بينما يواصل الجيش السوري وحلفاؤه التقدم عبر محاور عدة نحو دير الزور (معقل «داعش» الأخير)، تفرض أسئلةٌ كثيرة نفسها في ما يخصّ السلوك الأميركي المحتمل. ويبدو مستبعداً تسليم واشنطن بواقعٍ يترك لدمشق وحلفائها الانفرادَ بخوض معركة «تصفية داعش» في سوريا، مع ما يعنيه ذلك من امتيازات في سباق «محاربة الإرهاب» العالمي
مع كل خطوة إضافية يقطعها الجيش السوري في الطريق إلى دير الزور، تتزايد المؤشرات على اقتراب «معركة داعش الأخيرة» في سوريا. ورغم احتفاظ التنظيم المتطرف بتمركزات في عدد من المحافظات حتى الآن، غير أنّ تلك التمركزات لا تعدو في واقع الأمر كونها نقاطاً وجيوباً تصعب الإفادة منها لتشكيل ضغط حقيقي، ما يجعلها محكومةً بزوال حتمي وفق سيناريوات متباينة تبعاً لظروف كلّ من تلك المناطق. في الوقت نفسه، تواصل «قوّات سوريا الديمقراطيّة» تقدّمها (بصعوبة) في معركة الرقّة التي تبدو مضمونة الحسم.
وسيكون من شأن انتهاء معركة الرقة أن يضع على المحكّ مصير التفاهمات الروسيّة الأميركيّة في سوريا، استناداً إلى حقيقة مفادها أن معركة دير الزور ستغدو وقتها الجبهة الفعليّة الوحيدة التي تُخاض فيها معارك تصفية التنظيم المتطرف. وبمعنى أوضح، ستحمل نهاية معركة الرقة نهاية لعمليات «قوات التحالف الدولي» البرّية في سوريا (ما لم يعلن «التحالف» معركةً أخرى) وتجعل من الجيش السوري وحلفائه الفريق الوحيد المنخرط في معركة تصفية «داعش». وليس من المعلوم بعد على أي نحو يمكن أن تتعامل واشنطن مع هذه المعطيات متى تحوّلت إلى واقع ميداني، غير أنّ تسليمها بهذه النتيجة يبدو أمراً مستبعداً. وحتى الآن، يعكس الواقع الميداني تفوّقاً لحظوظ الجيش وحلفائه في خوض معركة دير الزور، من دون أن يعني ذلك انتفاء احتمالات دخول قوّات أخرى (غير محسوبة على محور الحلفاء) على الخط. وفيما يواصل الجيش وحلفاؤه الاقتراب من المحافظة الشرقيّة عبر محاور عدّة (راجع «الأخبار» العدد 3239) تحضر قوّات «قسد» في مناطق تتيح لها الانخراط في مشهد دير الزور تالياً لإقفالها ملف الرقّة. وتحتفظُ «قسد» بخطوط تماس واسعة مع مناطق سيطرة «داعش» في ريفي الحسكة الجنوبي ودير الزور الشمالي، حيث تتجاور مناطق سيطرة الطرفين في المحافظتين (تسيطر «قسد» على مثلث من ريف دير الزور الشمالي قاعدته تمتد من الجويف إلى تخوم معدان، ورأسه نقطة تلاقي المحافظات الثلاث: الرقة، دير الزور، الحسكة). في الوقت ذاته، باتت مناطق «قسد» في ريف الرقة الجنوبي الشرقي، ومناطق «داعش» في ريف دير الزور الشمالي الغربي، شبهَ معزولة بعضها عن بعض، بفعل تقدم الجيش السوري في ريف الرقة الجنوبي الشرقي ومتاخمته معدان الاستراتيجية. وثمّة سيناريوان أساسيّان يحضران لدى البحث في احتمالات دخول «قسد» على خط معارك دير الزور: التسابق مع الجيش السوري (مع ما قد يعنيه هذا من انعكاسات سلبيّة على العلاقة بين الطرفين)، أو التنسيق مع الجيش لخوض المعركة في خندق واحد، من دون أن يعني هذا بالضرورة القتال كتفاً إلى كتف.
