لبّت المقاومة نداء تحرير الأرض من عصابات تنظيم «القاعدة» التكفيرية في جرود عرسال. وفي غضون أيّام، أنجزت المهمّة بأقل كلفة ممكنة، وتعمّدت بدماء رجالٍ صادقين أوفياء يقودهم الأمين العام لحزب الله الصادق الأمين على دماء شعبه وبلده. وفوق هذا، حرّرت المقاومة أسراها، مقدّمة درساً لمن ينفع المنطق والواقع في إقناعه بأن الإرادة والقوة والثّقة تتفوّق على دعايات المشكّكين والحاقدين. جرود عرسال طاهرة من دنس الإرهاب، وأسرى المقاومة إلى الحرية

مرّة جديدة ترفع المقاومة رؤوس اللبنانيين عالياً. مرّة تالية يصدق الوعد والعهد، فتحضر كلمات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كسيف الحقّ يقطع براثن الغزاة التكفيريين على مختلف أشكالهم وأصنافهم.

من تحرير الجنوب عام 2000، إلى تمّوز 2006، إلى جبهات العزّ السورية جنباً إلى جنب مع الجيش العربي السوري، لم تترك المقاومة اللبنانية مجالاً للعب والمزاح. إنّه عشق الموت متى كان الموت طريقاً لحياة الأرض والقضية ودفاعاً عن الحقّ الساطع. لا تردّد ولا ميوعة ولا رمادية ولا ارتهان، بل بطولة مجبولة بالاندفاع والثقة والقوّة والنظام لتحقيق الهدف.
«نحن قومٌ لا نترك أسرانا في السجون»، قالها السيد نصرالله وفعل. وأمس، خطّ حزب الله المعادلة حفراً على الصوان، فسار أسرى المقاومة المحرّرون من شراذم الإرهاب «القاعدي» في ساحات بلدة القاع، على أكتاف رفاقهم وبين أهلهم وأقاربهم وأهالي البلدات المحيطة، تملؤهم الثقة بأن خلفهم من يرعاهم ويخوض المعارك والتفاوض لأجلهم، ويعتمر فيهم شوق العودة إلى القتال.
يومٌ طويلٌ أمس، يضاف إلى سلسلة الأيام التي يكلّلها العزّ، ويسجّلها التاريخ باسم المقاومة ولبنان نيابة عن غالبية لبنانية تقدّر تضحيات الرجال الأشداء المخلصين، وأقلية جاهلة حاقدة تطعن في الإنجازات لأجل «النكاية بالطهارة». والإنجاز أيضاً يسجّل لجهاز الأمن العام، وعلى رأسه اللواء عباس إبراهيم، المفاوض الجلود والصبور والحكيم، وضبّاطه الشجعان، الذين لم يغيبوا عن صدارة المشهد في التفاوض وفي الحرب على الإرهاب، إلى جانب الجيش اللبناني الذي يستعد في المقبل من الأيام لطرد إرهابيي «داعش» من باقي الأراضي اللبنانية المحتلة في جرود القاع ورأس بعلبك.
رغم كلّ مراوغات «أبو مالك التلّي»، أو «الأمير السابق» لإرهابيي «جبهة النصرة» في الجرود، سارت التسوية كما رسمتها أنامل المحترفين في الحرب والتفاوض. مع ساعات الصباح الأولى، انطلقت قافلة الخارجين من جرود عرسال من نقطة التجمّع في بلدة فليطا السورية إلى نقطة التجمّع في السعن في ريف حماة الشمالي الشرقي، بعد أن كان الاتفاق سابقاً على منطقة الراشدين في حلب. وهناك أجرت السلطات السورية إجراءاتها للتأكد من الأسماء والسجلات ومطابقة اللوائح الاسمية. ونصّ الاتفاق على أن يتمّ تسليم أسير للمقاومة مع كلّ دفعة من الحافلات تدخل إلى منطقة سيطرة «جبهة النصرة»، فقسمّت القافلة على خمس دفعات. وبدا واضحاً أن قادة «النصرة»، بمكرٍ مكشوف، حاولوا التأخير والمماطلة في استقبال الحافلات وإطلاق سراح الأسرى، علّ هذا التأخير يضعف موقف الأمين العام لحزب الله ويخفّف من ظهوره والمقاومة منتصرين بتحرير الأسرى، خلال إلقائه كلمة كانت مقرّرة عند الثامنة والنصف من مساء أمس. إلّا أن قيادة المقاومة فهمت سريعاً أهداف «النصرة» ومحاولات تحايلها على الاتفاق، فتمّ إعلان تأجيل خطاب السيد نصرالله إلى مساء اليوم، لتكون الصورة واضحة جليّة أمامه، فيقدّم خلاصةً ينتظرها جمهور المقاومة واللبنانيون للإنجاز الذي تحقّق.
