تلقّت بلدية بيروت كتاباً من معمل «IBC» لفرز النفايات ومعالجتها في صيدا، يطلب فيه التوقف عن توريد النفايات المنزلية المختلطة واستبدال النفايات العضوية بها. المعمل يحصل على 95 دولاراً مقابل الفرز والمعالجة ضمن سقف 250 طناً يومياً، لكنه يريد المزيد وسط حديث عن تضاؤل طاقته الاستيعابية وتكدّس العوادم... فخُفِّف هذا العبء عن المعمل وحُمِّل للشركة التي تنقل النفايات من بيروت إلى صيدا مقابل حصولها على المواد القابلة للتدوير. هذه تجارة النفايات التي تنتج ذهباً خالصاً!
المشاكل الناجمة عن عشوائية حلول النفايات تستمرّ بالظهور. في بيروت تحديداً، تبيّن أن الحلّ المتعلق بالتعاقد مع معمل IBC في صيدا لفرز ومعالجة 250 طناً يومياً من نفايات العاصمة، أي ما يوازي 38.5% من مجمل نفايات بيروت، بدأ يتداعى. فالمعمل تعاقد مع البلدية في 20 أيلول 2016، مؤكداً أن لديه القدرة على فرز ومعالجة 250 طناً واردة من بيروت، بالإضافة إلى الكمية التي تعاقد مع بلدية صيدا والبلديات المحيطة على فرزها ومعالجتها، إلا أنه خلال أقل من سنة، بدأت عوارض العجز تظهر على المعمل.
ففي صيدا تراكمت كميات النفايات المحوّلة إلى وقود بديل (RDF) لتصبح جبلاً، بالإضافة إلى تسرّب النفايات غير المفروزة وغير المعالجة إلى البحر من دون أن يتضح إذا كان العمل مقصوداً أو إهمالاً.
عملياً، جاءت ترجمة عجز المعمل بمحاولة إدارة المعمل التخفيف من عملية الفرز. ففي 15 حزيران طلبت شركة IBC من بلدية بيروت، عبر مخاطبة شركة نقل النفايات من بيروت إلى صيدا (jcc Soriko) التوقف عن «توريد النفايات المنزلية الصلبة المختلطة الصادرة عن بلدية بيروت واستبدالها بالنفايات المنزلية العضوية بمعدل 250 طناً يومياً كحدّ أقصى». وبحسب المدير العام للشركة نبيل زنتوت، فإن «الطلب لا يتضمن إلغاء الفرز بشكل كامل، بل هو طلب لوقف إرسال النفايات ذات الأحجام الكبيرة مثل الأبقار الميتة والدواليب والصخر والخشب... نقطة الدخول في آلات الفرز لا تتسع لهذا النوع من النفايات، أي إن المشكلة لا تتعلق بالطاقة الاستيعابية للمعمل التي أنفقنا عليها الملايين، وآخرها 5 ملايين يورور لزيادة القدرة الاستيعابية وتعزيز عملية المعالجة».
رغم ذلك، يبدو أن المعمل يسعى إلى تقليص الأعباء المترتبة عليه جراء الفرز من دون أي تقليص للكلفة المطلوبة من بلدية بيروت. المعروف أن كلفة الفرز تبلغ 30 دولاراً على الطن الواحد، في مقابل 65 دولاراً لمعالجة الطن الواحد، وبالتالي إن الحصول على مواد عضوية بدل النفايات الصلبة يفرض حكماً إعادة دراسة الكلفة. لكن المشكلة بالنسبة إلى زنتوت لا تكمن في هذا الأمر؛ فبرغم أنه يرفض توجيه الاتهام إلى بلدية بيروت بمخالفة بنود العقد، إلا أنه يشير إلى أن النفايات التي أرسلتها بلدية بيروت ولا يمكن استيعابها في خطوط الفرز تحوّلت إلى مشكلة، إذ لم يعد بالإمكان إعادتها، فيما تصريفها صعب، ما رتّب أعباءً إضافية على المصنع، علماً «أننا في الأصل وقبل توقيع العقد كنا نرفض الحديث عن النفايات غير العضوية، لكننا أجبرنا على ذكر النفايات المنزلية المختلطة لإنهاء الأزمة التي انفجرت في ذلك الوقت».
على أي حال، أحيل كتاب معمل IBC على مصلحة النظافة العامة في بلدية بيروت التي استندت إلى عقد الخدمات الموقع بين الطرفين لتقدّم خلاصة محرجة للشركة.
