يبدو أن العالم على شفا عصر جديد للدواء؛ فقد اكتشفت دراسة علمية جديدة أن الحقن بدواء معين مضاد للالتهابات وأكثر مستخدميه في العالم العربي وتركيا، يمكن أن تخفض من مخاطر الإصابة بالأزمات القلبية والسرطان.
وتوصَّل العلماء إلى أن حقْن الأشخاص المصابين بالأزمات القلبية بعقار “كناكينوماب” المضاد للالتهابات يؤدي إلى الحد من التعرض للأزمات القلبية في المستقبل، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ويرتبط الدواء بعلاج حمّى البحر المتوسط والالتهابات والحساسية المرتبطة بها، إلى جانب آلام العضلات. وتصيب هذه الحمى عادة نسبة تقدر بـ1 لكل 200-1000 من السكان في العالم العربي وتركيا.
ويقول الأطباء إنهم اكتشفوا أن العقار يحدُّ من الأزمات القلبية وبعض أنواع السرطان، بتقليل الإلتهابات في الجسم، فهو يقلل بنسبة 25% الأزمات القلبية وأيضاً مخاطر الوفاة بسبب السرطانات المرتبطة بالالتهابات، مثل التهابات النقرس والمفاصل.
ويرى الباحثون أن اكتشاف هذا التأثير الجديد لهذا العلاج يمثل تقدماً هائلاً في مجال علاج أمراض القلب منذ اكتشاف فاعلية العقاقير المخفضة للكولسترول، ووجدوا أيضاً أن نسبة الوفيات الناجمة عن الإصابة بمرض السرطان قد انخفضت إلى النصف لدى الأشخاص الذين يتم علاجهم باستخدام هذا العقار، الذي يُستخدم في المعتاد في علاج حالات نادرة من الالتهابات.
وتعد العقاقير المخفضة للكولسترول بمثابة العلاج الرئيس لمنع الإصابة بالأزمات القلبية، وتعمل تلك العقاقير، بصفة رئيسة، على خفض معدلات الكولسترول بالدم. ومع ذلك، يعاني 25% من الأشخاص، الذين تعرضوا لأزمة قلبية، أزمة أخرى خلال 5 سنوات رغم تناول العقاقير المخفضة للكولسترول بانتظام. ويرجع ذلك إلى وجود التهابات لم يتم فحصها وعلاجها داخل شرايين القلب.
وقد اختبر الفريق البحثي، الذي تزعمه أطباء مستشفى بريجام آند ويمن في بوسطن، ما إذا كان علاج الالتهاب باستخدام مضاد قوي وفعال للالتهابات سوف يكون أكثر نفعاً وفائدةً من العلاج بالعقاقير المخفضة للكولسترول، وأجروا فحصاً لأكثر من 10 آلاف مريض ممن تعرضوا للإصابة بالأزمات القلبية، وكانت اختباراتهم إيجابية عند علاج الإصابة بتلك الالتهابات، ضمن دراسة عُرفت باسم “كانتوس”، وتلقى جميع المرضى جرعات عالية من العقاقير المخفضة للكولسترول، بالإضافة إلى أي من عقار “كناكينوماب” أو عقار “بلاسيبو” المضاد للالتهابات عن طريق الحقن مرة كل 3 أشهر. وقد استغرقت الاختبارات 4 سنوات.
وذكر الفريق البحثي أن المرضى الذين تم حقنهم بعقار “كناكينوماب” قد انخفضت معدلات إصابتهم بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 15%، ومن بينها الإصابات بالأزمات والنوبات القلبية المسببة للوفاة وغير المسببة للوفاة.
وانخفضت أيضاً معدلات الحاجة إلى إجراء جراحات تدخلية باهظة التكلفة، مثل الجراحة الالتفافية وتركيب الدعامات بنسبة 30%. ولم يحدث اختلاف كبير في معدل الوفيات بين المرضى الذين لم يتم حقنهم بعقار “كناكينوماب” أو عقار “بلاسيبو”، كما لم يغير العقار من معدلات الكولسترول.
