دخل الجيش أطراف بلدة السخنة بعد أيام من وصوله إلى أعتابها، بالتوازي مع إغلاقه شريط «داعش» المحاصر على ضفة الفرات الجنوبية بتحريره عدة بلدات وحقولاً نفطية في ريف الرقة الجنوبي. أما واشنطن، فقد جددت تأكيد موقفها المعادي لـ«جبهة النصرة»، محذّرة «المعتدلين» من مستقبل خطير قد يلفّ الشمال بعد سيطرة «القاعدة»
يفرض التقدم البطيء والمنسّق للجيش السوري وحلفائه على جبهات البادية خطاً زمنياً طويلاً للوصول إلى مدينة دير الزور، ولكنه يثبت أنه أحد أنجح التكتيكات التي استخدمها في معاركه ضد «داعش». فإلى جانب الخسائر البشرية القليلة التي ميّزت معاركه في البادية، تمكّن الجيش من دخول بلدة السخنة والسيطرة على حزام القرى الموازية لنهر الفرات غرب معدان، بعد أيام على قضمه للمناطق المحيطة بها.
الدخول إلى السخنة من بوابتها الغربية سبقته السيطرة أمس على جبل طنطور، المشرف على مدخل البلدة من جهة طريق تدمر ــ دير الزور. وتمكنت وحدات الجيش بعد سيطرتها على الجبل من التقدم إلى أطراف البلدة الغربية، بعد أيام من إشرافها عليها من التلال المجاورة. وتشير المعطيات الميدانية إلى أن الجيش سيتابع ضغطه على البلدة حتى إخراج عناصر «داعش» منها، لتكون منطلقاً للعمليات المرتقبة، بعد تحريرها، على امتداد الطريق نحو دير الزور مروراً بكباجب والشولة.
وعلى الجانب الآخر من حدود دير الزور، سيطر الجيش وحلفاؤه على تسع قرى محاذية لضفة الفرات الجنوبية في ريف الرقة، والتي تمتد على طول 30 كيلومتراً، وبينها قرى حويجة شنان والرحبي والصبخة والجبلي والرابية والذيابية والمسطاحة وشمرة واسلام وآبار نفط الجرايح. وتأتي سيطرة الجيش على تلك القرى بعد أيام على حصارها وعزلها عن مناطق سيطرة «داعش» غرب معدان. وبالتوازي، كثّف الجيش عملياته شرقاً، على محور القرى القليلة الباقية ضمن حدود الرقة الإدارية، وصولاً إلى معدان في ريف دير الزور الشمالي الغربي. واستهدف سلاح الجو أمس، بشكل مكثف، بلدات معدان وقرى الخميسية والجابر ومقلة كبير ومقلة صغير. ومن المتوقع أن يتابع الجيش سياسة عزل المناطق وتقسيمها، ليدخلها في وقت لاحق، على امتداد نهر الفرات جنوباً باتجاه التبني ومدينة دير الزور. وقد تشهد بلدة معدان حصاراً مشابهاً لما جرى في مسكنة في ريف حلب الشرقي.
وفي المقابل، يحاول تنظيم «داعش» الضغط على الجيش وحلفائه في ريفي حمص وحماة، إذ هاجم التنظيم نقاط الجيش في جبال الشومرية في ريف حمص الشرقي، مستخدماً عربات مفخخة وعشرات المهاجمين، غير أن الجيش تمكّن من صدّ الهجوم وتدمير المفخخات. وبالتوازي، استهدف سلاح الجو عربتين مفخختين ونقاطاً لتنظيم «داعش» في محيط بلدات جنى العلباوي وقليب الثور وصلبا والدكيلة الشمالية والدكيلة الجنوبية، في ريف سلمية الشرقي. كذلك دمرت وحدات الجيش عربتين مفخختين للتنظيم في محيط جبال مارينا، كانتا تحاولان مهاجمة إحدى النقاط شرق أثريا في ريف حماة الشرقي.
وبعيداً عن عمليات الجيش ضد «داعش»، تستمر تداعيات اتفاقات «تخفيف التصعيد» بما تضمنته من خطوات أولية لعزل «هيئة تحرير الشام» عن باقي الفصائل. وبعد يوم واحد على إعلان «الهيئة» جاهزيتها لحل نفسها في غوطة دمشق، أتى بيان المبعوث الأميركي إلى سوريا، مايكل راتني، ليجدّد موقف إدارة بلاده من «جبهة النصرة» باعتبارها منظمة إرهابية. الملفت في بيان راتني أنه أتى علنياً، على عكس الرسائل السرية المتكررة التي أرسلها إلى فصائل المعارضة التي تدعمها بلاده. ورغم أن تلك الرسائل كانت تجد طريقها دائماً إلى الإعلام، فإن نشر البيان عبر القنوات الرسمية الأميركية يحمل رسالة واضحة تشير إلى أن واشنطن ماضية في توجهها لعزل «النصرة»، وربما إلى دور أكبر من المعتاد في إدلب ومحيطها.
ورأى بيان راتني أن تحرك «القاعدة» في إدلب ومحيطها «يضع مستقبل الشمال (السوري) في خطر كبير»، مضيفاً أن «على الجميع أن يعرف أن الجولاني وعصابته هم من يتحمّلون العواقب الوخيمة التي ستلحق بإدلب». وشدد البيان على أن «ما تسرّب من فتاوى من شرعيي الجولاني... يدل على أن فكر (القاعدة) ما زال مترسّخاً في عقلية التنظيم، وأن تغيير اسم الجماعة لا يغيّر من هذه الحقيقة». وشدد على أن «(جبهة النصرة) وقياداتها المبايعة لـ(القاعدة) سيبقون هدفاً للولايات المتحدة، أياً كان اسم الفصيل الذي يعملون تحته»، مضيفاً أن «(هيئة تحرير الشام) كيان اندماجي وكل من ينضم ضمنها يصبح جزءاً من شبكة (القاعدة) في سوريا».
ولفت البيان إلى أن واشنطن «لن تتعامل مع أيّ واجهة يتم إنشاؤها للتغطية على (جبهة النصرة)، أو تكون (جبهة النصرة) مشاركة فيها، وستعتبرها ملحقاً لمنظمة إرهابية وامتداداً لعصابة الجولاني»، موضحاً أن بلاده «تعلم أن هناك أطرافاً انضمت إلى (هيئة تحرير الشام) لأسباب تكتيكية محددة وليس لتوافق فكري وايديولوجي، وتنصح الجميع بالابتعاد عن عصابة الجولاني قبل فوات الأوان».
وفي تفصيل لافت، أعرب عن أمل بلاده «في إيجاد قنوات تمكننا من الاستمرار في إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري، من دون أن تمر من خلال أيدي (جبهة النصرة) والمعابر التي سقطت في يدها» في إشارة واضحة إلى المعابر المشتركة مع الجانب التركي. وختم راتني بأنه «في حال تحققت هيمنة (جبهة النصرة) على إدلب، فسيصبح من الصعب على الولايات المتحدة إقناع الأطراف الدولية بعدم اتخاذ الإجراءات العسكرية المطلوبة، وننصح الجميع في الشمال المحرر باتخاذ ما يلزم للابتعاد عن هذه العصابة ورفض هذا الإرهاب». ويبدو تصعيد واشنطن الإعلامي متّسقاً مع فحوى صيغة اتفاقات «تخفيف التصعيد» التي أبرمتها مع موسكو، والتي تتضمن عزل «النصرة» مقابل وقف لإطلاق النار وتثبيت حدود السيطرة وتدفق المساعدات إلى داخل مناطق التهدئة.