ارتفع منسوب القلق من حرب نووية إلى مستوى خطير، بالتزامن مع تصريحات الرئيس دونالد ترامب الاستثنائية التي وصلت حدّتها إلى مستوى غير مسبوق أيضاً، على حدّ تعبير المراقبين والسياسيين الذين انتقدوه وحمّلوه مسؤولية أيّ مواجهة
شعر العالم خلال الأيام القليلة الماضية بأنه يقترب من حافة حرب نووية، ستعقب حرب التصريحات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. وقد وصل منسوب الخوف إلى أوجه، منذ ليل أول من أمس، بفعل التهديد والوعيد اللذين أطلقهما الرئيس الأميركي دونالد ترامب لبيونغ يانغ بـ«النار والغضب»، فيما هدّدت هذه الأخيرة بقصف منشآت في جزيرة غوام التابعة للإدارة الأميركية في المحيط الهادئ.
وأعلنت أنها «تدرس بعناية خطة العمليات لإقامة حزام ناري في المناطق المحيطة بجزيرة غوام، بواسطة الصاروخ البالستي المتوسط المدى هواسونغ 12»، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية.
نهار أمس كان حافلاً بالتصريحات الصاروخية من كلا الجانبين. وفي الوقت الذي ابتعد فيه ترامب عن اللغة الدبلوماسية، كان هناك استنكار وانتقاد للهجته من قبل الحلفاء في الخارج والداخل، خصوصاً أنهم رأوا أنه يهدّد بحرب نووية غير محسوبة النتائج والمفاعيل. وكما في كل مرة «يتدحرج» فيها لسان ترامب، يتدخل وزير الخارجية لتلطيف الأجواء، محاولاً الحفاظ على ماء وجه رئيسه؛ فقد أكد ريكس تيلرسون أن ترامب استخدم لغة «سيفهمها كيم جونغ ــ أون»، عندما توعّد بيونغ يانغ «بالنار والغضب»، بسبب برنامجها الصاروخي والنووي. وقال إن «ما يقوم به الرئيس هو توجيه رسالة قوية لكوريا الشمالية سيفهمها كيم جونغ ــ أون، لأنه يبدو أنه لا يفهم اللغة الدبلوماسية». وكان تيلرسون يتحدث إلى الصحافيين على متن الطائرة التي تقلّه إلى جزيرة غوام، حيث ارتأى في الوقت ذاته العمل على تهدئة المخاوف من مواجهة عسكرية، قائلاً إنه لا توجد إشارة إلى أن مستوى التهديد من كوريا الشمالية قد تغيّر، ومطمئناً الأميركيين بأنه «يمكنهم أن يناموا جيداً ليلاً».
وفيما بدت تصريحات تيلرسون كأنها خُصّصت للتخفيف من حدّة خطاب ترامب، عاد الرئيس بعدها بوقت قصير ليتباهى بقدرات بلاده النووية؛ «قراري الأول كرئيس كان تجديد وتطوير ترسانتنا النووية»، قال في تغريدة عبر موقع «تويتر»، مضيفاً أنها «الآن أقوى من أيّ وقت مضى»، وهو ما رأى فيه البعض تصعيداً في المواجهة مع بيونغ يانغ، على الرغم من أنه بدا في تغريدة أخرى كأنه يحاول التخفيف من فكرة أن الولايات المتحدة ستحتاج إلى استخدام هذه القوة في وقت قريب، فقال: «نأمل أن لا نحتاج أبداً إلى استخدام هذه القوة، ولكن لن يكون هناك وقت لن نكون فيه أقوى أمة في العالم».
في غضون ذلك، توالت التصريحات الصادرة عن الطرفين أو عن حلفائهما الذين حاولوا تهدئة التوتر الذي سيطر على الأجواء الدبلوماسية الدولية. حاكم غوام إيدي بازا كالفو بثّ من جهته فيديو خاطب فيه سكان الجزيرة، وقال لهم إنه لا يوجد أي خطر متصاعد، فيما أكد أحد المسؤولين الأمنيين في الجزيرة ثقته بدفاعات الجزيرة. إلا أن كوريا الشمالية حذرت عبر إذاعتها المحلية من أنها تتطلع إلى ما هو أبعد من غوام، وأنها قد توجّه ضربات استباقية إلى الأراضي الأميركية، مستخدمة الأسلحة النووية، في حال كانت هناك أي إشارة على أن الولايات المتحدة تخطّط لضربها أولاً.