وذكر دكتور بول ريدكر، الذي ترأس الفريق البحثي، أن الدراسة “تمهد لعصر جديد من الأدوية المعالجة، وقال: “تمكننا للمرة الأولى من إثبات أن خفض معدلات الالتهاب بعيداً عن مستوى الكولسترول يؤدي إلى الحد من الإصابة بأمراض الأوعية الدموية والقلب، ولهذا الاكتشاف آثار بعيدة المدى تجعلنا ندرك وسيلة جديدة لعلاج المرضى -من خلال استهداف الالتهاب- وقد نتمكن من تحسين النتائج لدى عدد كبير من المرضى الذين يعانون مخاطر مَرضية كبيرة”.
وذكر المستشفى أن الحد من تلك المخاطر “يتجاوز” حدود هؤلاء المرضى الذين يتعاطون العقارات المخفضة للكولسترول.
وذكر ريدكر أن الدراسة أوضحت أن استخدام العقاقير المضادة للالتهابات كان أكبر إنجاز بعد تعديل النظام الغذائي وأسلوب الحياة وتناول العقاقير المخفضة للكولسترول، وقال: “شهدت خلال حياتي العملية 3 عصور هائلة لإنجازات طب القلب الوقائي.
ففي العصر الأول، أدركنا أهمية النظام الغذائي والتمارين الرياضية والإقلاع عن التدخين. وفي العصر الثاني، شهدنا القيمة الهائلة للعقاقير المثبطة للدهون مثل العقاقير المخفضة للكولسترول. والآن، فإننا نفتح الباب أمام العصر الثالث. وهذا أمر مثير للغاية، ومع ذلك، واجهنا بعض العقبات التي تحول دون علاج تلك الأمراض. وذكر الباحثون ارتفاع معدلات الوفيات الناجمة عن الالتهابات الحادة، حيث أصيب واحد بين كل 1000 مريض خاضع للعلاج، رغم تعويض تلك الخسائر جراء خفض معدلات الوفيات الناجمة عن الإصابة بأي من أنماط السرطان.
وبصفة خاصة، انخفضت معدلات الإصابة بسرطان الرئة بأكثر من 75% لأسباب لم يدركها الفريق بعد. ويدرس الباحثون إجراء تجارب أخرى على التأثير الفعال لعقار “كناكينوماب” في علاج أمراض السرطان.
وذكر دكتور بول ريدكر، الذي ترأس الدراسة التي تم نشرها بصحيفة New England Journal of Medicine، أن العقار له آثار علاجية بعيدة المدى وواسعة النطاق.
وذكر البروفيسور مارتن بينيت، أخصائي أمراض القلب من جامعة كمبردج والذي لم يشارك في الدراسة، أن النتائج التي تم التوصل إليها تعدّ تقدماً هائلاً في مجال فهم سبب حدوث الأزمات القلبية. ومع ذلك، قال إن هناك مخاوف من الآثار الجانبية وارتفاع تكلفة العقار وحقيقة عدم تحسُّن معدلات الوفيات لدى هؤلاء الذين تم علاجهم باستخدام العقار، وقال: “من غير المرجح أن يتغير علاج مرضى المملكة المتحدة تغيراً كبيراً نتيجة هذه التجارب.
وشعر البروفيسور جيريمي بيرسون، المدير الطبي المشارك لمؤسسة أمراض القلب البريطانية، بالتفاؤل بشأن الدراسة، حيث تفتح الباب أمام ظهور أنماط جديدة لعلاج الأزمات القلبية.
وقال بيرسون: “تستقبل المستشفيات بالمملكة المتحدة نحو 200 ألف شخص للعلاج من الأزمات القلبية سنوياً. ويتم منح العقاقير المخفضة للكولسترول للمرضى؛ للحد من مخاطر الإصابة بأزمة قلبية أخرى؛ ويؤدي ذلك دون شك إلى إنقاذ حياة الكثيرين. ومع ذلك، فإننا نعرف أن خفض معدلات الكولسترول وحده لا يكفي”.