تتالت ردود الفعل على مشروع قانون العقوبات الذي وضعه مجلس النواب الأميركي. وجاءت هذه الردود من مختلف الأطراف المستهدفة مباشرة والمتضرّرة بنحو غير مباشر من هذه العقوبات

فرض مشروع العقوبات الذي وضعه مجلس النواب الأميركي، أول من أمس، نفسه على المشهد السياسي المحيط بعلاقات واشنطن مع الخارج، في الوقت الذي بدا من الواضح أن التجاذبات الداخلية قد لعبت دورها في الدفع باتجاه هذه الخطوة، في ظل ما يتردّد عن اتهام الروس بالتدخل في الانتخابات الأميركية لمصلحة الرئيس دونالد ترامب.

وكان مجلس النواب الأميركي قد صوّت بأغلبية ساحقة لمصلحة فرض عقوبات جديدة على روسيا وإيران وكوريا الشمالية، في خطوة وصفها رئيسه بول راين بأنها «أوسع عقوبات في التاريخ». وفي الوقت الذي يراجع فيه البيت الأبيض هذا القانون، ومع أن المتحدثة باسمه أعلنت أن ترامب يدعم فرض عقوبات صارمة على كوريا الشمالية وإيران وروسيا، إلا أن ذلك لم يمنع المراقبين من معالجة الموضوع على أساس أن الرئيس الأميركي واقع الآن في موقف حرج، ولا سيما أنه كان قد دعا أكثر من مرة إلى التقرّب من موسكو. وجاء رد الفعل الروسي، أمس، على قانون مجلس النواب الأميركي، ليشي بعدم إمكانية تحقيق طموح ترامب، فقد وصف الكرملين مشروع القرار بأنه «خطوة غير ودية للغاية»، مؤكداً أن الرئيس فلاديمير بوتين سيحدّد الرد الروسي عليه. وقال المتحدث باسم بوتين، دميتري بيسكوف، إن الكرملين لن يصدر في الوقت الحالي أي تقويمات «جوهرية» حول مشروع القانون الذي تبنّاه مجلس النواب الأميركي، وسيضع موقفه بشكل نهائي بعد دراسة دقيقة لنص القانون. وأضاف: «أما الآن، فيمكننا أن نقول إنه خبر مؤسف جداً في ما يخص وضع العلاقات الروسية ــ الأميركية وآفاق تطويرها. كذلك فإنها أخبار مدمرة من وجهة نظر القانون الدولي والعلاقات الاقتصادية الدولية».
إيران المستهدفة بهذا القانون ردّت، من جهتها، عبر أكثر من طرف. فقد تعهّد الرئيس حسن روحاني برد موازٍ على العقوبات الأميركية، مؤكداً أنها لن تؤثر في الشعب الإيراني ولن تثنيه عن المقاومة والصمود. وقال إن «الأميركيين قلقون من استقلال إيران واتخاذها نموذجاً يحتذى في المنطقة». وأضاف: «سنعمل على تعزيز قدراتنا الدفاعية، غير آبهين لمطالب الآخرين». وأشار روحاني إلى أن «العقوبات الأميركية هي تكرار للعقوبات السابقة»، مشيراً إلى أن «هذا يثبت أن حربة العقوبات الأميركية باتت ضعيفة مقارنة بما قبل الاتفاق النووي». وأكد الرئيس الإيراني أنه «إذا ما تنصلت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي جزئياً، فإننا سنتنصل كذلك منه جزئياً، وإذا ما تنصلت منه واشنطن بالكامل، فإننا لن نتوانى من جهتنا عن التنصل المطلق منه».
كذلك، صرّح مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بأن قانون العقوبات الأميركية لا یفرض قيوداً جدیدة على بلاده، بل هو تحصيل حاصل للعقوبات الأميركیة السابقة ضد طهران في المجالات غیر النوویة، رغم أنه لن يمرّ مرور الكرام على الاتفاق النووي المبرم بين طهران و«السداسية» الدولية، وسيحدّ من استثمار إيران في خطة العمل المشترك الشاملة. وجاء تصريح عراقجي في وقت قررت فيه لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني عقد اجتماع طارئ السبت المقبل، لبحث خطوة الكونغرس.
إلا أن الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، انتقد عبر موقع «انستغرام» اللجنة الإيرانية المشرفة على تطبيق الاتفاق النووي، وقال إن هذه اللجنة «غارقة في سبات عميق، وعليها التفكير قبل فوات الأوان».
لم تقتصر ردود الفعل على الأطراف المستهدفة مباشرة من مشروع القانون، فقد أعربت المفوضية الأوروبية، في بيان، عن «القلق»، وأبدت تخوّفها من «التبعات الممكنة لهذه العقوبات على استقلالية الاتحاد الأوروبي على صعيد الطاقة»، و«إزاء انعكاساتها السياسية السلبية المحتملة»، مذكرة بأهمية تنسيق سياسة العقوبات بين كل دول مجموعة السبع. ووصفت العقوبات الأميركية المقترحة بأنها «خطوة أحادية» من جانب واشنطن، محذّرة من أن اتخاذ واشنطن إجراءات عقابية جديدة بحق روسيا قد يجلب تداعيات سياسية سلبية.
أوروبياً أيضاً، أعربت وزارة الخارجية الألمانية عن القلق إزاء الخطوة الأميركية. وفيما أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية مارتن شيفر، في مؤتمر صحافي، إلى إحراز تقدّم واضح في المشاورات الأوروبية ــ الأميركية بشأن هذه المسألة خلال الأسابيع الـ4 الأخيرة، أوضح أن نص المشروع أصبح أكثر ملاءمة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي وحكومة برلين مقارنة بما كان عليه قبل 4 ــ 6 أشهر. كذلك، شدّد شيفر على أنه لا يمكن أن تنتهج الولايات المتحدة سياستها الاقتصادية تحت غطاء العقوبات، مذكراً بأن وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل، والمستشار النمساوي كريستيان كيرن أعربا قبل 4 أسابيع عن مخاوف بهذا الصدد. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية أنه لا ينبغي أن تصبح العقوبات الاقتصادية آلية لسياسة واشنطن الصناعية، وقال: «لا يحق للولايات المتحدة الإملاء على الشركات الأوروبية كيف تتعامل مع الشركاء الأجانب».
من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن العقوبات الأميركية الجديدة ضد إيران وروسيا وكوريا الشمالية تبدو مخالفة للقانون الدولي، لأن نطاقها الجغرافي يمتد خارج الأراضي الأميركية. وأكدت في بيان، أنه يجب تعديل القوانين الفرنسية والأوروبية لتلائم تلك العقوبات، مضيفة أنه سيكون هناك ضرورة لعقد مناقشات على مستوى الاتحاد الأوروبي، بسبب التأثير المحتمل بمواطنين وشركات أوروبية.

المصدر: الأخبار