بشار الأسد يمكنه أن يتنفس الصعداء، وكذلك الروس والإيرانيون، فالهجوم الذي نفذته كلٌ من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على مواقع السلاح الكيماوي في سوريا كان محدودًا في أهدافه، ولم يوقع أضرارًا خطيرة للنظام، وطبعًا لم يُدفع المستبد ثمنًا يجعله يفكر ثلاث مرات قبل أن يقرر مرة أخرى استخدام السلاح الكيماوي.

الحلفاء الغربيون أرادوا ردع الأسد، وأن يوضحوا له ان استخدام السلاح الكيماوي سيكلف الكثير، وأن المجتمع الدولي سيرد بقوة على أي اختراق آخر للميثاق الذي يمنع إنتاج واستخدام السلاح الكيماوي؛ لكن الآن يمكن أن نقرر ان ما تم تنفيذه عمليًا لم يحقق هذا الهدف، ويمكن أن نقدّر من الآن - وقبل أن تعرف نتائج الهجوم كاملة - على المدى الأبعد؛ أنه طالما تمتع بالرعاية الروسية، فإن الأسد لن يرتدع عن استخدام السلاح الكيماوي ضد مواطنيه، وربما على المدى الأكثر بعدًا، ضد إسرائيل أيضًا. ترامب وماي وكاميرون أرادوا ان يلوحوا في وجه الأسد وبوتين بالبطاقة الحمراء، لكنهم لوحوا وبصعوبة بالبطاقة الصفراء الباهتة.

رغم أنه لا شك بأن مسؤولي النظام - وعلى رأسهم الأسد - يفهمون الآن ان الدول الغربية لن تمر بصمت عن أي هجوم كيماوي آخر من قبله على مواطنيه، حتى وإن نفذ فقط باستخدام غاز الكلور غير الفتاك (الهجوم في دوما الأسبوع الماضي كان فتاكًا على ما يبدو لأنه استخدم فيه نسبة كبيرة من الكلور ضد الأشخاص الذين تواجدوا في الملاجئ المغلقة تحت سطح الأرض)، لكن الثمن البخس الذي جباه الهجوم من النظام السوري الدموي أوضح انه طالما تمتع الأسد برعاية روسية، فإن بإمكانه الاستمرار بما يفعل.

إذا أراد الحلفاء الغربيون إيصال رسالة رادعة إلى الأسد من خلال عملية عسكرية محدودة، يجب ان نتذكر ان ترامب كان قد فعل ذلك قبل عام بالضبط بـ 55 صاروخ "توماهوك" استهدف المطار. الأسد اختفى، كمية مضاعفة من الصواريخ على مواقع السلاح الكيماوي لن تغير من أمره شيئًا، الرسالة ستظل تلقى آذان غير مصغية طالما ان الروس من ورائه.

الأسد يفهم لغة القوة فقط، ومسؤولو نظامه يخافون شيئًا واحدًا فقط: فقدان الحكم والسيطرة في سوريا. كل أمر لا يهدد بقاء نظام الأسد لا يعتبر من منظورهم تهديدًا، تجهزوا لامتصاص ضربة قوية على رموز الحكم، بل وربما صاروخ يسقط على قصر الأسد ودمار مدرجات في المطارات الأساسية ودمار منظومة مضادات الطائرات؛ لكن شيئًا من هذا لم يحدث.

الروس ورغم أنهم يحذرون من نتائج وانعكاسات، إلا أنه لا يبدو أنهم سيفعلون شيئًا، إذ أنهم لو فعلوا ذلك فإن ترامب ينوي ان ينوي تنفيذ تهديداته بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية أخرى عليهم.

 

بعيدًا عن الخطوة التي توقعوها في إسرائيل

الضربة "ذات المرة الواحدة" التي أعلن عنها وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس لم تضر سوى منظومة السلاح الكيماوي لا غير، وهذا أقل بكثير ممّا كان يمكن ويجب فعله بالطبع، إذ ليس بمقدور الأهداف التي أصيبت ان تهدد بقاء نظام الأسد وقدرته على الاستمرار في مسيرة الانتصار على الثوار.

من ارتدع هم الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون، الذين بالغوا بالحذر الذي انتهجوه في اختيار الأهداف المهاجمة خشية استفزاز بوتين، وزير الدفاع ماتيس وقائد القوات المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد قالا بأنهما ورغم أنهما قيدا الأهداف المهاجمة خشية المساس بالمدنيين وخشية ان يتسببوا بأضرار جانبية؛ إلا ان الخوف في الواقع من إيقاظ الدب الروسي من رقاده كان هو الاعتبار الأساسي في اختيار الأهداف وأساليب الهجوم. الذخائر التي ألقيت بالقرب من دمشق كانت بالفعل "جميلة وجديدة ومتطورة" كما أشار إليها ترامب قبل أيام، لكن مفعولها الرادع كان لا شيء.

الهجوم كان ثقيلًا من حيث كمية الذخائر التي ألقتها الولايات المتحدة وحلفاءها على سوريا، الكمية ووزن المواد المتفجرة التي حملتها الصواريخ والقنابل الموجهة التي انفجرت في المواقع البحثية الأربعة ومواقع الإنتاج والتخزين والسيطرة على الأسلحة الكيماوية في منطقة دمشق ومنطقة مدينة حمص كانت ضعف تلك التي استخدمتها الولايات المتحدة قبل عام (في ابريل الماضي، استخدم الأسد السلاح الكيماوي في خان شيخون شمالي سوريا، ورد ترامب بإطلاق 55 صاروخ بحري من طراز "توماهوك" على مطار الشعيرات في سوريا، والذي انطلقت منه الطائرات).

لكن أيضًا، إذا تركنا الافتراض بأن الهجوم حقق هدفه كاملًا ولم يبقِ من ورشات البحوث أي ورشة سالمة ولم يبقِ "مصنع أدوية" واحد على حاله؛ فإن لدى سوريا معرفة علمية كبيرة تقوم على أساس إنتاج مواد قتالية كيماوية، وعشرات العلماء المتخصصين في تطوير المواد الحربية غير التقليدية. ترسانات معدات إنتاج السلاح والمواد الخام ليس من الصعب الحصول عليها من السوق الدولية تحت غطاء إنتاج الأدوية، إذا فرض الغرب حظرًا على تصدير مثل هذه المواد والمعدات لسوريا؛ روسيا وإيران سيزودانها بجميع احتياجاتها. من هنا فإن الإضرار بنظام السلاح الكيماوي السوري كان على الأكثر مؤقتًا، وخلال زمن قصير سيعزز الأسد مرة أخرى ترسانته من المواد الحربية الكيماوية.

 

هذه أخبار غير سارة، ليس فقط لمواطني سوريا، وإنما لإسرائيل أيضًا

من استخدم السلاح الكيماوي ليقتل مواطنيه، لن يتردد بإلقائها على إسرائيل إذا ما خاف على بقاء نظامه؛ لذلك فالرد الغربي الركيك على أكثر من خمسين حالة استخدم فيها الأسد السلاح الكيماوي ضد مواطنيه بعيد عن ان يكون الخطوة الرادعة التي توقعوها في إسرائيل وفي العواصم الشرق أوسطية الأخرى. لم يبقَ لإسرائيل إلا أن تعتمد على نفسها، وتجهز الأدوات الهجومية والدفاعية للتأكد من أن سوريا لن تتجاوز الخط الكيماوي الأحمر في التعاطي معنا أيضًا.

 

ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية.

المصدر: أطلس للدراسات / ترجمة خاصة