عند الثالثة من بعد الظهر، انطلقت الدفعة الأولى من سيارات إسعاف الهلال الأحمر التي تقلّ جرحى «النصرة» و18 حافلة أخرى تقلّ إرهابيين وعائلاتهم باتجاه إدلب من السعن. وعند الرابعة والنصف، تسلّمت المقاومة الأسير الأوّل أحمد مزهر. وقبل الخامسة، كانت قد انطلقت الدفعة الثانية المؤلفة من 22 حافلة باتجاه إدلب، وأطلق سراح الأسير الثاني موسى كوراني. وتبعتها الدفعة الثالثة المؤلّفة من 20 حافلة، ليفرج عن الأسير حسن طه. ومع دخول الدفعة الرابعة، كان الأسير محمد شعيب حرّاً، لتنتهي العملية بعد دخول الدفعة الخامسة وتسلّم المقاومة الأسير المحرّر محمد جواد علي ياسين.
وفي ظهورهم الإعلامي الأوّل، ظهر المحرّرون الأبطال ببزات عسكرية تتدلّى من أكتافهم شالات صفراء عليها صور الأمين العام لحزب الله، موجّهين الشكر إلى الرئيس السوري بشّار الأسد والجيش السوري والجمهورية الإسلامية الإيرانية، مؤكّدين أنهم طوال فترة الأسر كان لديهم ثقة بأن المقاومة ستخرجهم من الأسر، كما عادتها.
وسلك موكب الأسرى المحرّرين الطريق من ريف حماة إلى السلمية فحمص، ثمّ إلى بلدة القصير ومنها إلى جوسيه على الحدود اللبنانية، ليكون في استقبالهم حشدٌ سياسي وأمني وعسكري وشعبي في ساحة بلدة القاع التي اكتوت بنار الإرهاب العام الماضي، وتستعد الآن لمواكبة عملية تحرير الجيش لجرودها من براثن عصابات التكفير والإجرام الوهابية.
وتعليقاً على عملية التبادل، أصدرت «غرفة عمليات المقاومة الاسلامية» بياناً أعلنت فيه «انتهاء عملية تنظيف جرود عرسال اللبنانية وجرود فليطة في القلمون الغربي من الإرهاب التكفيري المتمثل بجبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام»، مضيفةً أن هذا الإنجاز تحقّق بسبب «تضحيات المجاهدين والالتفاف الشعبي الواسع حول المقاومة في حربها ضد الإرهاب».
وفي تأكيد على النصر المحقّق وأن المهمة التي أوكلت بها قوات المقاومة لتحرير الأراضي المحتلة قد أنجزت، أكّد بيان الغرفة أنه «تم تحقيق كل الأهداف المرسومة للعملية منذ بدايتها، فتحررت جرود عرسال اللبنانية وجرود فليطة السورية، وعليه تعلن غرفة عمليات المقاومة إنهاء وجود جبهة النصرة الإرهابية في كامل الحدود اللبنانية، وتطهير المنطقة من فرع تنظيم القاعدة التكفيري».
وأشار البيان إلى أن «هذا التحرير أزال كامل التهديد العسكري للتنظيم الإرهابي عن الحدود الشرقية للبنان واجتث قاعدته الاساسية التي أطلقت من خلالها سياراته المفخخة وانتحاريوه الى العمق اللبناني. إن إنهاء هذا الوجود الخبيث للإرهاب التكفيري أثمر بعونه تعالى أيضاً تحريراً لأسرى المقاومة لدى النصرة واستعادة لأجساد الشهداء الطاهرة الذين سقطوا في معركة الدفاع عن لبنان وحريته وسيادته». وجدّد بيان الغرفة العهد والوعد، معلنة الجاهزية الدائمة لـ«تنفيذ أيّ مهمة يطلبها سماحته (السيد نصرالله) في مواجهة ما تبقّى من تهديد إرهابي تكفيري»، وموجّهة التحيّة إلى الأمين العام لحزب الله.

المصدر: الأخبار