بعيداً من هموم التأليف الحكومي وتعقيداته، يشارك الرئيس المكلف سعد الحريري الخميس المقبل في حفل افتتاح «المونديال» في موسكو، والتي ستليها أولى المباريات بين روسيا والسعودية، تحت أنظار المدعوّين الرسميّين من المسؤولين الكبار في العالم. على أرض الملعب ستدور مباراةٌ في كرة القدم، وعلى المنصّة سيتوزّع ممثلو لعبة الأمم.
ليس معروفاً مَن هو المنتخب المفضل لدى الحريري في كرة القدم عموماً، لكنّ الأكيد أنّ خيارَه الاستراتيجي في كأس العالم 2018 محسوم. لن يتردّد الرئيس المكلّف في تشجيع المنتخب السعودي، أقله الى حين خروجه من البطولة. صحيحٌ أنّ الحريري سيكون جالساً خلال المباراة الافتتاحية قريباً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تستضيف بلادُه هذا الحدث الرياضي العالمي، لكنّ عيونه ستكون شاخصةً غالباً في اتّجاه وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والأرجح أنه سيصفّق بحرارة إذا سجّل المنتخبُ السعودي هدفاً في مرمى نظيره الروسي، مع الحرص على عدم استفزاز «القيصر» المضيف. هنا، لا تسري قاعدة «النأي بالنفس» التي ستتوقّف مفاعيلُها عند مدخل الملعب.
النتيجة الافضل بالنسبة الى الحريري هي أن تفوز السعودية على روسيا، فإذا تعذّر كسب النقاط الثلاث لا بأس في التعادل وانتزاع نقطة واحدة على الأقل، لعلّ ذلك يعوّض شيئاً من الخلل في التوازن بين الفريقين فوق الملعب السوري.
لكنّ الحريري لا يتمنّى، على الارجح، أن يلتقي منتخبا السعودية وإيران في حال تأهّلهما الى الادوار اللاحقة من كأس العالم، لأنّ مثل هذا السيناريو لا يتناسب مع متطلّبات المرحلة اللبنانية وخصوصيّاتها.
صحيح أنّ رئيس «المستقبل» سيكون في مثل هذه المواجهة الرياضية – السياسية منحازاً بكل جوارحه الى جانب «الفريق العربي» ضد «الفريق الفارسي» وفق تصنيفات المملكة وحلفائها، إلّا أنّ غالب الظن أنه يفضل عدم حصول تلك المواجهة الإقليمية فوق الارض الروسية، في هذا التوقيت، لأنه أيّاً تكن النتيجة على ارض الملعب فإنها قد تترك وقعاً سلبياً على لبنان الهش والمنقسم بين محورَين، بل ربما تنعكس هزيمة أيّ من المنتخبين على مساعي تشكيل الحكومة أو على «الستاتيكو» الرخو بين السنّة والشيعة!
ولئن كان الحريري سيتابع بشغف مباراة الافتتاح، مباشرة من موسكو وبعيداً من ضغط السياسة الداخلية وتعقيداتها، غير أنه يدرك أنّ مهمّةً صعبةً وشاقة تنتظره لدى عودته الى بيروت عبر الرياض، وهي التوفيق بين الطموحات الوزارية المتضخّمة للاعبين اللبنانيين والتي تفوق الطاقة الاستيعابية لأيِّ حكومة. يعرف الحريري أنّ مفعول إجازته الروسية لن يدوم طويلاً وأنها ليست سوى استراحة قصيرة بين شوطين، قبل الدخول مجدّداً في معمعة التأليف ومساوماته، عقب عيد الفطر.
ولعلّ السؤال الملحّ المطروح على الحريري هو: أيّ تشكيلة حكومية سيعتمد للتعامل مع تحدّيات الملعب اللبناني الذي قد يكون الأكثر صعوبة في العالم؟
يحتاج الرئيس المكلّف بالدرجة الأولى الى تشكيلة وزارية متوازنة، تضمّ لاعبين موثوقين لا «يبيعون» المباريات، ويعتمدون اللعب النظيف للتخفيف من ارتكاب الفاولات المكلفة. وإضافة الى ذلك، يجب أن يتحلّى الفريق الوزاري بمقدارٍ كافٍ من اللياقة السياسية بغية تحصينه ضد التعب والإرهاق، وبالتالي منحه القدرة على الدفاع المُحكَم وإقفال منطقة الجزاء عند التعرّض لمخاطر داهمة، ثمّ الانتقال السلس في الوقت المناسب الى الهجوم وتسجيل الأهداف في مرمى الفساد والهدر والبطالة والركود الاقتصادي..
ويُفترض أن تضمّ هذه التشكيلة حارس مرمى من الطراز الرفيع يمنع دخول الاهداف السهلة في مرمى الحكومة. والاهم هو بناء خط وسط متناغم، يجيد لاعبوه الربط بين الخطوط، وتبادل الكرة بسلاسة وإمرارها في الاتّجاه المناسب، من دون إغفال ضرورة وجود خط هجوم متمكّن يملك حساسية التهديف لحسم أيّ مباراة صعبة، خصوصاً أنّ هناك اختباراتٍ مفصليّة ستكون في انتظار الحكومة الجديدة عندما ستلعب ضد فرق تحترف كل انواع الارتكابات، ما يستوجب استدعاء لاعبين ماهرين يُحسنون التسديد الدقيق.
وقبل كل شيء، مطلوب من أعضاء التشكيلة الوزارية المقبلة احترام صافرة الحكم (الدستور) والامتثال لقراراته مهما كانت صعبة، من غير الإساءة اليه او الاعتداء عليه، حتى لو رفع البطاقة الصفراء او الحمراء في وجه اللاعب المخالف. وعلى الوزراء أيضاً أن يتحلّوا بالروح الرياضية، فلا يتحول الخلاف الى نزاع ولا تنقلب جلسات الحكومة الى ساحة لتصفية الحسابات او لخدمة المصالح الشخصية على حساب «الجمهور» الغفير.. والغفور.
هل يستطيع الرئيس المكلّف تكوين فريق من هذا النوع، يكسب ثقة اللبنانيين ويلبّي تطلّعاتهم؟ أم أنّ الحكومة المقبلة مرشّحة للهبوط الى «الدرجة الثانية»؟
ما علينا سوى أن ننتظر الـ«coach» سعد الحريري.