السلطة الفلسطينية، في مرحلة ما بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات، لم تعد تلك الجهة التي تسعى إلى تسوية مع إسرائيل، بغض النظر عن الموقف من التسوية، والاستحصال من خلالها على ما أمكن، بمختلف الوسائل المتاحة، من الحقوق الفلسطينية.

من منظور إسرائيل، هي أداة وظيفية تحمل عن الاحتلال بعضاً من العبء، وتكتفي برفع الصوت وإصدار البيانات لمواجهة عمليات القضم الممنهجة للحقوق الفلسطينية، فيما هي (السلطة) من ناحية القائمين عليها، جهة تسعى فقط إلى تسلّم الفتات الذي ترغب إسرائيل في التخلي عنه، رغم أنها باتت موقنة بأن إسرائيل لا تريد ولا تسعى وترفض التخلي لها حتى عن الفتات.
على ذلك، أي تهديد للسلطة الفلسطينية، كما هي عليه الآن، يشكّل تهديداً لإسرائيل، يفرض عليها السعي للحؤول دونه، وبما يشمل تردي الوضع الصحي لرئيسها، محمود عباس، وإمكان أن تتجه خطورة وضعه، إلى سيناريوهات متطرفة. من ضمن «التفكير» الإسرائيلي، السعي إلى توفير الفرصة لأولئك المحيطين به، ممن تقدر أنهم سيسيرون على خطاه.
أمس، أعربت إسرائيل عن قلقها البالغ من «الوضع الصحي المتردي» لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وتداعياته السلبية على الأمن الإسرائيلي، في حال اتجاه الأمور إلى سيناريوهات متطرفة. مصادر أمنية أشارت في حديث إلى صحيفة «هآرتس» إلى أن المقربين من عباس يعملون على «التخفيف من خطورة ما يعاني منه صحياً»، لكن الانطباع لدى مصادر إسرائيلية وفلسطينية، لم تشأ الإعلان عن هويتها، أنه «طرأ تدهور على وضعه الصحي، ومن شأن استمرار ذلك أن يسرع عمليات تغيير في الحكم والسلطة الفلسطينية».
التسريب الوارد في «هآرتس»، جرّ في أعقابه سلسلة تقارير وردت تباعاً في الإعلام العبري، ركزت على وضع عباس الصحي (82 عاماً)، وتداعيات فرضية رحيله. القناة العاشرة العبرية في تقرير لها، أشارت إلى أن رحيل عباس سيؤثر على إسرائيل والمنطقة و«هناك من يرى في المجلس الوزاري المصغر ضرورة الاستعداد للأمر، ويجرون مناقشات حول ذلك»، مضيفة أنّ إسرائيل منقسمة الرأي حول «أبو مازن»، فهناك من يعتقد بأنه الأفضل، نتيجة السلطة الفاعلة في رام الله والتنسيق الأمني بينها وبين إسرائيل، فيما يرى آخرون أنه «فاسد وسيئ ويزيد وضع إسرائيل سوءاً».
وإذا كان الرأي الأول هو السائد مهنياً في إسرائيل، بما يشمل الأجهزة الأمنية على اختلافها، إلا أن الرأي الثاني يعبّر عن «مزايدة سياسية» بين أقطاب اليمين، لإظهار التشدد أمام جمهورهم، وهي مزايدة لا ترقى، رغم كل التوصيفات التي تطلق على السلطة وأبو مازن، إلى أفعال وإجراءات، وتبقى في دائرة المزايدة الكلامية.
مع ذلك، أشارت القناة إلى أن الأجهزة الأمنية تضع في حساباتها وتقديراتها، ثلاثة سيناريوهات على طاولة البحث: تسلّم الحرس القديم السلطة، مثل صائب عريقات وماجد فرج وجبريل الرجوب، وهم من الشخصيات التي يمكن الافتراض أنهم سيواصلون التنسيق الأمني مع إسرائيل، فيما يمثل محمد دحلان السيناريو الثاني، أما السيناريو الثالث، السيئ جداً من ناحية إسرائيل وتخشاه، فهو الفوضى وملامسة الفلسطينيين لحرب أهلية وحروب وراثة السلطة، بما يشمل حركة حماس وجهات أخرى.
القناة الثانية العبرية ركزت في تقريرها، على «الوضع النفسي» لأبو مازن، إضافة إلى وضعه الصحي المتردي، كما أشارت إليه مصادر أمنية إسرائيلية. بحسب القناة، يرزح عباس تحت ضغط هائل، إذ يشعر بأنه محاصر والجميع ضده، وفي مقدمهم خصمه محمد دحلان، كما يشعر بأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يجهد للعمل ضده، فيما لا تقيم السعودية والأردن وزناً له، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، اعتاد أن يسيء إليه. هذه الضغوط، من منظور القناة، تؤدي إلى ما أدت إليه من نتائج سيئة على وضعه الصحي. أما بالنسبة إلى إسرائيل، فإن جلّ ما يشغل بالها ويقلقها، أنه ليس لدى أبو مازن وريث محدد، وهناك جملة من السيناريوهات في أعقابه، بما يشمل سيناريو حرب فلسطينية يقاتل الجميع فيها ضد الجميع، أو سيناريو انقلاب من حماس أو سيناريو فوضى.
تقر القناة بأنّ أبو مازن رئيس بلا شعبية جماهيرية في الضفة الغربية، وهو يحكم فيها بقوة الأجهزة الأمنية وبغطاء أمني إسرائيلي، وعلى هذه الخلفية، تشير القناة بصورة غير مباشرة، الى أن الوريث سينجح فقط إذا حظي بهذين العاملين الرئيسيين... وبمعنى إعادة إنتاج أبو مازن آخر، في مرحلة ما بعد عباس، هو السيناريو شبه الوحيد، الملائم للمصالح الإسرائيلية.

المصدر: يحيى دبوق - الأخبار