القضاء «يواجِه» مجلس الوزراء

لم يحسم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمر تعامله مع قانون سلسلة الرتب والرواتب. لكن وقائع جلسة مجلس الوزراء أمس أظهرت ميله إلى ردّ القانون. فالوزراء وجدوا أمامهم على الطاولة ملخّصاً عن الأوضاع المالية والاقتصادية، يشير إلى أنه «إن لم نبادر إلى تصحيح الوضع فوراً، فقد يغرق لبنان في دوامة مهددة للاستقرار العام».

وأورد الملخص أرقاماً عن واقع ميزان المدفوعات، والعجز في الميزان التجاري، وعجز موازنة الحكومة. كذلك يتحدّث عن «دَين حكومي» وصل إلى 110 مليارات دولار، وعن بطالة تجاوزت 30 في المئة، وانخفاض التدفقات والحوالات المالية بالدولار إلى أقل من 4 مليارات دولار. ما ورد في الملخص لم يكن كله عبارة عن أرقام دقيقة (بعضها غير صحيح، كالقول إن 60 في المئة من الموازنة الحكومية يُخصّص لخدمة الدين العام، فيما الرقم الصحيح هو 33.8 في المئة)، واستند إلى أرقام صندوق النقد الدولي لعام 2016، وتوقعاته لعام 2020. كذلك فإن الحديث عن «الدين الحكومي» غير دقيق؛ فصحيح أن الرقم بلغ عام 2016 عتبة الـ110 مليارات دولار (قبل الهندسة المالية التي نفّذها مصرف لبنان والتي زادت من ديونه)، لكن الحديث هو عن الدين العام، أي دين الدولة، الذي يتضمّن دَين الحكومة ودين مصرف لبنان معاً.
عرض هذه الأرقام، من دون الإشارة إلى معدّها، استفزّ بعض الوزراء. وزير المال علي حسن خليل لفت إلى أن بعض هذه الأرقام غير صحيح، ثم وجّه كلامه إلى رئيس الجمهورية بالقول: «أنا وزير المال، وأنا مستشارك المالي يا فخامة الرئيس. لو طلبت منّي هكذا دراسة لكنتُ زوّدتك بالأرقام الصحيحة». ودار سجال في الجلسة أكثر من مرة بين خليل من جهة، ووزير العدل سليم جريصاتي، على خلفية صلاحية مجلس النواب وقدرته على التشريع المالي في ظل دراسة الموازنة. وقد تدخّل رئيس الجمهورية لتخفيف حدّة التوتر بينهما. وبرز في الجلسة اتجاهان بشأن كيفية التعامل مع سلسلة الرتب والرواتب؛ فريق رئيس الجمهورية يرى أن إقرار السلسلة مخالف للدستور، كونها أُقِرّت فيما الموازنة تُناقَش في مجلس النواب. الفريق الآخر يمثّله وزراء حرك أمل وتيار المستقبل وحزب الله والمردة والحزب السوري القومي الاجتماعي، يرى أن إقرار السلسلة دستوري.
وفيما لم يُفصح رئيس الجمهورية عن وجهته، بدا الملخّص الذي زوّد الوزراءَ به مقدّمة لعدم توقيعه قانون السلسلة، بل ردِّه إلى مجلس النواب، والمطالبة بأن تكون السلسلة جزءاً من الموازنة.
على صعيد آخر، عيّن مجلس الوزراء القاضي هنري خوري رئيساً لمجلس شورى الدولة، خلفاً للقاضي شكري صادر الذي عُيِّن رئيساً لإحدى غرف محكمة التمييز. كذلك جرى تعيين وائل خداج مفتشاً عاماً مالياً، ومصطفى بيرم مفتشاً عاماً. أما اقتراح تعيين القاضي رولان شرتوني محافطاً للبقاع خلفاً للمحافظ الحالي انطوان سليمان، فقد أحبَطه مجلس القضاء الاعلى. فالأخير صاحب سلطة الموافقة على نقل قاضٍ من القضاء العدلي إلى الملاك الإداري. وقد رفض مجلس القضاء الاقتراح، لأن التفتيش القضائي ينظر في مخالفات منسوبة للقاضي شرتوني. وتشير مصادر وزارية إلى أن هذا الرفض يُمكن أن يؤدي الى مشكلة بين المجلس والتيار الوطني الحر ووزير العدل، لأن شرتوني هو مرشّحهما. وبسقوط اسم شرتوني، أرجئ اقتراح تعيين القاضي محمود مكية محافظاً لجبل لبنان.
إقالة القاضي صادر من رئاسة مجلس شورى الدولة لم تمر في مجلس الوزراء مرور الكرام، إذ واجهها اعتراض من الوزيرين يوسف فنيانوس ومروان حماده. الوزير فنيانوس رأى أن إقالة صادر سياسية، متصلة حصراً «بانتقام فريق سياسي منه (يقصد التيار الوطني الحر) لأن صادر لم يلبّ له بعض المطالب». وتوجّه إلى رئيس الحكومة سعد الحريري قائلاً: أنت تخلّيت عن شكري صادر الذي أنشأ المحكمة الدولية مع القاضي رالف رياشي، وكانت حياته مهدّدة، وكان ينتقل من المطار إلى منزله بالملالة». وردّ جريصاتي على فنيانوس قائلاً إن مشكلة صادر أنه يؤخّر بتّ الكثير من الأحكام في مجلس الشورى، وهو ما يعيق سير العدالة، فقال له فنيانوس: «لماذا لم تعرض علينا مخالفاته؟ ما بين أيدينا ليس سوى السيرة الذاتية للقاضي هنري خوري الذي سيُعَيّن، لكن لم نعرف سبب إقالة صادر». فردّ جريصاتي: «لستُ ملزماً بالكشف عن مخالفاته». فقال فنيانوس: «بلى، نحن وزراء، ولنا حق الاطلاع على أسباب إقالة شاغل منصب بهذه الأهمية». أما حماده، فاحتجّ لأن «كل التعيينات هي من لون سياسي واحد»، مذكّراً بدور صادر في إقرار نظام المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وأثار نقل صادر إلى رئاسة غرفة في محكمة التمييز ردود فعل قانونية، إذ رأت مصادر قضائية أن قرار مجلس الوزراء، في حال تضمّنه نقل صادر إلى مركز محدد في القضاء العدلي، مخالف للقوانين، لا بل إنه قرار منعدم. والسبب أن صادر يعمل في القضاء الإداري ونقله الى القضاء العدلي يستوجب الحصول على موافقة من هيئة مجلس شورى الدولة، ومن ثم مجلس القضاء الأعلى، قبل صدور المرسوم عن مجلس الوزراء.

المصدر: الأخبار