رضخت حكومة العدو الإسرائيلي لمطالب الفلسطينيين بإلغاء الإجراءات الأمنية التي وضعت منذ أسبوعين في محيط الأقصى؛ فكّكت شرطة العدو الكاميرات والبوابات الإلكترونية، وفتحت بوابات المسجد. صلّى الفلسطينيون في باحاته، لكن سرعان ما انتشرت شرطة الاحتلال وطردتهم منه، في خطوة تنبئ بتصعيد جديد ومتوقع

بعد مضيّ أسبوعين على اعتصامهم في محيط المسجد الأقصى، في القدس المحتلة، انتصر الفلسطينيون، وخاصة المقدسيون، على الإجراءات الإسرائيلية القمعية. انتصر «المرابطون» الذين أمضوا ١٤ يوماً في الطرقات المؤدية إلى المسجد. فَهُم من واجهوا قمع الشرطة الإسرائيلية، وسقط منهم سبعة شهداء خلال أسبوعين. الانتصار على إجراءات العدو جاء بيد الفلسطينيين، ولا علاقة للمملكتين السعودية أو الأردنية به.

ويوم أمس، طبّق الديوان الملكي السعودي مقولة الرئيس الأميركي جون كيندي: «للنصر ألف أب، أما الهزيمة فيتيمة». إذ قال «الديوان الملكي»، إن «خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان... أجرى خلال الأيام الماضية الاتصالات اللازمة بالعديد من زعماء دول العالم... وحكومة الولايات المتحدة لبذل مساعيهم لعدم إغلاق المسجد الأقصى، وهذه الجهود تكللت بالنجاح». أما المملكة الأردنية، فنسبت الانتصار إلى جهود عبدالله الثاني، واتفاقه مع رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، على إطلاق سراح طاقم السفارة الإسرائيلية في عمان، مقابل نزع البوابات الإلكترونية، وذلك بعد قتل حارس في السفارة مواطنين أردنيين.
بدورها، لحقت السلطة الفلسطينية أيضاً بالركب، معلنة قطع الاتصالات مع حكومة العدو ووقف التنسيق الأمني، إذ استفاد رئيس السلطة محمود عباس، من هذه الخطوة، ما رفع رصيده في الشارع. أما «تلفزيون فلسطين» (القناة الرسمية)، ففتح الهواء ليلة أول من أمس لبث الأناشيد الثورية، في خطوة لم تحدث حتى خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام ٢٠١٤.
وبدءاً من ليل أول من أمس، أزالت شرطة العدو الكاميرات والبوابات الإلكترونية من أبواب الأقصى. وبعد كشفٍ أجرته «اللجنة الفنية» التي شكلتها دائرة الأوقاف الإسلامية، دعت الأوقاف إلى «عودة الصلاة في الأقصى». وذلك بعدما تراجعت سلطات الاحتلال عن الإجراءات التي اتخذتها أخيراً.
إعلان «الأوقاف» جاء في مؤتمر صحافي عقد أمس في القدس، بعدما أظهر تقرير «اللجنة الفنية» أن الجسور والكاميرات الذكية والبوابات الإلكترونية كافة، التي نصبت خارج أبواب المسجد، وعلى الأبواب المؤدية إليه قد أزيلت. ودعت «الفلسطينيين، وكل من يستطيع الوصول لأداء صلاة الجمعة غداً (اليوم) في الأقصى»، مؤكدة أن أي محاولة من الاحتلال لإغلاق أي باب من أبواب الأقصى سيجابه بالرفض.
في المقابل، لم تستطع شرطة العدو ابتلاع الانتصار الفلسطيني، إذ هدد قائد شرطة العدو الإسرائيلي في القدس، يورام هليفي، الفلسطينيين، قائلاً: «لا تجربونا». وأضاف في حديثه إلى صحيفة «يسرائيل هيوم»، أن «أي محاولة لخرق النظام غداً (اليوم)، على الفلسطينيين ألا يكونوا مفاجئين من أنهم سيتعرضون للأذى». وظهرت بوادر ذلك مساء أمس، بقمع الشرطة الإسرائيلية المصلين في المسجد، ما أسفر عما يقارب مئة جريح، وفق «الهلال الأحمر الفلسطيني».
وبدا تهديد هليفي نابعاً من غضبه بسبب الدعوات للوصول بأعداد كبيرة إلى الأقصى احتفالاً بالانتصار، وتوعد بأن الشرطة سترد «مثلما فعلت الأسبوع الماضي بالضبط»، في إشارة إلى مواجهات يوم الجمعة الماضي في القدس والضفة المحتلتين. وأكّد أنه إذا «أراد الفلسطينيون تضخيم الاحتفالات ومواصلة النظر إلى المسألة على اعتبار أنها نوع من التراجع، فإننا سنتصرف هكذا بالضبط (استخدام القوة)، لمنع ولإحباط أي محاولة لإلحاق الأذى بأفراد الشرطة». وفي هذا السياق، أعلنت شرطة العدو نقل عدد من كتائب «حرس الحدود» العاملة في الضفة إلى القدس تحضيراً لمواجهات اليوم.