فقد نصّت المادة الثالثة من العقد على أن «موضوع العقد هو فرز ومعالجة النفايات المنزلية الصلبة والتخلص منها نهائياً. كذلك نصّت المادة الرابعة من موجبات الفرقاء على أن يلتزم الفريق الثاني، أي معمل IBC الآتي:
ــ تسلُّم الشاحنات التابعة للفريق الأول أو للأشخاص أو الشركات المكلفين من قبله، والمحملة بالنفايات المنزلية الصلبة غير المفرزة على باب مدخل مركز فرز ومعالجة النفايات المنزلية الصلبة لمدينة صيدا، والصادرة ضمن بلدية بيروت، والتي لا يمضي على تجميعها في المستوعبات العامة أكثر من 12 ساعة والخالية من النفايات الطبية (المستشفيات) والنفايات الصناعية، بما فيها الزيوت والمواد ذات الحجم الكبير والدواليب ومواد البناء والردميات، التي يبلغ مقدارها نحو 250 طن يومياً كحد أقصى، على أن تورد الكميات بشكل لا يتعارض مع قدرة الاستيعاب فنياً.
ــ وزن حمولة الشاحنات لدى وصولها محملة وبعد إفراغ حمولتها ويصدر بطاقة لكل شاحنة تحدّد وزن الشاحنة فارغة ومحملة واسم السائق ورقم اللوحة. توقع البطاقة من قبل سائق الشاحنة وممثل الفريق الثاني وممثل عن الفريق الأول الموجود عند مدخل المعمل.
ــ فرز ومعالجة النفايات المنزلية الصلبة والتخلص من العوادم من خلال تحويلها إلى وقود بديل RDF وتصريفها.
وبالاستناد إلى هذه المطالعة من قبل مصلحة النظافة، ردّ محافظ بيروت زياد شبيب، في 7 تموز، على كتاب الشركة، مشيراً إلى أن طلبها يشكّل مخالفة لبنود العقد الموقع بينهما. وقال شبيب إن طلبكم التوقف عن توريد النفايات المنزلية الصلبة المختلطة الصادرة عن بلدية بيروت واستبدالها بالنفايات المنزلية العضوية بمعدل 250 طناً يومياً كحد أدنى يقع في غير محلّه وهو مخالف لعقد الخدمات».
إذاً، المشكلة وقعت، لكن عولجَت بنحو أسوأ، إذ حُمِّلَت عملية الفرز المسبقة للشركة التي تنقل النفايات من بيروت إلى صيدا، أي شركة jcc Soriko المملوكة من جهاد العرب. فقد وافقت الشركة الأخيرة على أن ترسل نفايات عضوية إلى معمل صيدا من دون أن تحصل على أي قرش إضافي. ما ربحته الشركة الناقلة خسره المعمل، إذ إن الفرز الأولي يعني أن ناتج النفايات من مواد قابلة للتدوير سيكون من حصّة الذي يقوم بعملية الفرز، وهي ستحقق له أرباحاً إضافية سيخسرها معمل صيدا. «لقد تخلينا عن المواد القابلة للتدوير مقابل الحصول على نفايات عضوية» يقول زنتوت.
عملياً، ما حصل هو تجارة بالنفايات المربحة جداً. العجز في المعمل فرض عليه أن التخفيف من الأعباء التي فرضت عليه بدورها خسارة المواد القابلة لإعادة التدوير التي يبيعها المعمل، وفي المقابل حصلت الشركة الناقلة التي تملك أيضاً معملين للفرز، على فرصة لاستخلاص المواد القابلة للتدوير وبيعها والقيام بفرز أولي ينتج مواد عضوية.
أما عن شكل معالجة موضوع الرائحة المنتشرة، فإن إدارة المعمل تتحدث عن مشكلة كبيرة. ويقول زنتوت: «هناك مشكلة تراكم النفايات التي جرى تحويلها إلى وقود بديل ولم يتم تصريفها بعد. ففي السابق كنا نرسل كميات النفايات المعالجة والمحولة إلى وقود بديل إلى البقاع، لكن لأسباب ماديّة تتعلق بنقل هذه الكميات توقفنا عن إرسالها، فيما حاولنا مع معامل الإسمنت لتسليمها هذه النفايات ووقّعنا عقداً مع شركة هولسيم، لكن لأسباب تتعلق بالتراخيص والأمور الإدارية والإجرائية أوقفوا الاتفاق، وكذلك حصل مع سبلين بعدما تبيّن أنهم ليسوا جاهزين لاستقبال الوقود البديل المستخرج من النفايات، واليوم نعمل على حلّ آخر مرتبط بالكسارات».