لطالما عقدت الرياض وواشنطن مفاوضات جدية للتوصل إلى اتفاق لبناء مفاعل نووي في السعودية، حيث وضعت الأخيرة خطة طموحة لبناء 16 مفاعلاً نووياً بحلول عام 2030 بتكلفة 100 مليار دولار. ووفقاً للمحادثات التي حصلت بين ترامب والسعودية في الأشهر الماضية، من المقرر أن يتوجه وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري لوضع النقاط على العقود مع السعوديين في لندن.

وقبل تقدم المحادثات النووية كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرى أنه لا ضرر في التنسيق العسكري بين السعودية وأمريكا، لكنه الآن أعلن رسمياً ومباشرة معارضته لأي مفاوضات مع الرياض فيما يخصّ بناء مفاعل نووي، حاثاً أمريكا على إنهاء المحادثات.

طلب نتنياهو لاقى رفضاً أمريكياً على لسان الرئيس الأمريكي بسبب خشيته من توجه السعوديين نحو روسيا والصين لتحقيق حلمهم، إلا أنه لم يمانع من إجراء محادثات مع نتنياهو في هذا الموضوع.

البرنامج النووي السعودي

إن البرنامج النووي السعودي المكثف في مراحله الأولى، فقد وقعت البلاد اتفاقية مع الصين عام 2012 لشراء 16 مفاعلاً نووياً بحلول عام 2030. وقالت الرياض إنها تحتاج لمحطات الطاقة النووية لتطوير اقتصادها وإيجاد مصادر بديلة للنفط. لكن هناك إجماع بين جميع المحللين على أن السعودية لا تسعى إلى الحصول على التكنولوجيا النووية من أجل الأغراض السلمية.

وعلى الرغم من أنه في البداية لم يكن لدى السعودية أي شروط من أجل حصولها على التكنولوجيا النووية في المحادثات السابقة إلا أنها الآن ترفض توقيع أي عقد من شأنه أن يحرم البلاد من حقها في التخصيب. وبالتالي، فإن السؤال المطروح الآن، هل سيساعد ترامب الرياض في الوصول إلى التكنولوجيا النووية رغم علمه المسبق بأهداف النظام السعودي من الطاقة النووية؟

الخطة السعودية لإقناع ترامب  

تشهد العلاقات السعودية الأمريكية تقدماً كبيراً في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب وذلك بعد الفتور الكبير الذي شهدته في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. وتعتبر السعودية واحدة من أهم حلفاء أمريكا في منطقة الشرق الأوسط الحساسة والاستراتيجية، وبالتالي فإن الغرب وأمريكا ملتزمان دائماً بالوفاء لمتطلبات الرياض من الناحية الأمنية والتكنولوجية. ومع ذلك، يدرك الأمير السعودي الشاب حقيقة أن عنصر التحالف الاستراتيجي بين النظامين السعودي والأمريكي ليس كفيلاً بقبول واشنطن لطموحاته النووية. وبناءً على ذلك تسعى الرياض إلى إقناع واشنطن عبر عرضها لامتيازات مغرية مثل إحياء الشركات النووية الأمريكية المفلسة، وخلق عشرات الآلاف من فرص العمل في أمريكا إضافة إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل والموافقة على "صفقة القرن" الترامبية، والتي ستنهي أحلام الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس. وبالإضافة إلى هذه الامتيازات، ونظراً للفكر التجاري عند ترامب تجاه القضايا الدولية، اتخذ ابن سلمان تدابير أخرى مثل إجراء المحادثات مع الشركات الروسية والصينية لنقل التكنولوجيا النووية إلى البلاد، إضافة إلى إجرائه إصلاحات اجتماعية من أجل إعطاء صورة جديدة أكثر انفتاحاً عن السعودية.

الموانع والتحديات

أولاً، إن محاولة الرياض إثارة روح المنافسة عند ترامب عبر عقد اجتماعات مع الشركات الأجنبية كالروسية والصينية من أجل البحث في بناء محطات الطاقة النووية ليست مجدية. وفي هذا السياق قال ديفيد أولبرايت، رئيس مركز العلوم الدولية والبحوث الأمنية والخبير السابق في نزع السلاح، قبل عدة سنوات أن السعودية كانت قد بذلت في السابق جهوداً للتعاون مع روسيا لاستخراج اليورانيوم، لكن الدعاية السعودية تبدو غير مجدية لتحفيز التنافس الأمريكي مع روسيا والصين وكسب موافقة أمريكا في هذا المجال وذلك لأن الجميع يدرك أن الأسرة الحاكمة في السعودية هي في أشد الحاجة للدعم السياسي والعسكري الأمريكي كما أن السعودية تدرك أيضاً أنه إذا لم توافق أمريكا على الشركات الروسية والصينة، فلن يكون هناك مفاعل نووي.

ثانياً، أما فيما يخص تطبيع ابن سلمان للعلاقات مع الكيان الإسرائيلي، وخاصة أن الكيان الصهيوني يسعى إلى تطبيع علاقاته مع البلدان العربية المحيطة به وبالذات السعودية لما تحمله من رمز ديني إسلامي من أجل الاعتراف بها كدولة مقبولة في الشرق الأوسط، وبالتالي، فهي لا تقلق بشأن الاتفاقات العسكرية بين الغرب والنظام السعودي لأنها لا تتعارض مع مصالحها الحيوية. إلا أن القيادة الصهيونية ترى أن حصول السعودية على الطاقة النووية سوف يفقد تل أبيب احتكارها لها، ومن ناحية أخرى، يتوقع الصهاينة عاجلاً أم آجلاً، أن تتنافس كل من مصر وتركيا أيضاً على بناء مفاعلات نووية، لذلك لا تستطيع تل أبيب المخاطرة بالسماح للسعودية في الوصول إلى مبتغاها.  

ثالثاً، من الواضح أيضاً أن أكبر إصلاح تحتاجه السعودية هو إصلاح نظامها السياسي غير الديمقراطي الذي كان له علاقة مباشرة بأعمال إرهابية طالت العالم كتورطها في أحداث 11 سبتمبر، والدعم الرسمي وغير الرسمي للجماعات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة وغيرها، والهجوم على اليمن وارتكاب جرائم الحرب وإحداث كارثة إنسانية هناك والاستمرار بها رغم احتجاج المؤسسات المدنية ومؤسسات حقوق الإنسان عليها، ودعم استمرار الأزمة في سوريا. تبين كل هذه الأمور أن النظام في السعودية هو نظام سياسي مزعزع وخطير، كما وتثبت أيضاً عدم صدق ابن سلمان في إصلاحاته المزعومة.

إذاً، وبالنظر إلى مجمل هذه العوامل، يبدو أن الاتفاق السعودي الأمريكي مستبعد هذه اللحظة، ويبدو أن السيناريو الأكثر احتمالاً هو تخصيب السعودية لليورانيوم خارج البلاد بشكل مماثل للنموذج النووي الإماراتي.

المصدر: موقع الوقت