ما كاد يطفئ شمعة ميلاده الثالثة، حتى تضعضعت أساسات تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام، لتنذر بانهيار مبنى تأسّس على "جرف هار"، كيف لا؟ وقد مُنيَ بهزيمة ثقيلة في أكبر معاقله بالعراق، وما أعقب معركة تحرير الموصل من غياب إعلامي عن الساحة العربية والدولية.

كالنار في الهشيم انتشر صيت "داعش"، وسيطر على العناوين الرئيسة في الأخبار والصحف العربية والعالمية، وتباعاً حجز لنفسه مركزاً مهماً في حديث الشارع؛ نظراً لأفعاله وممارساته التي لا يصدقها عقل، ولم تخطر على بال بشر.

تنظيم الدولة الذي احتل مكانة إعلامية سريعة، لم تخلُ نشرة أخبار من ذكره على مدار ثلاث سنوات انقضت، إضافة إلى الاهتمام العالمي والدولي، لكن ثمة تساؤلات تطرح في ظل غيابه إعلامياً بعد انتهاء معركة الموصل، 10 يوليو الجاري.

وقد يسأل سائل، هل فعلاً انتهى التنظيم ودوره؟ وما سر هذا الغياب الإعلامي الواضح؟ وماذا يعني تعذّر الوصول إلى موقع وكالة "أعماق" الناطقة باسم "داعش" وغياب تغطيتها الإعلامية؟ وهل العالم أمام تنظيم جديد يبتكر أساليب عنف جديدة؟!

بعد ثلاث سنوات ونيّف من سيطرته عليها، يخسر تنظيم الدولة وجوده في الموصل (400 كم شمالي بغداد)، وقد تحوّلت المدينة بجانبها الغربي إلى أطلال، ليدخل معها "داعش" في غيبوبة إعلامية عن الساحة العربية والدولية.

- "تويتر" يخلو من "داعش"

المشاركات الدعائية لتنظيم الدولة على موقع "تويتر" تراجعت، خلال شهر مايو الماضي، بنسبة 92% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وفق ما أعلنه المتحدث باسم التحالف الدولي، العقيد رايان ديلون، الخميس 27 يوليو 2017.

وفي موجز صحفي عقده مع صحفيين في واشنطن، من العاصمة العراقية بغداد، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، أوضح المتحدث أن إنتاج التنظيم من المواد الدعائية تراجع خلال أبريل الماضي إلى أدنى مستوى له في 6 أشهر، وانخفض بنسبة 75% مقارنة بمتوسط إنتاجه الشهري في 2016.

وأشار العسكري الأمريكي إلى أن 73 شريكاً دولياً في التحالف "قاموا مجتمعين بإضعاف شوكة الدعاية الإرهابية، حتى صار مؤيدو داعش على الإنترنت يتناقصون؛ جراء زيادة المحتويات المعادية على المحتويات المساندة له في كافة أصقاع الأرض".

وشكّل استغلال تنظيم الدولة لموقع "تويتر" مشكلة كبيرة لحملة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن؛ إذ نجح في تجنيد مقاتلين من مختلف أنحاء العالم، عبر دعايته المرئية، للقتال بجانبه في العراق وسوريا.

 

 
- غياب ملحوظ

المتخصص في الجماعات الإسلامية، فادي شامية، يقيس الغياب الإعلامي لـ "داعش" على أساسين؛ الأول يتعلق بالجانب اللوجستي، فيقول: إنه "من الطبيعي جداً الحديث عن غياب التنظيم في ظل التدمير الكامل لمقراته ومنصاته الإعلامية، سواء في الموصل (العراق)، أو الرقة (سوريا)".

وعند حديثه، بالاستناد إلى تحليل سياسي حول غياب التنظيم إعلامياً، فإن شامية يرى أن "تنظيماً كداعش يعد جهة مخترقة من جهات أخرى وأجهزة مخابرات مختلفة، ولعلها (أي أجهزة المخابرات) قد تكون حققت أهدافها عبر وجود التنظيم على مدار السنوات الثلاث الماضية".

وعن أسباب غياب التنظيم أيضاً يعتقد، في حديثه لـ "الخليج أونلاين"، أن "الجهات والأشخاص الذي يؤمنون بفكر داعش المتطرف لم يعد لديهم القوة والقدرة الإعلامية التي كانت موجودة في فترة قوة التنظيم، وهو ما يترجمه ضعف الظهور الإعلامي بعد معركة الموصل".

