لم يكن مفاجئاً اهتمام تل أبيب الاستثنائي بقمة سنغافورة. تصرفت كما لو أنها طرف مباشر معني بنتائجها ورسائلها. وهو ما برز في مواقف مسؤوليها الذين رحّبوا بالتفاهم الذي تم الإعلان عنه، كما لو أنّ كوريا الشمالية جزء من بيئتها الإقليمية المباشرة. مع ذلك، فإن الاحتفال أو التفاؤل المبالغ به في هذه المرحلة، هو مصطنع وتعبير عن أماني أكثر من كونه يعبّر عن واقع. فما جرى هو تفاهم أولي ما زالت أمامه أشواط طويلة من المفاوضات حتى يتحقق على أرض الواقع، مع التأكيد على أن التفاهم الذي تم الإعلان عنه يشكّل خطوة باتجاه التوصل إلى اتفاق شامل ومفصل تم تحديد قاعدته – ضمانات مقابل نزع السلاح النووي. هذه النتيجة الأولية شكلت دافعاً لقدر من الارتياح وتعزيز الآمال في تل أبيب. لكن مشكلة التقدير الإسرائيلي أيضاً أنه قد يبالغ أحياناً في المسارعة لاستنساخ ما جرى مع كوريا الشمالية لتطبيقه على إيران. وهو ما حضر مبكراً في مواقف العديد من المسؤولين الذين عبّروا عن أمانيهم بأن يكون ذلك مدخلاً لتكرار النموذج نفسه في الشرق الأوسط.

برز الاهتمام الإسرائيلي بقمة سنغافورة في مواقف المسؤولين الرسميين والمعلقين، وسنشهد خلال الأيام المقبلة المزيد من التحليلات والقراءات التي يتناولها الخبراء المختصين، لاستشراف مدى انعكاسها على معادلات الصراع في المنطقة. حضرت القمة في مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي كشفت مصادر من داخله على أن «الرئيس كان يتابع لقاء القمة». وقبل ذلك، كان قد أعرب عن أمانيه بنجاح الرئيس الأميركي في مساعيه. وكالعادة في مثل هذه المحطات، عمد إلى استغلال حدث القمة من أجل مقارنتها، بزيارته الأخيرة إلى أوروبا، وربط بين قضايا الشرق الأقصى والأولويات الإسرائيلية المتصلة بالبرنامج النووي الإيراني والحضور الإيراني في سوريا.
ينبع الاهتمام الإسرائيلي بنتائج ومآل المسار الذي افتتحته قمة سنغافورة من تقدير مفاده بأن مصلحتها الحيوية تكمن في نجاح خيارات ترامب التي تستند إلى سياسة حافة الهاوية. وترى أن هذا النجاح سيشكّل دفعاً إضافياً للمضي في السياسة نفسها مع إيران، وفي مجمل منطقة الشرق الأوسط. ويأملون أيضاً بأن يساهم ذلك في تعزيز منطقه داخل الولايات المتحدة نفسها بهدف الترويج لمقولة أن سياسة فرض العقوبات القاسية واعتماد سياسات أكثر هجومية، تهدف إلى تعزيز الردع، هي الأجدى والأكثر ملاءمة مع الأنظمة المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل، وللتأكيد على أن هناك بدائل واقعية، أكثر جدوى وأقل كلفة للنهج الذي اعتمدته إدارة باراك أوباما.
تشكّل قدرات وعلاقات كوريا الشمالية، مصدر قلق في تل أبيب. يعود ذلك إلى كونها تتمتع بعلاقات تبادلية مع طهران ودمشق، وبالتالي فإن خضوعها التام لمعادلة «الضمانات مقابل نزع الأسلحة النووية»، قد ينعكس إيجاباً – من منظور إسرائيلي – في ساحات أخرى. مع الإشارة إلى أن هذا النوع من القضايا لم يطرح في القمة ولم يكن حاضراً في وثيقة التفاهم التي تم التوصل إليها. لكن تل أبيب تراقب وتأمل بأن يكون لاستكمال المفاوضات لاحقاً، والتوصل إلى خواتيم تجسّد الأمال الإسرائيلية، انعكاساته على العلاقات بين إيران وكوريا الشمالية.
