إستدعى كلام وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل أمس في البترون حول إجراءات يزمع اتخاذها في حق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان متهما إياها بأنها تواجه السياسة اللبنانية في ملف متفجّر كملف النزوح السوري إستنفارا على أكثر من جبهة سياسية ودبلوماسية ودولية ولا سيما من قبل العاملين في الأمم المتحدة وفي المفوضية بغية استيعاب الموضوع وعدم تطوّره أكثر.

وبعد ظهر اليوم الجمعة اتخذ باسيل  الذي داوم في “قصر بسترس” كعادته اجراء استثنائيا يقضي بمنع الاقامات عن موظفي المفوضية ملوحا باجراءات تصاعدية اخرى. وجاءت خطوة باسيل بعد تريث طويل وإثر تركه المجال لفسحة من التشاور مع الجسم الدبلوماسي المختص في الوزارة الذي تابع هذا الملف سياسيا وانسانيا وحتى ميدانيا، وقد اتخذ باسيل هذه الخطوة بعد المعلومات التي تراكمت لديه حول ما تقوم به المفوضية ميدانيا وخصوصا إثر الزيارة التي قام بها أمس الى عرسال وفد دبلوماسي رفيع مع وفد من “الأمن العام” اللبناني تألف من مدير الشؤون السياسية والقنصلية السفير غادي الخوري ومدير مكتب وزير الخارجية والمغتربين المستشار هادي الهاشم والدبلوماسي حمزة جمّول.

وفي مقابل صمت غير مألوف من قبل رئيس الحكومة اللبنانية وفريقه حول ملفّ إنساني وسياسي شائك بهذا الحجم، فإن “قصر بسترس” حفل بالمستفسرين عن خلفيات  ما يجري مع المفوضية في أول مواجهة من نوعها بين لبنان ومنظمة دولية تابعة للأمم المتحدة.

في هذا السياق، التقى موقع “مصدر دبلوماسي” مدير الشؤون السياسية والقنصلية في “الخارجية اللبنانية” السفير غادي الخوري الذي كان طلب من ممثلة مكتب المفوضية في لبنان ميراي جيرار منذ 3 ايام تقديم خطة واضحة حول ما تعدّه المفوضية لعودة النازحين السوريين الى المناطق الآمنة في سوريا مانحا إياها مهلة أسبوعين.

الخوري: أول “نقزة” في شبعا

يتابع السفير الخوري عمل المفوضية منذ تسلّمه مديرية الشؤون السياسية والقنصلية منذ 9 اشهر، ولا يخفي الخوري الذي شارك في مؤتمر بروكسيل (2) حول اللاجئين في دول الجوار أنه وضع علامات استفهام كثيرة حول عمل المفوضية.

 ارتسمت أولى علامات الإستفهام  مع إنجاز المديرية العامة للأمن العام اللبناني في 18 نيسان الفائت وفي حضور المفوضية عودة 472 نازحا من شبعا الى بيت جن ومزرعة بيت جن في داخل الأراضي السورية بعد مرور ما بين الأربع أو الست أعوام على نزوحهم الى لبنان.  وهي عودة حصلت بمقوماتها اللوجستية والأمنية لتوفير عودة آمنة وطوعية للنازحين بملء ارادتهم. لكن عملية العودة التي تمت بالتنسيق التام مع المفوضية فاجأت من واكبوها عن كثب بطريقة تعامل العاملين الذين راحوا يقفون أمام الباصات بحسب شهود عيان محاولين ثنيها عن المغادرة ويطرحون على العائدين أسئلة من نوع:” هل أنتم متأكدين من أنكم تريدون العودة؟!”.

 هذا التصرف وسواه استدعى احتجاجا من وزارة الخارجية اللبنانية التي لم تستسغ سلوك العاملين في المفوضية الذين راحوا يتصرفون ليس “كموظفين يقومون بواجباتهم في منظمة دولية انسانية بل كمناضلين من اجل قضية” بحسب تعبير السفير غادي الخوري الذي استدعى ممثلة مكتب المفوضية في لبنان ميراي جيرار الى مكتبه بناء على تعليمات الوزير جبران باسيل مثيرا سلوك المفوضية لجهة اصدارها بيانا مخالفا للسياسة العامة اللبنانية المنسجمة بالكامل مع المبادئ الإنسانية والقانون الدولي والتي تقضي بالعودة الآمنة والكريمة للنازحين السوريين الى بلدهم، مشيرا الى أن مضمون البيان يزرع الخوف والتردّد في نفوس النازحين السوريين الذين قرروا طوعا وبملء ارادتهم العودة الى بلدهم، كون الوضع الأمني في معظم مناطق سوريا بات يسمح بالعودة، وسبق الخطوة الدبلوماسية تجاه المفوضية بيان اصدرته وزارة الخارجية ابدت فيه اسفها لمضمون البيان واكدت ان ذلك “يؤكد مخاوفنا من وجود سعي جدي الى التوطين”.

