لم تعُد عملية تشكيل الحكومة تسير وفق إيقاع بطيء. بل باتت تتراجع إلى الوراء، بحسب رئيس مجلس النواب نبيه برّي. يبدو أن هناك فريقاً في البلاد ليس مستعجلاً التأليف، على عكس ما يُصرّح به، والمقصود هنا رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي ينتظر أمراً ما، يُرجح أن يكون متصلاً بتوازنات المنطقة واحتمالات انعكاسها على لبنان
لم تُكتب للبلاد استراحة سّياسية حقيقية في إجازة عيد الفطر. باغتها انشطار داخلي في التعامل مع ملف النازحين السوريين. عادَ الانقسام إلى المشهد، بأبعاد مذهبية وطائفية هذه المرة. واقع يُنبئ باحتقانات مؤجلّة قابلة للانفجار. الحكومة التي تنتظِر من يحرّك عجَلة تشكيلها «لم تعُد تسير وفق إيقاع بطيء. بل باتت تتراجع إلى الوراء» بحسب رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
كل المناخات الإيجابية التي أعقبت الانتخابات النيابية وتكليف الرئيس سعد الحريري، تبخّرت فجأة. برزت فجأة معطيات تشي بعناصر خارجية تجعل التأليف مؤجلاً حتى إشعار آخر.
لعل هناك من يراهن محلياً على متغيرات إقليمية أو أنه ينتظر ما سترسو عليه توازنات الإقليم ليرسم بعدها توازنات الداخل الجديدة، بمعزل عن نتائج الانتخابات النيابية التي كانت مخيبة للبعض محلياً وخارجياً. قبلَ سفر الحريري إلى روسيا ولقائه هناك بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قيل أنه وقبل أن يقدم على أية خطوة حكومية يريد أن يستشف حقيقة ما يريده السعوديون من لبنان في المرحلة المقبلة؟
في الجواب السعودي ما قد يُشفي غليل الحريري التواق للعودة إلى السراي الكبير أو رُبما يؤدي إلى البقاء في حالة المراوحة وتصريف الأعمال لوقت أطول. لكن السعوديين، بحسب مصادر مستقبلية، لم يقدموا أية إشارة لأحد في موضوع الحكومة «إما لأنهم ينتظرون من الحريري مبادرة ما وإما بسبب انشغالهم بملفات المنطقة، وتحديداً بما يجري في الميدان اليمني». وتتابع المصادر القول أن «هذا الأمر انسحب أيضاً على زيارة الحريري الرياض». الأسوأ ليس الارتداد على الحكومة، بل تعمد السعوديين التعاطي مع الحريري «وكأنهم غير مهتمّين لأمره أبداً». وهذا يعني أن المشكلة «هي مع الحريري نفسه قبل أي طرف آخر»، ذلك أن ثمة من يردد أن المملكة لا تزال ترى في الرئيس ميشال عون «حليفاً قوياً لحزب الله»، في مقابل دفاع الحريري عن رئيس الجمهورية وعن التسوية التي أبرمها معه قبل أقل من سنتين.
في هذا السياق، أكد الرئيس برّي أمام زواره أمس، أنه في موضوع الحكومة «لا تزال الأمور تراوح مكانها. بل على العكس. فهي بدلاً من أن تتقّدم تتراجع إلى الوراء». وقال: «الحكومة en arrière. ولا نعرف السبب». وأضاف: «كنّا قد طالبنا بالاستعجال، وأكدنا استعدادنا تسهيل تشكيلها إلى أبعد الحدود، لكن لم يتّم التجاوب مع مطلب البلد بضرورة تشكيل حكومة بالسرعة المطلوبة تتصّدى للأزمات التي يعانيها». وأسف برّي للوضع الاقتصادي وقال: «ليس هناك من يتحسّس حجم الخطر المحدق بالبلد»، وتابع: «لا يكفينا الوضع الاقتصادي، حتى أصبحنا اليوم أمام واقع أمني خطير جداً، وأقصد ما يجري في منطقة البقاع الشمالي». واعتبر أن ما يحصل هناك «لا يؤذي المنطقة أو لبنان، بل هو يشكل إساءة كبيرة للعهد الذي نحرص عليه أكثر من كل الآخرين».
من وجهة نظر بري: «لا يجوز التأخير أكثر في التأليف. في فترة العيد (الفطر) كانت هناك مشكلات كبيرة من دون أن يحرّك أحد ساكناً». والغريب أنهم «في الدولة يتحدثون عن خطط أمنية، لكن هذا الأمر في ظل الواقع الذي نعيشه ونراه ليس سوى مجرد كلام وهمي». وأضاف: «نحن في أمل وحزب الله قدّمنا كل التسهيلات، ونقوم بما هو مطلوب منا لإنقاذ هذه المنطقة. المطلوب قرار جدّي يقترن بفعل جدّي، فقد حان الوقت لإنقاذ منطقة البقاع وإدخالها في الدولة، في حين يجري التعامل معها وكأنها خارج نطاق الدولة، بقرار من الدولة»!
حتى مساء الأمس، لم يحصل أي اتصال بين برّي والحريري. تواصل الإثنان بعد مغادرة الحريري الرياض متوجهاً إلى باريس من دون الدخول في التفاصيل (ينتظر أن يعود رئيس الحكومة غداً، على أن يعقد جولة من المحادثات، بعد غد الخميس مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل). عملياً، «المرحلة صعبة»، يقول برّي إن «تعقيداتها لها أسباب داخلية وخارجية تؤخّر الحكومة». لا مؤشرات إيجابية تُنبئ بجدية في التأليف. «قلنا لهم أن يستعجلوا»، يقول برّي: «لكن لا يبدو أنهم على عجلة»، ويختم: «سبق أن قلت لهم أيضاً إنني موجود في البلاد حالياً إن أردتم التشكيل، ومن الممكن أن لا تجدوني في الأسابيع المقبلة».