تضيق المقاعد الخمرية بالحضور  ليفترش البعض الارض، ولك أن تسمع الضحكات قبل العرض ذلك أنك لا تكاد تفرِّق بين عفوية ممثلي الفرقة وبين تمثيلهم.
فإحداهن تصل متأخرة، تصعد المسرح أمام الجمهور راكضة لتختبئ وراء الستار استعداداً  للعرض، وبينما المخرج يقدم شكراً لمن ساهم في انجاز العمل ينسى اسم أحدهم ليستعين بالحضور ليذكروه به، وسط ابتسامات اختفت فجأة، فعلى غير المتوقع بدأت المسرحية الكوميدية بعزاء "عبد خلقة الله".

أهل العزاء ثلاثة إخوة:  عبد العليم، طبيب مزهو بعلمه يخال انه يعلم كل شيء، عبد القابض رجل أعمال بخيل يقبض يده اليمنى كل الوقت، وعبد الجبار، دكتاتوري فارغ يرتدي بزة كولونيل رفيع. أما الميت فهو أخوهم؛ عامل بسيط يدعى عبد خلقة الله.

والواقع أن الاخوة الاربعة ما هم الا شخصيات مستوحاة من المجتمع تم تضخيمها كي تتلاءم مع العمل الكوميدي. 
تجمعهم عقدة الالقاب وكثير من التناقضات في سلم القيم والمبادئ، فهم يُظهرون الاسف على موت أخيهم علماً أنهم كانوا قد خططوا للتخلص منه سابقاً.
تلامس المسرحية رغبة كل منا في  أن نتجاوز حدود الحياة الى مرحلة ما بعد الموت، وسط جو حذر تخفف حدته طرائف "عبد خلقة الله" اذ يعترف بخوفه من الرحلة الى العالم الاخر.
كما تحاكي المسرحية الرغبة بالولوج للمستقبل،ذلك أنك تشاهد  أحداث مسرحية تدور بعد مئة عام من الآن حيث "لا وجود لاسرائيل" إلا أن الغرب لا زال "يسبقنا بخطوة". فبين سطور المسرحية  تتقولب  الأفكار السياسية في  سيناريو كوميدي لتصل مجبولة بضحكة.
والمسرحية ثلاثية الابعاد; فإلى جانب الرسائل السياسية تعالج قضايا اجتماعية كتلاشي العمل وفق القيم بالرغم من ادراكها من قبل الافراد، والتي يمررها المخرج زين العابدين السباعي في قالب غنائي لتصل الرسالة على وقع الموسيقى، وتبدأ الاغنية: "منكره الكذب..منحب الكذاب..منحب الصدق..منكره الصادقين".

أما البعد الأخير فهو  الثغرات المتغلغلة في مهنة الاعلام التي تبينها تصرفات الاعلامي "عبد المصور"،  اذ يسعى دائما لاخذ "السكوب" وينشر مواده على مواقع التواصل بلا رقابة، ويهتم بالخبر بعيداً عن المعايير الانسانية.

بحبكة شيقة تستمر الأحداث، ذلك أنك لا يمكن أن تتوقع ما سيجري تباعاً اذ تظهر شخصية الأخت عُبيدة ويليها أخ سادس يقلب أحداث المسرحية.

في حين يعمد السباعي لتحديد حركات وكلمات متكررة للشخصيات لها أن تضيف معالم مميزة لكل واحدة اذ يؤكد  في مقابلة خاصة مع موقع "شاهد نيوز" انه يرسم هوية كل شخصية "بناء على دراسة نفسية لتتماشى مع الخط الدرامي للشخصية" فعبد العليم الذي يعتبر انه عالم لا يخفى عليه شيء يحاول دائماً ايجاد أخطاء الاخرين معقباً بكلمتي "خطأ شائع" و"يا جاهل". أما المتمول البخيل عبد القابض فيقبض يده باحكام طوال الوقت. كما ان النص مبني على اسس علمية اذ "يواكب اعداد النص علماء نفس وعلماء اجتماع" يؤكد السباعي. 
وبلمسة اخراجية جديدة تتسارع حركة الممثلين تارة وتتباطأ طوراً بحسب السيناريو،  كأنك تشاهد فيديو لا تمثيلاً حياً.
ولأول مرة تختتم مسرحية فرقة 107 بنهاية مأساوية حيث  "لا تطور في الانسان والبنيان لانها تجري في مكان ما من بلادنا". الا أن المخرج يختم برسالة تفاؤلية تدعو لعدم اليأس والتحجج بالواقع لعدم بلوغ الأهراف لنهي كلامه بالقول "أليس الصبح بقريب؟".

المصدر: شاهد نيوز