تراهن تل أبيب على أن نجاح إدارة ترامب في تحقيق إنجازات فعلية في مقابل كوريا الشمالية، سوف يساهم في تفرغها للملف النووي الإيراني. وعلى الأقل سوف يقطع الطريق على أي تطور دراماتيكي في الشرق الأقصى قد يخطف اهتمام وجهود الولايات المتحدة السياسية والعسكرية عن إيران وسوريا. مع ذلك، فإن هذه الرهانات والتقديرات تستند إلى مضمون محدد لأي اتفاق تفصيلي يتم تطبيقه على أرض الواقع، وإلا فإن بعض المضامين قد ترفع من مستوى القلق في تل أبيب، وتحديداً في حال لم يتم تطبيقه لاحقاً. وفي حال تراجع ترامب عن سقوفه المرتفعة، ومن ضمنها تجاهل القدرات الصاروخية في نهاية المفاوضات، كما حصل حتى الآن في الوثيقة. والأمر نفسه ينسحب على علاقات كوريا الخارجية والشرق أوسطية.
من الواضح أن إسرائيل تنظر إلى محادثات سنغافورة بعيون إيرانية وتقيّمها بمدى انعكاسها في طهران، وتعبّر عن مواقفها من مضامينها بخلفيات شرق أوسطية. من هنا، تأمل من أن يدفع الاتفاق وتنفيذه، طهران إلى تغيير قناعاتها والقبول بالعودة إلى طاولة المفاوضات لبحث اتفاق نووي جديد، على أسس مغايرة لتلك التي تم الارتكاز عليها في اتفاق عام 2015.
في هذا السياق، سارع وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، إلى الثناء على تفاهم سنغافورة ملمحاً إلى أن التوقيع عليه يشكل رسالة إلى إيران، ومعبّراً عن أنه «سيشكل أفضل نموذج أيضاً لدول وأشخاص آخرين». لكنه لم يتمكن من إخفاء حقيقة أنه ما زال أمامه تحدي الواقع، مشيراً إلى أن «الاختبار الحقيقي سيكون باستكمال الاتفاق وتنفيذه». في الأجواء نفسها، اعتبر رئيس الكنيست يولي أدلشتاين، خلال لقائه مع سفير كوريا الجنوبية، أن ما حصل هو خطوة جبارة، مشيراً إلى أن «كوريا الجنوبية مهددة من قبل كوريا الشمالية، وإسرائيل مهددة بسلاح نووي بيد إيران. علينا وضع حد لهذا. آمل أن يؤدي الاتفاق الذي وقعّ عليه ترامب وكيم إلى عملية مماثلة في منطقتنا». وورد موقف مشابه أيضاً على لسان رئيس حزب العمل، آفي غباي. 
ما تقدم، يشكل عيّنة على مشكلة تل أبيب التي قد تستدرج نفسها أحياناً عبر الخلط بين الأماني والتقديرات الواقعية. وهو ما يبرز في تجاهل المسؤولين التام للفروقات الموضوعية والذاتية بين ظروف إيران وكوريا الشمالية، وبين خلفيات وطبيعة النظامين في كل منهما، إضافة إلى عناصر أخرى داخلية وخارجية تتصل بموقع إيران وشبكة تحالفاتها، على رغم وجود علاقات متينة بين الطرفين، وكونهما يندرجان ضمن «محور الشر» بحسب التصنيف الأميركي. لا شك في أن فشل ترامب مع كوريا الشمالية، سيكون له انعكاسه السلبي الكبير على استراتيجيته العامة في مواجهة أعداء الولايات المتحدة، ولكن نجاحه الجزئي أو الكامل – لاحقاً - لا يعني أن ما قد ينجح في الشرق الأقصى، سوف ينجح بالضرورة في منطقتنا، وتحديداً في كل ما يتصل بمعادلات الصراع مع إسرائيل، وبمواجهة الجمهورية الإسلامية في إيران.

المصدر: علي حيدر - الأخبار