"داعش" الذي ظهر سريعاً، وها هو ذا يختفي كذلك، مثّل بالنسبة إلى كثير من أنظمة الحكم السياسية في العالم "قارب نجاة"، الأمر الذي ساعد في ظهوره بهذه القوة، كما يقول شامية، ويستشهد بإطلاق نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، سراح العشرات من عناصر التنظيم "للقيام بأعمال تخريب في سوريا"، مستنداً في ذلك إلى معلومات موثقة لديه.

ويستدل المحلل السياسي على أن أنظمة سياسية تحقق مصالح من وجود التنظيم، بالقول: إنه "من غير المعقول أن تعجز الأنظمة والمخابرات العالمية والتحالفات التي شُكّلت ضده (داعش) على اقتلاعه، بعد هذه السنوات والأموال التي صُرفت للقضاء عليه، لكنها تؤمن بدور التنظيم في تحقيق أهدافها".

وعند سؤاله عن سبب الغياب الإعلامي للتنظيم، قال: إن "داعش استنفدت أغراضها، وحان وقت القطاف، بعد أن استفادت منها الأنظمة المختلفة"، مشيراً إلى لعب الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على وتر القضاء على "التنظيم الإرهابي".

ولكن هل الغياب الإعلامي يعني غياب التنظيم كلياً؟ يجيب شامية بـ "لا؛ فداعش تمثل فكراً متطرّفاً. الفكر المتطرّف له جذوره الحقيقية، ويبقى موجوداً ما دامت أسبابه موجودة (..) من الممكن غياب داعش، لكنه بالتأكيد سيتحوّل إلى العمل السري والسيطرة على أماكن أخرى بمسميات أخرى مختلفة".

- تحوّل مرتقب

وهذا ما يؤكده الكاتب والمحلل السياسي السوري، فايز سارة، حول أن التحوّل المرتقب في مستقبل "داعش" يستند إلى عوامل؛ بعضها تتعلق بالتنظيم نفسه، وأخرى تتعلق بالبيئة المحيطة، أبرزها تتمثل في طبيعته كونه "تنظيماً وظيفياً" أكثر من كونه "أيديولوجياً"، يعتمد على بنية أمنية وعسكرية تقوم على القوة والعنف.

وقد أشارت عشرات التقارير والدراسات إلى روابط التنظيم مع أجهزة مخابرات، وخاصة بقايا مخابرات نظام صدام حسين في العراق، ومخابرات نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وكذلك المخابرات الإيرانية، كما أن تركيبة التنظيم السرية، بما فيها من تعتيم على قياداته وأجهزته ومصادر تمويله، كلها عوامل مساعدة على تحوّله إلى خلايا ومجموعات نائمة.

وتضيف البيئة المحيطة للتنظيم عوامل أخرى تساعده في تحوّله المرتقب إلى خلايا نائمة وجماعات سرية مغلقة، إذ عمل طوال سنوات ماضية على نشر أفكاره حول التطرّف، وتعميم أشكال استخدام القوة والإرهاب في تعامله مع الآخرين، واهتم بضمّ عشرات آلاف الأشخاص وتدريبهم.

وبحسب "سارة"، في مقاله حول مستقبل "داعش"، فإن ثمة أمرين لا بد من أخذهما بعين الاعتبار في جملة الظروف المحيطة التي ستساعد في رسم ملامح التنظيم خلال المرحلة المقبلة؛ "أحدهما يتمثل في استمرار شيوع القتل والصراعات الدموية التي خلّفها في سوريا والعراق، التي خلق داعش من أجلها ما يجعله يغيب محققاً أبرز أهدافه".

وكان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، قد أعلن في 10 يوليو الجاري، تحرير الموصل رسمياً من سيطرة تنظيم الدولة، وقال في كلمة له بثها التلفزيون الرسمي العراقي: "من هنا، من قلب الموصل الحرة المحررة، نعلن النصر المؤزّر على داعش"، لكن عناصر للتنظيم ما زالت متخفّية في المدينة، وقد عمدت للقيام بهجمات انتحارية على الجيش العراقي خلال الفترة الماضية، في حين أبطل الجيش عمليات أخرى.


 

المصدر: الخليج أونلاين