وجاء ذلك فيما رأت غالبية المنتقدين أن البيت الأبيض يرسل إشارات متضاربة بشأن موقفه من كوريا الشمالية، وأن مقاربة ترامب العدائية تقف على خلاف مع موقف تيلرسون الأكثر دبلوماسية.
وقد زاد من حدّة هذه الانتقادات ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عن أن تحذير ترامب كان مرتجلاً بشكل كامل، ولم يكن مُتفقاً عليه مع مساعديه قبل إجراء مؤتمره الصحافي الذي كان مخصّصاً لقضية مختلفة تماماً. وبحسب الصحيفة، فقد عكست تهديدات الرئيس «نهجاً متطوراً وغير مستقر تجاه إحدى أكثر المناطق سخونة في العالم، في الوقت الذي يناقش فيه فريقه خيارات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية». وقالت إن مساعديه منقسمون في ما يتعلق بكوريا الشمالية، كما بشأن غيرها من المسائل. وفي هذا الإطار، نقلت الصحيفة عن أشخاص مطّلعين أن المحرّك الأساسي وراء تصريح ترامب كان قصة «واشنطن بوست» التي كشفت فيها معلومات عن التقدم الذي حققته كوريا الشمالية في برنامجها النووي، وحيث نقلت عن تقرير سرّي أنجزته وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية، الشهر الماضي، أن بيونغ يانغ «نجحت في تصغير الرؤوس النووية لتثبيتها على صواريخ عابرة للقارات، ما يمكّنها من التهديد بشنّ هجوم نووي على القوة الأولى في العالم». وبحسب المصادر، فقد كان ترامب في مزاج غاضب، جرّاء هذا التقرير.
في واشنطن، انتقد عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الديموقراطي إليوت إنغل «الخط الأحمر السخيف» الذي رسمه ترامب إزاء تهديدات بيونغ يانغ المتواصلة. وقال «إن أمن أميركا لا يقوم على قوة جيشنا فحسب، بل كذلك على مصداقية القائد الأعلى لقواتنا المسلحة»، مندّداً بطباع الرئيس «النزقة». كذلك، شكّك السيناتور الجمهوري جون ماكين في ردّ ترامب، فقال إن «القادة العظماء» لا يهدّدون أعداءهم إلا إذا كانوا جاهزين للتحرك، مضيفاً «لست واثقاً بأن الرئيس جاهز للتحرك».
أما دولياً، فقد دعت الصين إلى تجنّب «التصريحات والأعمال» التي من شأنها تصعيد التوتر في شبه الجزيرة الكورية، كذلك دعت وزارة الخارجية الألمانية كوريا الشمالية والولايات المتحدة إلى «ضبط النفس».
بدورهم، رافق المراقبون والمحللون تصريحات ترامب الساخنة بكثير من الانتقادات، معتبرين أنها قطعٌ مع اللغة الدبلوماسية التي حكمت التفاعلات بين واشنطن وبيونغ يانغ على مدى سنوات. ورأى محلّلون أن استخدام الرئيس الأميركي الخطاب الناري نفسه الذي تعتمده بيونغ يانغ، إنما يخاطر باستفزاز «النظام النووي» الذي يصعب التكهّن بردود فعله، وقد يدفعه إلى شنّ «الهجوم الذي نحرص على عدم حدوثه».
الخبير في شؤون كوريا الشمالية روبرت كيلي وصف تصريحات ترامب، في حديث إلى «واشنطن بوست»، بأنها «غير ضرورية، ومخيفة ومستهترة»، في حين رأى كليو شانغ في مجلة «ذي نيور ريبابليك» أن ضلال الرئيس «يسبّب مخاطر كثيرة، وذلك مع احتمال وجود محرقة نووية على القمة».
أما البروفسور في جامعة يونسي في سيول، جون ديلوري، فقد كتب في تغريدة على موقع «تويتر» أن «المزايدة في التهديدات مع كوريا الشمالية أشبه بالمزايدة في الصلوات مع البابا». ورأى كارل ديوي، المحلّل في مؤسسة «جينز»، أن «تبنّي سياسة حافة الهاوية له تأثير نفسي كبير، ويجعل من احتمال إساءة التقدير عالياً جداً، خصوصاً أننا لا نعرف الكثير عن تفضيلات كوريا الشمالية الحقيقية وطريقة فهمها للتهديدات».