على أن «القوى العسكرية مسؤولة عن حماية النازحين واللبنانيين، والكلام مع النظام السوري لن يحلّ المشكلة وإلا لكانت حلت مع العراق ومصر والأردن».
ونفى الحريري أن تكون هناك «غرفة مشتركة بين الجيش اللبناني وجيش النظام السوري، والحكومة تعطي الجيش اللبناني الحرية للتخطيط وإبعاد المقاتلين عن الحدود»، موضحاً أن «الجيش يحقق بما حصل في عرسال (وفاة اربعة سوريين موقوفين) ومعه 3 أطباء مدنيين وسيصدر التقرير ويطلع عليه الرأي العام».