وكانت مصادر عدّة قد أكدت لـ«الأخبار» أن الطرفين قد شكّلا غرفة عسكريّة تحت مظلة روسيّة، أفرزت حتى الآن تنسيقاً في معارك ريف الرقة، مع ترجيح تطور عمل الغرفة قريباً («الأخبار»، العدد 3241) . وإذا كان تنسيق الخطوات العسكريّة على قاعدة «المصلحة المشتركة» أمراً وارداً، فإن الانتقال إلى مرحلة أعلى تصل حدّ خوض معركة واحدة يبدو أمراً أكبر من رغباتٍ وتوافقاتٍ محدودة، ويحتاج إلى غطاء حتميّ من التفاهمات الأميركية الروسية. وينبغي الأخذ في الاعتبار أن خطوةً من هذا النوع (في حال حدوثها) ستعني بالضرورة أنّ الجيش وحلفاءه باتوا يقاتلون في معركة مشتركة مع «التحالف الدولي» وذراعه البريّة «قسد». ويعكس الوضع الميداني في المنطقة الشرقية بعمومها (بدءاً من ريف حلب الشرقي، وصولاً إلى تخوم دير الزور) واقعاً معقّداً من التداخلات، على رأسها حضور قوّات أميركية خاصة في مناطق تشهد حضوراً عسكريّاً سوريّاً (على وجه الخصوص في ريف الرقة حيث يحضر الأميركي في مطار الطبقة الذي يبعد كيلومترات قليلة عن جعيدين الخاضعة لسيطرة الجيش، علاوة على منبج التي يحضر الطرفان في محيطها الإداري). وبات دخول «قسد» على خط معارك دير الزور المرتقبة ورقةً شبه أخيرة في يد «التحالف» بعد أن أدت تطورات الشهرين الأخيرين إلى خروج مجموعات مسلحة عدّة من حسابات معركة دير الزور (نتيجة عزل الجيش وحلفائه لقاعدة التنف الأميركية) من دون أن يعني ذلك تسليمها القطعي بهذه النتيجة. وعلاوةً على سيناريو تنفيذ إنزالات أميركية في مدن مفصلية مثل البوكمال والميادين، برزت في خلال الأيام الأخيرة عودة الحديث عن نقل بعض تلك المجموعات جوّاً إلى ريف الحسكة الجنوبي تمهيداً لزجّها في سباق دير الزور.
ورغم أن المعلومات المتداولة في هذا السياق لم تتجاوز بعد مصادر المجموعات نفسها، غير أن هذا السيناريو يبدو حاضراً في حسابات الأميركي أيضاً من دون التصريح به.
وتقول مصادر كرديّة لـ«الأخبار» إنّ «هذا السيناريو هو محل اعتراض جناح وازن من قيادة «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تشكل العمود الأساس لـ«قسد» حتى الآن». ووفقاً للمصادر، فإنّ «دخول أي مجموعات إلى مناطق سيطرة «قسد» هو أمرٌ مرفوضٌ ما لم يكن نشاط هذه المجموعات مقتصراً على العمل تحت راية «قسد» حصراً».
ورغم أن المجموعات المذكورة تحظى برعاية أميركية، غير أنّ فرص انضوائها تحت راية «قسد» تبدو شبه مستحيلة، بفعل احتفاظ عدد كبير من مقاتلي تلك المجموعات بـ«علاقات مع تركيا، ووجود عائلات كثير منهم داخل الأراضي التركية»، وفقاً للمصادر ذاتها.
وكانت مصادر إعلامية معارضة قد تداولت في خلال الأيام الأخيرة معلومات عن اجتماعات ضمّت «قادة» بعض المجموعات مثل «جيش أسود الشرقية، مغاوير الثورة، أحرار الشرقية، جيش الشرقية» لبحث «تشكيل كيان موحّد يخوض معارك دير الزور».
وأمس، دخلت على الخط مجموعات صغيرة ومحدودة التأثير في ما يبدو أشبه بـ«طرح نفسها في السوق» عبر بيان تناول دير الزور. وتحدث البيان عن استعداد تلك المجموعات للعمل على «تشكيل كيان منظّم (ومستعد) للانتقال والمشاركة في معركة دير الزور»، واقترح البيان منطقة الشدادي (جنوب الحسكة) منطلقاً لخوض المعركة. وضمّت قائمة المجموعات كلاً من «لواء الأحواز العربيّة، لواء محمد الباقر، لواء درع الأنصار، لواء شهداء الخابور، تجمّع أبناء الشعيطات، تجمّع أبناء خشام».