في التاسع من آب من العام الماضي تحوّل اليمن إلى سجن كبير بفعل إغلاق مطار صنعاء، عقب ضربات تحالف العدوان السعودي، في خطوة ذهب ضحيتها أكثر من 13,000 يمني حتى الآن، وخلّفت تداعيات مأسوية على البلد الذي يعاني اليوم الكارثة الإنسانية «الأسوأ في العالم»
مرّ عام على إغلاق مطار صنعاء واستخدامه من قبل تحالف العدوان بقيادة السعودية كورقة ضغط، فشلت حتى الآن في تحقيق أي انجاز عدا حصد أرواح المرضى الذين منعوا من السفر لتلقّي الرعاية الطبية اللازمة. ووفق الجهات الحكومية في صنعاء، فإن عدد ضحايا إغلاق المطار يوازي أو حتى يفوق عدد ضحايا الضربات الجوية، ما يسلّط الضوء على التداعيات الانسانية الخطيرة للحصار الذي تفرضه الرياض على البلد الذي يستورد 90 في المئة من احتياجاته.
وجدّدت كل من وزارة النقل والهيئة العامة للطيران المدني والارصاد في العاصمة اليمنية، أمس، في بيان حصلت «الأخبار» على نسخة منه، استنكارها وإدانتها «بأشد العبارات استمرار إغلاق مطار صنعاء الدولي، وهو الشريان الرئيسي للجمهورية ويخدم ثمانية مليون مواطن»، واصفة ذلك بـ«العقاب الجماعي لكل أبناء الشعب بكافة مكوناته». وأكّد أن «استمرار الإغلاق دون مبرر ينافي جميع الأعراف الانسانية والاسلامية والدولية، ويشكّل انتهاكاً صارخاً لكل المعاهدات والمواثيق... ويخالف قرارات مجلس الأمن، بما في ذلك القرار رقم 2216 الصادر عام 2015»، الذي يحرّم فرض أي حصار برّي وبحرّي وجوّي على المواطن اليمني.
ويشكّل مطار صنعاء (يقع على بعد 15 كلم من وسط العاصمة) شرياناً حيوياً للمسافرين ولرحلات الإغاثة الإنسانية، كونه يتوسط المحافظات اليمنية ذات الأغلبية السكانية مثل صنعاء ومحافظات عمران وحجة والمحويت وذمار وإب والبيضاء ومأرب، وهي محافظات يصل عدد سكانها إلى أكثر من 10 ملايين نسمة.
ووفق المتحدث الرسمي باسم الهيئة العامة للطيران المدني مازن أحمد غانم، فإن استمرار الإغلاق حوّل اليمن إلى «سجن كبير وخلق مأساة إنسانية فاقت كل وصف»، مشيراً إلى أن «عدد حالات الوفيات من المرضى الذين كانوا بحاجة إلى دواء يُستورد من الخارج أو تستدعي حالتهم السفر إلى الخارج لتلقّي العلاج بلغت 13914 حالة... الرقم الذي يوازي عدد ضحايا العدوان البالغ حوالى 13,000 شهيد مدني».
وفي هذا السياق، يستنكر الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء عبد الحكيم الكحلاني «جريمة إغلاق التحالف لمطار صنعاء، وهي العاصمة الوحيدة في العالم المغلق مطارها بدون أي وجه حق»، كاشفاً أن «المرضى اليمنيين الذين يعانون من حالات صعبة أو مستعصية ويقدر عددهم سنوياً بحوالى 100,000 عاجزون عن السفر لطلب العلاج في الخارج». وأضاف في حديث إلى «الأخبار» أن «المريض اليمني يبيع أحياناً مزرعته أو منزله لكي يتمكن من السفر طلباً للعلاج، ولكن العدوان حرمه من هذا الحق»، مشيراً إلى أن «قصف العدوان فاقم من الأزمة، إذ إنه خلّف عشرات الآلاف من الجرحى، بعضهم حالاتهم صعبة تحتاج إلى عمليات جراحية متقدمة ومتطورة، متوافرة فقط في الخارج».
وهذا ما أكّده بيان وزارة النقل والهيئة العامة للطيران، الذي قال إن «95 ألف من المرضى بحاجة للسفر خارج البلاد لتلقّي العلاج»، في وقت «أكثر من 50 ألف يمني عالق يطالبون بالعودة إلى الوطن»، مطالباً المجتمع الدولي بـ«إرسال فريق لتقصّي الحقائق حول معاناة الشعب اليمني جراء الحصار المفروض وإغلاق المطار».
وفي هذا السياق، طالب وزير الخارجية في صنعاء هشام شرف عبدالله، أمس، الممثل المقيم للأمم المتحدة لدى اليمن جيمي ماكغولدريك بـ«ممارسة الضغوط لإعادة فتح المطار، وإجراء تحقيق دولي حول إغلاق جميع المطارات والمنافذ البرية والبحرية منُذ بدء العدوان». وقال خلال لقائه ماكغولدريك إن «الذرائع والحجج الواهية للتحالف لا أساس لها من الصحة»، مؤكداً أن مطار صنعاء «بعيد عن مسرح العمليات العسكرية، وطائرات الأمم المتحدة تصل إليه بشكل دوري دون أي معوقات... وقوائم ركاب الرحلات التي كانت تصل إلى مطار صنعاء خلال فترة ما قبل إغلاقه كانت تسلّم إلى غرفة عمليات التحالف مسبقاً منعاً لأي تصادم».
من جهته، شدّد ماكغولدريك في تغريدة على «تويتر» على «الضرورة القصوى لإعادة فتح المطار، وذلك للتخفيف من معاناة المدنيين»، الأمر الذي أكّده رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن ألكسندر فيت، في حديث إلى «الأخبار»، إذ قال إن «على جميع الأطراف العمل على إعادة فتح المطار وتسيير الرحلات الانسانية على الأقل»، مضيفاً أنه «على الرغم من الرحلات الجوية التي تقوم بها البعثة وغيرها من المنظمات، فإن لإغلاق المطار تداعيات خطيرة».
وفضلاً عن الخسائر البشرية، تشير الأرقام الرسمية إلى أن خسائر قطاع النقل الجوي جراء العدوان والحصار تجاوزت ملياري دولار. ووفق «المنظمة البلجيكية الدولية لحقوق الانسان»، تسبّب إغلاق المطار في «خلق بطالة جديدة... إذ تقدر إحصائيات رسمية وصول عدد العاطلين من العمل جراء الإغلاق إلى نحو 3 ملايين»، كاشفة أن «كلفة السفر ارتفعت بنسبة 200 في المئة».
ومع مرور عام على الإغلاق، توالت ردود الأفعال المندّدة، ومن بينها تصريح وُصف بـ«المثير للجدل» لنجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وعضو اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام يحيى محمد عبدالله صالح، دعا فيه إلى استهداف مطارات السعودية والإمارات بالصواريخ الباليستية ردّاً على استمرار إغلاق المطار صنعاء. وقال «إذا أردنا فتح مطار صنعاء علينا أن نكون واقعيين مع هذه العقليات العنجهية والمتخلفة... الحل يكمن في إعلان مطار الرياض ومطار جدة ومطار أبو ظبي ودبي أهدافاً عسكرية تحت مرمى نيران الجيش اليمني»، واصفاً إغلاق المطار بـ«الجريمة»، ومتّهماً المجتمع الدولي والأمم المتحدة بـ«التواطؤ مع العدوان».