«بلا ولا شي»، عاد رئيس الحكومة سعد الحريري من زيارته للولايات المتحدة. دفعت الدولة ٥٠٠ مليون ليرة، حتى يذهب الوفد اللبناني إلى واشنطن، ويسمع إهانات دونالد ترامب، من دون أن تُحقق الزيارة أهدافها

منذ أن عاد الرئيس سعد الحريري إلى السرايا الحكومية، وهو يسعى إلى زيارة واشنطن. فرئيس تيار المستقبل ينتمي إلى فئة من السياسيين اللبنانيين تعتقد أنّ سيرتها الذاتية لا تكتمل من دون بركة الولايات المتحدة. ورث الحريري ذلك عن والده، الرئيس الراحل رفيق الحريري.

فتح له الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك أبواب واشنطن، ما سمح له بلعب دور «ناقل رسائل» بين إدارة جورج بوش وعدد من الزعماء العرب. واستغل صوره في البيت الأبيض حتّى يُقدّم نفسه سياسياً على مستوى عالمي، يُسهم في بناء علاقات لبنان مع «المجتمع الدولي». إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ النظرة الغربية إلى رئيس الحكومة الحالي، وعلاقته بالإدارة الأميركية، تُشبه ما كانت عليه أيام والده، ولا سيّما أنّ طريقة التعامل الغربية مع لبنان اختلفت مع بدء انحسار وهج فريق ١٤ آذار وأصدقاء السفير السابق جيفري فيلتمان، وأنّ العلاقة المباشرة بين واشنطن وعواصم الخليج ليست بحاجة إلى وسطاء.
في آذار الماضي، رُفض طلب الحريري الدخول إلى البيت الأبيض رئيساً للحكومة. يومها علمت «الأخبار» (العدد ٣١٧٩) أنّ دوائر القرار الأميركية رفضت لقاء الحريري بالرئيس دونالد ترامب، مُبلغةً إيّاه أنّ بإمكانه لقاء وزير الخارجية الأميركي، أو نائب الرئيس الأميركي. وبحسب مصادر دبلوماسية «طلبت مجموعات الضغط الأميركية في حينه مبلغاً كبيراً من المال حتى تُقنع المسؤولين بضرورة استقبال الحريري».

لم ييأس الحريري وفريق عمله مِن دقّ الأبواب الأميركية. لعبت مندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة آمال مدللي (كانت تشغل منصب مستشارة الحريري للشؤون الأميركية)، دوراً كبيراً مع مجموعات الضغط، «التي نالت المبلغ الذي طلبته سابقاً». وأسهمت السفيرة الأميركية لدى لبنان إليزابيث ريتشارد في الحديث عن أهمية استقبال الحريري، علماً أنها وقفت بوجه تيار المستقبل خلال التسوية الرئاسية، مُعتبرةً أنّ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية «خيانة يرتكبها المستقبل». نجحت المحاولة هذه المرّة، رغم أن التوقيت لم يكن صائباً «بسبب التغييرات الدائمة في الإدارة الأميركية». ولكن في المُحصلة، تكبدت خزينة الدولة اللبنانية (الجريدة الرسمية ــ عدد ٢٧ تموز ٢٠١٧) ٥٠٠ مليون ليرة نفقات السفر إلى الولايات المتحدة، لتكون الزيارة «بروتوكولية، لا نتائج عملية لها»، بحسب مصادر عدّة شاركت في اللقاء، وأخرى مُطلعة على أجواء الحريري، وثالثة دبلوماسية. يحاول المستقبليون الإيحاء بأنّ الزيارة كانت «عظيمة»، ولا سيما أنّ ترامب رافق الحريري إلى الخارج من أجل عقد مؤتمر صحافي، وهو عادةً ما لا يحصل إلا مع مسؤولي أرفع منصب في الدولة الضيفة. هدف ترامب من خطوته «قد يكون إما لأنّ ذلك يندرج ضمن الاتفاق الذي قامت به مجموعات الضغط. أو لأنه أراد توجيه رسائل إلى الداخل الأميركي».
أراد الحريري التسويق لنفسه «وإعادة ربط حكومته بالإدارة الأميركية»، حتّى لو كلّفه ذلك، الاستماع إلى «إهانات» ترامب بحق الدولة اللبنانية، مُتناسياً أنه وصل إلى واشنطن رئيساً للحكومة التي يخوض مكوّن أساسي فيها (حزب الله) معركة في جرود عرسال ضدّ الإرهابيين. كذلك فإنه رئيس التيار الذي كان يعقد جولات حوار مع الحزب، وكان شريكاً له في التسوية التي أعادته إلى السرايا الحكومية. بحسب المصادر، «لن يتمكن الحريري من استثمار الزيارة محلياً، ولا حتّى بين أعضاء المحور الإقليمي الذي ينتمي إليه، خاصة أنّها لم تُحقق أهدافها». وأحد الأدلة على ذلك البيان الذي أصدره رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي إد رويس (صاحب مشروع قانون العقوبات الجديد على حزب الله)، بعد لقائه الحريري، الذي شدّد فيه على أنّ «حزب الله لا يُصدّر سوى الإرهاب… وضرورة تمرير مشروع العقوبات».
الملفات الأساسية التي حملها الوفد اللبناني معه إلى واشنطن تتعلّق بقانون العقوبات، وتسليح الجيش اللبناني، وملفّ النازحين. وكانت هناك أربع نقاط أساسية، «القرار حولها مُتخذ أميركياً من دون زيارة الحريري». فالإدارة الأميركية حاسمة في أنّ المساعدات الأميركية للجيش اللبناني لن تتوقف؛ المساعدات الاقتصادية ستنخفض، بحكم السياسة الجديدة التي ينتهجها ترامب؛ لن يُساعَد النازحون السوريون للعودة إلى ديارهم ما داموا يتلقون المساعدات من الإدارة الأميركية. فهذه الأخيرة لا تُريد لأموالها أن تُصرف في مناطق سيطرة النظام السوري. الهدف الأساسي للأميركيين حالياً هو القضاء على «داعش»، بعدها يأتي دور حزب الله لبنانياً. سيُضيَّق الخناق الاقتصادي أكثر فأكثر عليه. وبما أنّ واشنطن ترى أنّ على اللبنانيين التخلص من نفوذ حزب الله، ستدفع حلفاءها في الداخل إلى مواجهة معه». ولكن، هل سيتمكن الحريري من لعب هذا الدور؟ «أكيد صعب عليه ذلك، والأكيد أنّ لبنان أضعف من أن يلعب هذا الدور». وتسخر المصادر من أنّه «بعد القضاء على داعش، والتقدّم الذي يُحققه محور روسيا ــ إيران ــ سوريا، وعدم وجود رغبة أميركية حالياً بتغيير النظام السوري، يريدون تشديد العقوبات على حزب الله والتضييق عليه؟». تتوقع الدولة اللبنانية تصعيداً إقليمياً وغربياً ضدّ حزب الله في الأسابيع المقبلة، «رغم أنّ الوفد اللبناني سمع من ترامب أن هناك قراراً أميركياً بالحفاظ على الاستقرار والحكومة».

المصدر: ليا القزي - الأخبار