زودي طفلك بكافة المعلومات المناسبة لعمره كما تشائين، احصلي على مناهج من هنا وهناك، لا تنسي الألعاب والأدوات وكافة الأشياء لتعليمه تعليماً متقناً. ولكن انتظري، فربما تسيرين عكس الاتجاه، وينخفض ذكاء ابنك وليس العكس.
قد تستغربون الأمر، كيف ذلك بعد تزويده بكل أساسيات التعليم المثالي كما ترون؟ في هذا المقال نلقي الضوء على الأشياء الأكثر أهمية من عملية تعليمه ذاتها.
إذ إن تعاملك مع طفلك أهم من أي معلومة مدخلة إلى عقله، ولنفسيته السليمة ورؤيته لنفسه الأهمية ذاتها.
ففي دراسة أجريت فى جامعة North Carolina الأميركية، قام الباحثون بإخضاع ثلاث مجموعات من الأطفال للبحث، وجاءت على التوالي: مجموعة المنزل، ومجموعة المركز، والمجموعة الضابطة.
المجموعة الأولى (مجموعة المنزل) قدمت لهم الرعاية فى منازلهم من خلال أخصائيين اجتماعيين يقومون بتثقيف الآباء والأمهات بصورة تساعد على تحسين جو الأسرة وزيادة التفاعل بين الأم والطفل.
أما المجموعة الثانية (مجموعة المركز) التحق أطفالها بمركز مخصص لهم كبيئة إثرائية، يخضعون لبرنامج يساعدهم على تنمية مهاراتهم اللغوية والاجتماعية والعضلية الكبيرة والصغيرة، والمجموعة الضابطة لم يكن هناك أي تدخل على الإطلاق.
ترى ما هي المجموعة التي حققت أدنى معدل في مستوى ذكائهم ومستوى تحصيلهم الدراسي؟
النتيجة مؤسفة وصادمة، إنها مجموعة المنزل التي حققت أقل مستوى ذكاء بين أطفالها مقارنة بالمجموعتين الأخريين، وهذا يعني أن تأثير الأسرة كبير جداً وهام على نمو دماغ الطفل، وأن أمهات مجموعة المنزل لم يكن على قدرٍ كافٍ من الوعي لمساعدة أطفالهن على النمو والتحسن. فإذا نظرنا للأم التي تكثر من النواهي والأوامر لطفلها أو تصرخ في وجهه هي بذلك لا تؤذيه انفعالياً فقط بل تؤذي النمو المعرفي لعقله أيضاً.
وهنا نستعرض الأسباب الكفيلة بقتل ذكاء ابنك:
1- ثقافة ووعي الأم: تؤثر درجة وعي الأم بطريقة سير العملية التعليمية والتربوية قطعاً في نشأة طفلها.
فأنتِ وجهته للعالم، من خلالك يرى ويلمس ويشعر ويتذوق ويسمع، أنتِ تبنين إنساناً كاملاً وليس مجرد طفل، يتعرف هذا الإنسان على الكون من خلال النوافذ التي أتحتها له وتركت أبوابها مفتوحة ولم تغلقيها في وجهه الحالم.
الأيدي الصغيرة التي تعبث بالأدراج وترمي الأشياء وتنثر الدقيق ليست عشوائية، بل تعي تماماً ما تفعله، يحدثها العقل فتتحرك نحو الهدف مدركة أنه غذاء له وبناء سيصمد مدى الحياة، كلما نفذت الأيدي ما يطلبه المخ ازداد صلابة وتماسكاً وبنى معرفة يستحيل محوها.
2- كبت حرية الطفل: المخ يتغذى على الاستكشاف والانطلاق والحرية، وإذا ما حدت هذه الحرية أثر بالسلب على المخ وفقد جزءاً ليس بالهين.
حماية الطفل من مشاعر النبذ أو الرفض أو العناد أو العقاب هي الحل لعقل مثالي مستعد للتعلم من البيئة حوله دون فرض أية قيود، كونه إنساناً متفرداً بذاته ميزه الله عن سائر المخلوقات، له كامل الحرية في المأكل والملبس واختيار ألعابه وطريقة تعلمه واتباع شغفه وطموحاته ومستقبله ويبقى دور الوالدين إشرافياً وتوجيهياً.
3- اتجاهات الوالدين تجاه عملية التعليم: أجرى الباحث ماريون هيسون من جامعة ديلاوير الأميركية دراسة مع ١٢٥ من الأمهات لأطفال في سن 4 سنوات أثبت فيها أن اتجاهات الآباء وأساليبهم في التعامل مع أطفالهم هي نقطة الارتكاز في التكيف الانفعالي للطفل في مواقف التعليم بالمنزل أو المدرسة.
ففي الدراسة ظهر واضحاً كيف يمارس الآباء أشكالاً مختلفة من التدريب الأكاديمي لأطفالهم مستخدمين كلمات لها دلالة تتمثل في بعض الأوامر اللفظية وبعض التعليمات الناقدة، ما يؤدي لتشكيل موقف سلبي عند الطفل تجاه التعليم واكتساب المعلومات.
4- الافتقار إلى البيئة المحفزة: لا ينمو عقل طفلك ويكبر ذكاؤه دون وجود بيئة محفزة، ولا ينمو اللحاء الدماغي بكفاءة إلا في ظل بيئة محيطة غنية بالخبرات.
والدراسات كثيرة في إثبات أن المخ يتغير تشريحياً وليس فقط وظيفياً عند تقديم بيئة ثرية له تحفز من عمل خلاياه وتُبنى شبكة من الوصلات العصبية كبناء أعمدة المنزل.
انظري لغرفة طفلك “هل هي خالية على عروشها؟” ماذا يوجد بداخلها؟ ألعاب متناثرة ملها صغيرك وربما تلفاز مفتوح طيلة اليوم، ليست هذه البيئة الثرية التي يحتاجها الطفل بالتأكيد.
البيئة الثرية تتميز بإشغال عقله ويده معاً، بخلط مكونات مختلفة لتنتج معادلة يفهمها فقط هو، بأدوات تعلمه علم النبات والحيوان والفضاء والجغرافيا والتاريخ وليس فقط الحروف والأرقام، بقصص هضمها وشكلت عقله الواعي واللاواعي.
وكما قال أرنولد شيبل عالم المخ والأعصاب “يبدو لي أن مخ الصغير لديه جوعٌ كبير للاستثارة”.