اكثر من سبب يبرّر استمرار حكومة الرئيس سعد الحريري ولا يعرّضها لأي هزة جدية، شأن اكثر من حدث حمل اخيراً بذور انهيارها على غرار سابقة 2011. في انقسامها على الجوهري، لا في اتفاقها على الثانوي، يكمن سرّ استمرارها
ترقد حكومة الرئيس سعد الحريري على دوافع شتى كي لا يفكر اي من افرقائها ــ وإن هي لا تمثل الائتلاف الاشمل على نحو حكومة 2011 فلم تستثنِ حينذاك احداً خارجها ــ في الخروج منها او التسبب في تفككها. على الاقل بالنسبة الى قطبيها الرئيسيين، الفريق السنّي يمثله تيار المستقبل والفريق الشيعي يمثله حزب الله وحركة امل. اما الفريق المسيحي، فيستمد قوته من رئيس الجمهورية ميشال عون الشريك الرئيسي في السلطة الاجرائية.
منذ تأليفها اختبرت حكومة الحريري وحدتها وتواطؤ وزرائها مراراً: عندما توافقت على قانون جديد للانتخاب، وعلى تمديد ولاية البرلمان الحالي 11 شهراً، وعلى التعيينات الامنية ثم الادارية ثم التشكيلات الديبلوماسية، وعلى سلسلة الرتب والرواتب على طريق موازنة 2017، وهي الآن في صدد التوافق على اهدار الوقت للحؤول دون اجراء انتخابات فرعية في دائرتي كسروان وطرابلس.
ثمة اسباب ايضاً تستدرجها الى الانقسام وربما الانهيار، ابرزها اثنان:
اولهما، زيارة رئيسها لواشنطن في 22 تموز في توقيت غير ملائم لحزب الله، ارتبط بمعركة جرود عرسال وكانت بدأت قبل 48 ساعة، والعقوبات الاميركية عليه.
ثانيهما، فرض الحزب معركة تحرير جرود عرسال من التنظيمات المتطرفة، وتالياً ارغام شركائه في الحكومة كتيار المستقبل على القبول على مضض بخوض الجيش معركة تحرير جرود رأس بعلبك ــ القاع، بعدما حيل دون تخويل الجيش القرار السياسي لشن حرب جرود عرسال حتى الايام الاخيرة التي سبقت انطلاق حملته العسكرية في 21 تموز. في ضوء ما نجم عن حرب جرود عرسال، اضحت حرب جرود رأس بعلبك ــ القاع حتمية ملزمة. لا تحتاج بالضرورة الى قرار سياسي. في احسن الاحوال فقد مغزاه ما ان تأخر توقيته.
لم يتوقف الحريري ولا تيار المستقبل وحلفاؤه في الحكومة عن تقديم برهان تلو آخر حيال استمرار ربط النزاع مع حزب الله، ورفض تدخّله في سوريا وتفرّده في شن حرب الجرود، مقدار التمسك بالموقف المزمن وهو رفض احتفاظه بترسانته الفائضة القوة. في المقابل لم يُعِر حزب الله اذناً صاغية لمنتقديه حيال توقيت حرب الجرود، وتصرّف على انها خياره وقراره هو، مكتفياً ــ وهو ما تحدث عنه الامين العام السيد حسن نصرالله تكراراً ــ بغطاء «الرئيس المقاوم»، رئيس الجمهورية فحسب. في اطلالته التلفزيونية الاخيرة في 4 آب، اعطى الحريري حصة في الفضل في تحرير جرود عرسال.
رغم التوافق العام على السياسة الخارجية بين عون والحريري، والحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، وتبعاً لذلك داخل الحكومة، سواء بتأكيد التمسك بالتعاون مع المجتمع الدولي والقرار 1701 وتفادي التورط في النزاعات العربية ــ العربية مع ميل زائد الى السعودية، وتفادي اي محاولة انفتاح جديد على نظام الرئيس بشار الاسد باهمال التفاوض معه على ملف النازحين السوريين او انكار اي تنسيق امني منتظم في حرب الجرود ــ 2، الا ان الشق الحيوي الاثقل في السياسة الخارجية، المرتبط بالدور الاقليمي لحزب الله، لا يزال مدار انقسام بين رئيس الجمهورية في موقع الحليف للمقاومة الى جانبه صهره وزير الخارجية، وبين رئيس الحكومة في الموقع المناوئ.