وعملياً، مثّل تراجع حكومة نتنياهو عن الإجراءات التي اتخذت في الأقصى وباحاته فشلاً وفق المنظور الإسرائيلي، إذ عبّر عن ذلك رئيس حزب «البيت اليهودي» ووزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، الذي رأى أن «إسرائيل خرجت ضعيفة من هذه الأزمة، وبدلاً من أن نعزز سيادتنا في القدس، أظهرت الأحداث الأخيرة أن بالإمكان تقويض هذه السيادة». وقال بينيت، في حديث مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، إن التراجع الذي حدث عقب «مظاهر العنف» هو «خطأ واستهتار بالأمن مثلما حدث خلال الهرب من لبنان»، في إشارة إلى انسحاب جيش العدو من الجنوب عام 2000. وشدد على أن «وضع الكاميرات لم يكن قراراً غير صائب، وإنما إزالتها هو الخطأ».
أمّا وزير الأمن الإسرائيلي السابق، موشيه يعلون، فهاجم في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، نتنياهو، محملاً الأخير المسؤولية عن جميع القرارات التي اتخذت بشأن الأقصى. ورأى يعلون أن ما حدث سبب ضرراً كبيراً لإسرائيل. كما انتقد أعضاء المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت)، معتبراً أنه «ليس بالإمكان إدارة أو قيادة دولة عن طريقهم».
في غضون ذلك، صبّ مسؤولون أمنيون إسرائيليون غضبهم على محمود عباس، «المتهم بالوقوف وراء التصعيد أخيراً». ورأى هؤلاء، كما نقلت «يسرائيل هيوم»، أن «أبو مازن معني بإحراق الأرض... وهو المستفيد من تأجيج الأوضاع». كما أكدت الصحيفة نقلاً عن مصادر إسرائيلية أنه «بالفعل توقف التنسيق الأمني هذه المرة، باستثناء حالات ومسائل محدودة».
في المقابل، قالت صحيفة «هآرتس» إن «الولايات المتحدة والأردن تعملان في اتجاه منع اشتعال الأوضاع مجدداً في الضفة، بما في ذلك القدس»، وإنهما طلبتا من عباس العمل على التهدئة. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية قولهم إنه «طُلب من عباس وقف التحريض بشأن الحرم المقدسي، وكذلك وقف الدعوات للمشاركة في التظاهرات»، بحجة أن إسرائيل اتخذت قرارات للتهدئة، في مقدمها إزالة البوابات والكاميرات. كما نقلت عن مسؤول فلسطيني تأكيده بشأن المحاولات الأميركية، لكن «الجانب الفلسطيني قرر مواصلة تنظيم الاحتجاجات، وخصوصاً أن عباس رفض الاجتماع مع مبعوث الرئيس الأميركي إلى المنطقة، جيسون غرينبلات، على اعتبار أن الاجتماعات لا تقدم أي شيء».
في غضون ذلك، حيّت فصائل المقاومة انتصار «المرابطين على أبواب المسجد الأقصى». ودعا رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، إلى «اجتماع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية لوضع التوجهات العامة التي تحكم مسار العمل الوطني الفلسطيني بعد هذا الانتصار الذي حققه أهلنا في القدس». وأضاف هنية: «هذا الانتصار أثبت ألا تعارض بين المقاومة الشعبية والمسلحة». أما القيادي في حركة «الجهاد الإسلامي» محمد الهندي، فقال إن انتصار أهل القدس «درس لكل المرعوبين والمهزومين من إسرائيل».
أيضاً، هنأ حزب الله «الشعب الفلسطيني وأهل القدس على الانتصار الكبير الذي حققوه بإجبارهم العدو الصهيوني على إلغاء كل إجراءاته التعسفية التي اتخذها في محيط المسجد الأقصى المبارك، والتي كانت تهدف بالظاهر إلى تقييد حركة المصلين، فيما هي في العمق تهدف إلى فرض السيطرة الصهيونية على هذا الرمز الإسلامي الكبير ورفع يد العرب والمسلمين عنه». وقال الحزب في بيان، إن هذا الانتصار «يؤكد لهذا الشعب العظيم ولأمتنا المباركة أن انتهاج درب المقاومة، ورفض الخضوع للعدو وإملاءاته، والتمرد على محاولات بعض الأنظمة فرض التدجين... هو السبيل الوحيد لتحقيق الانتصارات».

المصدر: الأخبار