إعادة التوطين في بلد ثالث مسألة وهمية

في هذا السياق، يشرح السفير الخوري أن عمل المفوضية تحكمه 3 خيارات، الأول، عودة النازحين، الثاني، إعادة التوطين في بلد ثالث، والثالث مساعدتهم على الإندماج في المجتمعات التي يتواجدون فيها.

ويشير السفير الخوري الى أن “المفوضية في كل بياناتها لا تتحدث عن اي هدف بدمج هؤلاء في المجتمع اللبناني، بل عن إعادة التوطين في بلد ثالث، لكنّ هذا الكلام وهم، لأن عمليات إعادة التوطين من لبنان الى بلد ثالث أثبتت أرقامها أنها غير جدية، ولا يتبقى أمام المفوضية إلا خيارين: إما عودة النازحين وهي متشددة حياله بشكل كبير وتلاحق النازحين أينما كانوا لإقناعهم بالبقاء، ما يبقي خيارا وحيدا هو إدماج هؤلاء في المجتمع اللبناني”.

ولدى استعراضنا للأرقام التي نشرها موقع المفوضية الرسمي يتبين بأن عمليات إعادة التوطين تتراجع بشكل ملموس منذ 2015 وهي غير مجدية قياسا للعدد الكبير الموجود في لبنان وقوامه مليون ونصف المليون نازح في أقل تقدير. فعام 2015 تمّ إعادة توطين 7 آلاف نازح، وعام 2016 تم توطين 19500 نازح، وعام 2017 تمّ توطين 12 ألف نازح، وصولا الى الأشهر الستة الأولى من هذه السنة بحيث لم يتجاوز عدد الموطنين بحسب معلومات المعنيين أكثر من 3500 نازح.

المجمتع الدولي لا يريد عودة النازحين

 

ويتابع السفير الخوري سرده ليصل الى مؤتمر بروكسيل (2) حيث فاوض الوفد اللبناني بشكل متشدد ودقق في ورقة لبنان ولكنه استبعد من المشاركة في التدقيق في البيان المشترك للدول المشاركة. وقد تضمّن هذا البيان أفكارا منها أن الوضع في سوريا عام 2017 كان أسوا من عام 2016 وهو تقدير خاطئ لأنه في عام 2016 كان تنظيم “داعش” موجودا في سوريا في حين أنه انتهى عام 2017. ولم يتمكن لبنان من تعديل هذا البيان المشترك، ما ولّد لدى المشاركين اللبنانيين “أن المجتمع الدولي ليس متساهلا ولا متعاونا بمسألة العودة وأن المفوضية في لبنان تعمل أكثر من واجباتها وهذا ما ظهر من خلال شهادة عدة نازحين تحدثنا اليهم في عرسال امس إذ قال أحدهم بأنه بعد التحقيق معه ومع أسرته (يتم فصل النساء عن الرجال ويتم استنطاق الأطفال أيضا في سن الستة اعوام من قبل العاملين في المفوضية)، تم الطلب اليه بعدم العودة الى سوريا وهو ما عرضته قناة “الأو تي في” في نشرتها الإخبارية امس”، بحسب السفير الخوري الذي يخلص الى القول بأن ” العاملين في المفوضية لا يقومون بعملهم بحياد  بل يتصرفون كمناضلين”.

كذلك علم الوفد الدبلوماسي بأن العاملين في المفوضية يطرحون اسئلة من نوع: هل الدولة اللبنانية تضغط عليكم للخروج من لبنان؟ وفي هذا الأمر –بحسب الخوري- “اتهام صريح للدولة اللبنانية بأنها تطرد السوريين هي التي احتضنتهم ولا تزال وهذا الأمر يخرج عن كافة الأعراف والممارسات الدبلوماسية والأهم أنه لا يمتّ الى الحقيقة بصلة”.

وعن ماهية الإجراءات التي من الممكن أن يلجأ اليها لبنان بعد وقف الإقامات اليوم؟ قال السفير الخوري:” أن ثمة مروحة خيارات متدرجة تدرسها الوزارة بشكل يدفع المفوضية للعمل بشكل جدّي من أجل عودة النازحين”. 

 

وكيف سيتمكن لبنان من مواجهة الأمم المتحدة في ملف انساني واقليمي ودولي متفجر؟ يقول السفير الخوري:” نحن كلبنان نقدّر جزءا من التعاون مع المفوضية في مواضيع مختلفة، لكنها تخطت كل الأعراف في موضوع اللاجئين. يهمنا أن نبقي على علاقتنا مع المنظمات التابعة للأمم المتحدة حيث ان هذه المنظمة دعمت لبنان في قضايا عدة ولبنان يعتبر ان الشرعية الدولية تشكل مظلة واطارا قانونيا يحميه ونحن حريصون على الإبقاء على علاقة لبنان كدولة مؤسسة للأمم المتحدة، لكن في موضوع النزوح السوري فإن الأوضاع الإجتماعية والإنسانية والاقتصادية السائدة في لبنان تمنعه من التساهل في هذا الملف”.

 

المصدر: موقع مصدر دبلوماسي