لم يكن قليلاً وقع كلام الرئيس الاميركي دونالد ترامب على ضيفه رئيس الحكومة اللبنانية، يصغي اليه يقول ان حزب الله ارهابي ــ العبارة التي لم يتلفظها الحريري وحلفاؤه مرة ــ وانه التهديد المباشر للبلاد فيما وزراء الحزب صمام امان استمرار حكومته، وان العقوبات آتية على الحزب في وقت يتعذر على الحريري اقناعه بتخفيف دوره الاقليمي والعودة الى الداخل اللبناني.
في جلسة لمجلس الوزراء في السرايا سبقت توجه الحريري الى واشنطن، دار حوار بين الوزراء ترك اكثر من مغزى حيال المرتقب من اجتماع البيت الابيض وتداعياته على وحدة الحكومة، متى باغتتها مواقف ثقيلة الوطأة. لكن حصيلة هذا الحوار حمل بدوره اكثر من اشارة طمأنة الى الحريري، مع التيقن سلفاً من عدم انزلاقه هناك الى مواقف تغضب حزب الله وتشقق وحدة حكومته.
في معرض الحديث عن آلية التعيينات الادارية، قال الوزير علي حسن خليل انها وُضعت في الحكومة الاولى للحريري.
ردّ: لم تكن على ايامي.
اكد له خليل صحة كلامه، قبل ان يتدخّل الوزير يوسف فنيانوس ويذكّر الحريري بأن الآلية أُقرت في 11 نيسان 2010، عمدت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لاحقاً الى تعديلها.
عقب الوزير سليم جريصاتي: كانت الآلية تمثل حينذاك وجهة نظر واحدة.
عقّب خليل: سأصحح لك. كانت حكومة وحدة وطنية تضم الافرقاء جميعاً، جامعة.
قال الحريري: مقدار ما كانت جامعة، تخرجت فيها في سنة واحدة (في اشارة الى اطاحة حكومته في شهرها الـ13 في كانون الثاني 2011).
سأل فنيانوس: كم عمر حكومتنا الآن؟
اجاب رئيس الحكومة: اقل من سنة.
قال: انتبه اذن. هذه حكومة جامعة.
تدخّل باسيل: هذه الحكومة ليست كتلك. هذه المرة انا فيها (وهو كان ايضاً في حكومة 2009 ـ 2011)، وسارافق الرئيس الحريري الى واشنطن.
قال فنيانوس: على حجة الوردة شربت العلّيقة.
للتو تدخّل خليل: انا ما حكيت.
كذلك عقّب وزراء حزب الله: نحن ما حكينا.
كانت تلك اشارة ضمنية الى دعم الرئيس نبيه بري وحزب الله استمرار الحكومة الحالية وتطمين رئيسها الى استقرارها، وتالياً عدم تعريضها لخضة تترتب على ما قد يحدث في واشنطن.
رغم تباعد موقفيهما من حزب الله، تفادى الحريري وباسيل في العاصمة الاميركية اي ايحاء به، على وفرة تسابقهما الى التعبير عنه جهراً هنا. اصغيا الى كلام ترامب ولم يعقبا بدفاع علني او خجول حتى عن حزب الله، ولا لمحا امام الرئيس الاميركي وبعيداً منه الى انه مكوّن رئيسي في المجتمع اللبناني، يمثل شريحة طائفية كبرى، في قلب المؤسسات الدستورية وضمان استقرار الداخل. لم يقولا ايضاً ان العقوبات الاميركية عليه تستهدف اللبنانيين جميعاً.
ما صح في نتائج زيارة واشنطن، كررته حصيلة حرب جرود عرسال. بعدما رفضها الحريري توقيتاً واهدافاً ووسيلة، جملة وتفصيلاً، وآلمه تصفية ما يعدّه فريقاً مسلحاً معارضاً لنظام الاسد الذي يكره، هو جبهة النصرة، سلّم باتفاق اجلاء مسلحيها ــ من غير ان ينعتهم بارهابيين ــ ورحب بتحرير الجرود، فردّ نصرالله التحية له الجمعة الفائت.
حتى اشعار آخر هي حكومة طويلة العمر. حتى انتخابات 2018 اذا حصلت...